«حربُ الـگـوم» وأسئلة التأريخ لما بعدَ الكولونيالية
بمتابعة: إدريس الواغيش
في إطار حلقات «موائدُ تقاسم المَعرفة» التي دأبَت على تنظيمها كلية الآداب والعلوم الاجتماعية سايس-فاس، تم تسليط الضوء على رواية «حرب الـگـوم» للباحث الأكاديمي المتخصص في الأنثروبولوجيا السياسية الدكتور محمد المعزوز، تقدم بها مجموعة من النقاد والدكاترة، يتعلق الأمر بالسادة: سمير بوزويتة بصفته عميدا للكلية وباحثا في التاريخ، محمد بوراس، محمد الداهي وشكير فيلالة، أما الجلسة فكانت من تسيير الباحث والناقد عبد الرحمن طنكول. تم ذلك صبيحة يومه الجمعة 17 فبراير 2023 بمدرّج المحاضرات الجديد بالكلية مجموعة، بالتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير وكرسي الأسيسكو- الجامعة الأورومتوسطية – الفنون، المجتمعات والحضارات.
رواية »حرب الـگـوم» تضعنا باختصار أمام نظرية ما بعد المرحلة الكولونيالية، وكيف ننطلق بعدها؟ وإلى أيّ خاتمة نريد الوصول بعدها؟، هذه الاسئلة وغيرها قد تواجه أيّ مبدع، وهو يحاول مقاربة أيّ جنس آخر، خصوصا في الرواية أو في نمط سردي متفرّد ومنفرد يؤرخ للتاريخ من منظور أدبي، وأثناء معالجتها تظهر عبقرية المُبدع أثناء تسطيره لبرنامجه السردي أو الإبداعي بشكل عام. وهنا حيث يحتل البُعد التراجيدي في الرواية والعمل الدرامي كثافة تراجيدية عند «نتشه» مثل: القوة، الفرح، ومحاولة الخروج عن الذات لاقتحام عوالم أخرى.
في هذه الرواية، مشاهد لا يمكن إلا أن تتفاعل معها كقراء بشكل تراجيدي، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحتوي على لحظات من الرومانسية والفرح في إطار تلاقي البُعدين التراجيدي والواقعي، كما أنها تبرز خصوصية الإنسان المغربي عند هذا “المَغربي الكَومي” في مواجهة المخاطر بطريقة بطولية لا نراها إلا في أفلام هوليود الامريكية. الرواية لا تخلو أيضا من الأبعاد الإنسانية، وذلك من خلال استحضار الإنسان في بُعديه المثالي والشرّير بصفته مكوّنا من مكوّنات هوية الإنسان المغربي. اللغة في الرواية كما أبرز بعض المتدخلين “تتراوح بين عدة مستويات، وتتأرجح بين المشاهد القوية والحادة والقاسية أحيانا أو والرومانسية والشعرية الحالمة في أحايين أخرى”، وذلك في “مشاهد وانفلاتات جمعية وفردية”، بالرغم من أن عنوان رواية «حرب الـگـوم» تبقى حربا سواء كان ذلك في الواقع والحياة أو في فن السرد.
والرواية “توحي بالعنف والدّم والقتل والتقتيل، فيها الهزيمة كما الانتصار”. ولغتها كما أوضح بعض المتدخلين فيها “حُلم وتذكر، استذكار واسترجاع” وذلك من منطلق السرد الروائي. ويضيف آخرون أن الروائي المعزوز ” استعمل تقنيات ذكية جدا في هذا العمل، وهي تجمع بين استحضار زمني الماضي والحاضر، أو إلغائه في بعض فصول الرواية” إلى دجة أنه يمكن لأي شخص تبنّيها في دول مختلفة، مع ضرورة استبدال الأشخاص والأسماء. وأيضا في الرواية علاقة تنبني على الجدّية بين الواقعي والتراجيدي في الرواية، وبين التاريخي والواقعي، وقد عمل المؤلف على “استنبات لغة وتقنية جديدة في الكتابة أثرت المُعجم العربي بذكاء”، وهذا الاستنبات هو “لغة داخل لغة أخرى من خلال استعمال أسماء النباتات والأشجار”. وتبقى أهمية هذه الرواية في إغنائها للغة العربية وإبعادها عن اللغة الكلاسيكية”، وبذلك يكون الروائي المعزوز قد قدّم الشي الكثير للرواية المغربية واللغة العربية.
