العربية أمام القضاء
محمد شحلال
سبق للقضاء المغربي أن واجه عبر العقود الماضية قضايا فيها كثير من الغرابة،وكان عليه أن يبذل قصارى الجهود للتكييف والملاءمة ليجد المخرج المناسب،غير أن القضية التي عرضت على أنظار القضاء مع بداية شهر فبراير الجاري،هي من القضايا التي يجب أن تسائل كل المغاربة ساسة ومحكومين،ذلك أن فئة من مواطني هذا البلد قد نصبوا جهات ترافع عن حقهم في رفض اللغة العربية كمادة ضمن برنامج البعثات الخاصة التي يدرس بها أبناؤهم ضدا على قوانين هذه البعثات !
وبعيدا عن التحامل السريع على هؤلاء المواطنين الذين يؤدون تكاليف معتبرة من أجل تكوين أبنائهم في هذه البعثات المتميزة،فإنه لا بد من التذكير بهموم المدرسة المغربية المزمنة والتي سال بشأنها حبر كثير دون أن نصل إلى حد أدنى من التوافق،وهو الأمر الذي فصل فيه المرحوم محمد عابد الجابري في كتيب مرجعي بعنوان : مشكل التعليم بالمغرب.
وبالعودة إلى مرحلة كفاح الحركة الوطنية لإخراج المحتل الفرنسي من بلادنا،فإن الزعماء السياسيين لم يسلموا من ازدواجية الخطاب والشخصية،حيث ظلوا يتهجمون على المستعمر ويؤلبون المواطنين ضده،لكنهم ظلوا حريصين على تعليم أبنائهم في المدارس الأجنبية قبل بعثهم لاستكمال التكوين في معاهد الميتروبول لشغل المناصب الحساسة التي تنتظرهم بمجرد العودة إلى أرض الوطن.
وللأمانة التاريخية،فإن جل الزعماء السياسيين في الحركة الوطنية،قد مروا بدورهم عبر المعاهد والجامعات الفرنسية على وجه التحديد وإسبانيا بالنسبة لأهل الشمال.
وهكذا وباستثناء الزعيم علال الفاسي،فإن عبد الرحيم بوعبيد وأحمد رضا كديرة واليازغي وفتح الله أولعلو… وغيرهم،قد درسوا بفرنسا،بل إن منهم من تزوج من فرنسيات مثلما هو الحال بالنسبة للمرحوم بنهيمة ورضا اكديرة وعبد الرحمان اليوسفي…
لقد كان الصراع خفيا بين الزعماء والنخب السياسية ،لكنه كان قويا حول مراكز النفوذ بعد نيل الاستقلال،فتم الإعداد لذلك عبر امتلاك أدوات تعويض الأطر الفرنسية،وهو الأمر الذي شجعته القوة المحتلة من خلال تثبيت من يدافع عن مصالحها في القطاعات الحساسة،بما فيها الجيش الذي زرعت فيه الجنيرال أوفقير على سبيل المثال.
إن ما قام به بعض الآباء مؤخرا حينما احتكموا للقضاء لإلغاء حصص اللغة العربية من مواد تدريس أبنائهم،هو في الواقع مطلب ينسجم مع التطلعات التي يغذيها هؤلاء وهم يعدون أبناءهم لسلاسة التوظيف، مستندين إلى ممارسات عجزت بلادنا عن تجاوزها رغم كل هذه السنين الطويلة،حيث مازال القطاع المالي يعتمد اللغة الفرنسية،ناهيك عن معاهد التكوين العلمي وكليات الطب والصيدلة،بل إن مهنة الموثقين تقوم أساسا على الخبرة الفرنسية في معالجة قضايا العقار، علما بأن هناك عشرات المجالات التي لا مكان فيها للعربية والأبناك أقرب نموذج في واقع المواطن البسيط.
إن القضية التي هزت الرأي العام بخصوص الدعوى التي رفعها بعض الآباء ،،ضد العربية،،أمام القضاء،إنما تحيي جرحا عميقا ببلادنا،وأعني الصراع الذي يتغذى هنا وهناك حول الأمازيغية التي يريد البعض رفع سقفها لتصبح خصما للعربية لا تخفى رائحته الانفصالية والعنصرية ،مما يهدد أهم عنصر استمرار هذا الوطن ألا وهو الوحدة بمفهوم الأمة وهي نعمة يرتبط بها استقرار البلد بفضل نظام حكم يحتضن كل الأعراق والتقاليد عبر لغة الضاد والدين الإسلامي الذي يشكل بديلا ملائما لنزعات العنصرية والصراعات العرقية.
أتساءل كسائر المواطنين البسطاء عن المآل الذي ستفضي إليه نازلة مقاضاة العربية، وهو المآل الذي نأمل أن يحظى بعناية أهل،،الحل والعقد،،حتى يعرف الناس أقرب الطرق إلى،،تامغربيت،،التي يفترى عليها أو تعدم بمجرد أن تلوح المنفعة الشخصية .
إنه موضوع شائك،لكن عبد ربه الذي هو نتاج لسلسة نسل أمازيغية خالصة متواصلة الحلقات،يسعده أن يعتز بلغة الضاد،هذه اللغة التي جعلتني أنتصر لها على حساب أمازيغتي التي احتفظ بكل أسرارها وقواعدها،لكنني لن أوظفها يوما كمعول هدم رغم استصغار بعض غير الناطقين بها لشأنها، بل وبمحاولة مصادرة الحق في استعمالها،وهم يجهلون عن قلة إدراك ووعي، بأن ما راق الأمازيغ في الدين الإسلامي، هو مفهومه الراقي للمساواة بعيدا عن العرق واللغة والعصبية المقيتة.
رحم الله شاعر النيل وهو يتغنى بمحاسن العربية في قصيدة خالدة يجدر أن يحفظها كل متعلمينا ليرفعوا من شأن
هذه اللغة التي يتنبأ لها العلماء بالريادة في قادم الأيام :
رموني بعقم في شبابي وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي رجالا وأكفاء،وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظا وغاية وسعت كتاب الله لفظا وغاية
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني ومنكم وان عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فانني أخاف عليكم أن تحين وفاتي
هي أبيات مقتطعة من قصيدة جميلة أبدع فيها شاعر النيل،حافظ ابراهيم وهو يمتدح لغة الضاد.