ذ. محمود بودور
لا يمكن أن يشك أحد عاقل في أننا عابرو سبيل في هذه الحياة وأننا ولابد يوما ملاقو الله وواقفون أمامه. ويومئذ يسأل كل واحد منا لوحده أأدى الأمانة فيما استؤمن أم ضيع.
ويال أعمارنا تمر مر السحاب!!
العام كالشهر والشهر كالاسبوع والاسبوع كاليوم واليوم كلحضة عابرة!
ولقد كتب علينا أن نحمل هم تربية وتعليم أبناء الناس في بلدنا العزيز . فمنا من أدى الأمانة على أحسن وجه وقضى نحبه فذكره الناس بخير وأثنى عليه تلامذته فطوبى له وهنيئا ومنا من ضيع الأمانة فذكره الناس بشر فما ينتظره أشر.
لكن التعليم في بلدنا لا يزال بخير. ولا يزال في هذا القطاع أشرف الناس وأتقاهم وأنقاهم ولي اليقين أنهم في كل مدرسة وفي كل اعدادية و ثانوية وفي كل جامعة . الخير باق في أمتنا إلى يوم الدين. قد يكون عددهم قليل في بعض الأحيان. لكن العبرة ليست بالعدد فقد كان سيدنا إبراهيم أمة لوحده.
ولقد شهدت في كل مدينة ومؤسسة اشتغلت بها طول مشواري المهني في التعليم مبادرات و بصمات خير تملأ الأعين فرحا وغبطة. الخير باق في أمتنا إلى يوم الدين.
كثيرا ما شد انتباهي حديث نبينا عليه السلام : “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس”
فأقتبس منه وأقول هكذا:” لأن يهدي الله بك تلميذا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس” العبرة ليست في العدد يا سادة.
هب أن كل استاذ ركز في جهده طوال الموسم الدراسي على تلميذ واحد فواكبه ووجهه واعتنى به من جميع الجوانب ، ألن يتخرج للمجتمع كل عام عددنا الذي يفوق 300 الف من اامواطنين الصالحين المصلحين ونخبا قد تقود التغيير المنشود في بلدنا الى مصاف الدول المتطورة. ان الولايات المتحدة بعظمتها وعدد سكانها وشساعة أراضيها وقوتها لا يقودها سوى بضع آلاف من النخبة المثقفة من أبناء الشعب الأمريكي وعقول مهاجرة من مختلف أرجاء العالم يصطادونها من هنا وهناك وينتقونها بشتى الطرق والوسائل ليقودوا العالم بأسره.
فضع بصمتك لعل الله يخرج من بين يديك من يصنع التاريخ.
جاءتني تلميذة في بداية هذا الموسم رفقة والدتها لأسلمها شهادة مدرسية وأخبرتني أنها اختارتها الشركة الامريكية العظمى NASA لتشتغل هناك في الولايات. تلميذة بسيطة في مظهرها يبدو عليها أنها من وسط هش ومن عائلة متواضعة ستشتغل رفقة علماء أمريكيين ومغاربة وغيرهم من مختلف أصقاع الأرض. إنها تلميذتي وتلميذتك!
كثيرا ما نصادف مبادرات خير ولا نتفاعل معها لسبب من الأسباب غالبا ما تكون مادية. لكن لنعلم أنها فرص قد لا تتكرر يعرضها علينا الله سبحانه وتعالى لنرقى ولنضع بصماتنا.
“لينفق كل من سعته” . الانفاق هنا ليس ماديا فقط بل قد يكون باليد أو بالقول أو بتيسير أمر أو بتقديم خدمة أو إغاثة ملهوف أو بنصيحة تلميذ….
أبواب الخير كثيرة يا سادة.
ولقد شهدت فيما شهدت أستاذة من خيرة نساء التعليم تكسو تلميذها من مالها وأساتذة يشترون كتبا ودفاتر لطلابهم وإداريين ينفقون على مؤسستهم من مال أبنائهم.
ولقد شهدت فيما شهدت أستاذة تحضن وتقبل تلميذة تشكو لها قسوة والدتها التي لم تحضنها أبدا. الخير باق يا سادة. إنهم نساء ورجال التعليم ولا فخر.