الدكتور طنكول من جهته ذكّر الحاضرين بأن مؤلف الرواية عمل على دراسة الفلسفة وتوظيفها. أما الناقد محمد الدّاهي فقد ركز في مداخلته على مفهوم البطولة الجماعية التي عرف بها المغاربة، سواء داخل المغرب أو خارجه في الجزائر وتونس وإيطاليا وفرنسا، ولكن الذي حصل هو أن أوروبا “حاولت تشويه هؤلاء الجنود من خلال نشر بعض الأقاويل الكاذبة واتهامهم باغتصاب النساء في إيطاليا، رغم أنهم كسبوا معارك طاحنة في أوربا وساهموا في تحريرها من النازية”. العمل الروائي يختلف عن التاريخ من خلال الكشف عن الكتابات الكولونيالية الفرنسية، وكيف أنها تصف المغاربة بأقبح الأوصاف. والرواية هنا “تعيد الاعتبار للوَعي التاريخي بين جدلية التاريخ والتخييل، واستعمال التخييل من أجل قراءة جديدة للتاريخ، وإضفاء الوعي التاريخي وإعادة الاعتبار إليه”، وفي هذه الجدلية تكمن “أهمية الراوية التي تصنع تاريخا جديدا للشعوب المتحرّرة ومنها المغرب، وهي ذاكرة إبداعية تصحّح أخطاء التاريخ، وتعيد تحسين علاقتنا مع تاريخنا. و”حرب الكوم” تساءلنا اليوم بصفتنا “آخرين” لا “نحن”، كما ينظر إلينا المُستعمر، ولذلك فالرواية تحاول أن تكون “أكثر واقعية في بلاغتها، وإنشاء بلاغة جديدة مكان البلاغة القديمة من خلال لوحات وأمكنة ودلالات تشكل هندسة الرواية”. الناقد والمؤرخ الدكتور بوزويتة حاول من جهته أن يلامس ما هو جديد في الرواية من خلال بناء تصوّر الآخر لتصوُّراتنا للماضي، وفق رؤية نقد الاستشراق لدى إدوارد سعيد وشاكرا بارتي، وذلك وفق تقاليد” التأريخ من أسفل” في الهند الكولونيالية وبنظرة ما بعد الكولونيالية في الرواية، بعيدا عن منطق دراسة التاريخ في تتبّع مسارنا التاريخي المليء بالأمجاد والبطولات.
الروائي الدكتور محمد المعزوز ختم بالقول: “أنا جدّ متأثر لما سمعته في حق الرواية، ولم يعد هناك شيء يستحق الكلام بعد الذي سمعت، إذ من الصعب أن أتحدّث عن هذه الرواية، ولكن سأتحدث باختصار عن دواعي كتابتها. هناك جمعيات في إيطاليا رفعت دعاوى قضائية ضد المغرب تطالبه بتعويضات عمّا يُسمّى “ضحايا الجنود المغاربة من النساء في إيطاليا”، وبالتالي أصبحت صورة المغربي سيئة في بعض المناطق من دولة إيطاليا، وهناك أفلام تتحدث ظلما وجورا عن بشاعة ما ارتكبه “الكوم المغربي”، وفي المقابل لا نجد أطروحة مغربية واحدة تحاول أن توضح الكثير من الحقائق أو تبطل هذه الاكاذيب، وهي علاقة ملتبسة بما هو سياسي وإيديولوجي أكثر ممّا هو ثقافي، والإيديولوجيا كما نعرف هي مواقف. وقليل من يعرف أن هذه الجمعيات الحقوقية لا زالت تلاحقنا إلى اليوم بظلم واضح، كما وقع في علاقتنا مؤخرا مع الاتحاد الأوربي”.
الروائي أو المؤلف لا يمكن أن يقول كل شيء، ولا يمكنه أن ينوب ثقافيا عن السياسي، كما لا يمكن للمؤرخ أن يتحدث عن التفاصيل الوجدانية أو أن يدقق في الكيمياء الوجدانية لشخصية تاريخية أو يكتب عن الكيمياء الجماعية لحدث تاريخي معيّن، وهنا يأتي دور الروائي أو المبدع، وهو ما فعله مشكورا الدكتور محمد المعزوز، وهو يؤلف لنا رواية تاريخية جميلة، اختار لها من العناوين »حرب الـگـوم».