لاحظت الأستاذة أ. ح. وهي من خيرة خلق الله أن تلميذها الذي يدرس عندها في قسم العلوم الرياضية لم يغير ملابسه لمدة طويلة فاستخبرت عنه ووجدته تلميذا داخليا ينحدر من وسط هش فجاءتني وقدمت مبلغا مهما لشراء ملابس جديدة ورفضت أن يعلم تلميذها أنها هي من اشترت الملابس. إنها أستاذة من نساء أهل الجنة يا سادة.
لن أستطيع أن أذكر كل ما شهدته من مبادرات الخير والاحسان في نساء ورجال التربية والتعليم فهذا غيض من فيض. إنهم خيرة ما عندنا في بلدنا الحبيب والخير موجود أكيد في الناس أجمعين من عمال وفلاحين وتجار وموظفين في قطاعات أخرى. إنهم المغاربة يا سادة أهل خير و علم و تقوى عبر تاريخم المجيد.
“ألا تستحي أن نسويك مع من علمك” ذلك كان رد المستشارة الألمانية على قاض أراد الزيادة في الأجر ليتساوى مع راتب المعلم.
راتب المعلم من أعلى الرواتب في الدول المتطورة وحتى في بعض الدول العربية كدول الخليج التي تشهد نهضة في مختلف المجالات. إنها الأمم التي علمت أن لا نهضة دون امرأة ورجل التعليم.
وللأسف في بلدنا العزيز لا زال المسؤولون في غفلة عن ذلك. ورغم ذلك بصمات نساء ورجال التعليم في كل مكان وفي كل مجال وخاصة تلك التي فيها الخير والاحسان والاصلاح.
ضع بصمتك كلما سنحت لك الفرصة . ضع بصمتك في مبادرة خير داخل او خارج مؤسستك. ضع بصمتك بحضورك وتواجدك في أنشطة تلامذتك. ضع بصمتك في ابتسامتك في وجه زملائك في وسط عملك. ضع بصمتك في غرس شجرة في ساحة مدرستك. ضع بصمتك في درس تؤديه بمشاعرك. ضع بصمتك في تحبيب متعلميك في مادتك. ضع بصمتك في رسم بسمة على وجه تلميذك او تلميذتك. ضع بصمتك في حفل تقيمه مؤسستك لتكريم زميلك أو زميلتك. ضع بصمتك في حرصك على نظافة مكان عملك. انت أسمى من مجرد موظف يتقاضى راتبا على مهمة داخل قسمك.
التلميذ صفحة بيضاء في يدك وصدقة جارية من بعدك تخرجه من ظلمات الجهل الى نور العلم.
يأتيك المتعلمون من كل حدب وصوب محملين بثقافات وأفكار أسرهم أغلبها منحرفة فتقوم اعوجاجهم وتمحو جهلهم وأميتهم وتضعهم على السكة الصحيحة ليشقوا طريقهم في درب الحياة منتفعين ونافعين لأسرهم ومجتمعهم.
وكثيرا ما يقف رجال التعليم سدا منيعا أمام جهل الجاهلين وطغيان المنحرفين.
ضع بصمتك أيها المعلم الشامخ في أعالي الجبال وفيافي الصحاري والقفار. فكل يوم تمضيه هناك زيادة في صحيفة حسناتك وصدقة جارية لا تنضب ولا تنقطع بعد رحيلك. وأثرك باق من بعدك في تلامذتك.
كثيرا ما يستوقفني أحدهم لا أعرفه فيخبرني أنه كان تلميذا عندي منذ وقت بعيد في مدينة كنت في وقت ما أستاذا بها. ويا لها من فرحة حين يخبرني أنه أصبح أستاذا مثلي أو طبيبا أو مهندسا أو ناجحا في الحياة بفضل الله وتأثره بنا نحن الذين درسناه في مشواره الدراسي. نحن نساء ورجال التعليم ولا فخر يا سادة.
وكم تكون فرحتنا غامرة عندما نجد شبابا يسألون عن أساتذة لهم درسوهم في مواقع التواصل فتجدهم يستخبرون عن أحوالهم ويترحمون عمن رحل منهم الى دار البقاء. إنهم رجال التعليم الخالدون بآثارهم فيمن تتلمذ على أيديهم.
بصمات كلها بصمات تتركونها من بعدكم وستجدونها في صحائف أعمالكم.
انكم ،ولا فخر، نساء ورجال التربية والتعليم يا سادة.