الشرقاوي في محاضرة بفاس حول العلاقة الملتبسة بين الإعلام والسوسيولوجيا
متابعة: إدريس الواغيش
احتضنت قاعة المحاضرات ضمن الأنشطة العلمية والأكاديمية التي تعرفها كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، محاضرة ألقاها يومه الاثنين 20 فبراير الدكتور محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير بيت مال القدس الشريف، في موضوع: «الإعلام والسوسيولوجيا بين تقاطعات التنوير ونوازع التغرير». اللقاء كان من تنظيم مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل برئاسة الدكتور محمد القاسمي.
وقد أشار القاسمي في تقديمه للمحاضرة بأن العلاقة بين الحقلين وطيدة ولكنها تبقى حذرة، وذلك بفضل الانتشار الواسع الذي عرفته وسائل الاعلام الأكثر جماهيرية، ويضيف قائلا بأن “الدراسات التي اهتمت بهذا الجانب قليلة”، وهنا كان لابد من “البحث عن مقاربات جديدة، وطرح أسئلة في هذا الموضوع بحثا عن الخيط الناظم بين علوم الإعلام وعلم الاجتماع”. أما الشرقاوي فقد انطلق من أرضية تتطلب اجتهادا وتعميقا وتدبُّرا”، لأن الحديث عن هذه العلاقة الملتبسة تتطلب بحوثا عميقة، ولكن الأهم هو البحث “عمّا يشغل بلدي في مسارات هذا التدفق الإعلامي الكاذب والحاقد من الجيران سواء في الشرق أوفي الشمال، حيث تتمركز الألة الإعلامية للدولة الفرنسية العميقة متربصة بالمغرب مدعومة بالإعلام الأوروبي”. ويعزي الشرقاوي ذلك إلى “التقدم الذي وصل إليه المغرب”، وهذا التقدم في حد ذاته يضيف سالم “يتعب جيراننا في الشرق كما في الشمال، ويصيبهم بالجنون”.
موضوع المحاضرة مزج بين الإعلام والسوسيولوجيا في نسق متكامل أو ما يسميه البعض «سوسيولوجيا الإعلام الجماهيري» إذا أرنا أن نكون أكثر دقة، لأن هناك تداخلا حذرا بين الإعلام والتواصل، وما يشهده هذا المجال من تقاطعات علمية وإنسانية، ولذلك “يجب على طلاب شعبة الإعلام والتواصل أن ينتبهوا جيدا إلى بعض الصراعات التي تكون حمّالة أوجه”، ثم يضيق قائلا “وحتى أكون واضحا، أشير إلى أن الإعلام يدخل في مجال العلوم الإنسانية البحثة التي تستعيد فيه اهتماماتها ومجالاتها الخاصة. وجوهر الإعلام هو جوهر المعلومات، وما ينتج عن ذلك من تفاعل وتغيّرات”، وذلك من منطلق سوسيولوجيا التواصل الذي يهتم بموضوع الإعلام في سياق متكامل. سواء علم الاجتماع العام الذي يعتبر علم الاجتماع بين الأفراد والجماعات أو بتأثر التدخل والتشويش المقصود على المعلومات والصور من أجل تحقيق أهداف معينة، وهو ما يساعد على تشويه صورة «الآخر» لدى المتلقي. ولذلك تبقى مهمتنا سواء كنا مهتمين بالإعلام والسوسيولوجيا أو كإعلاميين مهنيين هو “تحسين القناة التواصلية إزاء محاولة قياس أثر السوسيولوجيا في نهج الإعلام،” وضرب الأهدتف الخسيسة لمن يستغلون بعض المنابر بشكل غير أخلاقي ولا مهني ملتزم، لأن مرجعيات الإعلام المُنحاز او المُوجّه “تحتكم أحيانا لمرجعية الدعاية والابتزاز، من أجل خدمة أهداف يكون قد حدّدها أصحابها بشكل مسبق”، ومن هنا يتوهمون أن “وسائل الاتصال تحقق رؤاهم، وتساعدهم في ذلك التكنولوجيا الحديثة من تويتر وإنستغرام وفيسبوك وواتساب إلخ” يقول الشرقاوي. ثم يضيف بأن “روّاد السوسيولوجيا استغلوا عدة ظواهر لترسيم حدود التحكم، والترويج لأحكام مسبقة قصد التأثير النفسي على المتلقي، وفق مرجعيات معرفية محددة، يتقاطع فيها التنوير بالتغرير، في غياب الأعراف بين الدول والمجتمعات والأفراد، وتمرير ما يمكن من فذلكات ومغالطات وتزوير يضرب البعد الإنساني في مقتل”.
وفي العصر الحديث تطوّرت أنماط حياة الأفراد والشعوب، نتج عنه تطوّر كذلك في تقنيات التعبير والاتصال، وأصبح معه المستقبل مركون إلى الاستسلام أمام ما يتعرّض من تواتر المئات من الرسائل والصور، وذلك في رهان واضح للقوة التواصلية والحضور المكثف للإعلام والعلامات والرموز»، ويضيف أن الأمر “يلزم الإعلام الجديد والجاد بالقيام بدوره كاملا في التأثير على المتلقي وهو يقدم له المعلومة ولكن ليس بشكل سلبي، ينتج عنه تغيّر في مسار سياسات دول أخرى في التواصل مع جمهور من عيار خاص”. ولذلك “أصبح من اللازم على الفرد أن يبحث عن المعلومات الصحيحة، وبمقدور أي إنسان مهما كان مستواه الثقافي أن يصبح مؤثرا”، وبالتالي يضيف المحاضر أنه قد “أصبح الأفراد مرسلين ومتلقين مستلبين أمام الإسهاب في تقديم المعلومات والعجز عن التحكم في تدفقها بشكل أو بآخر” يضيف سالم الشرقاوي.
الجميع أصبح يدرك بأن المغرب يعرف تحوّلا مهمّا في مساره التنموي وإقلاعه الاقتصادي، وهذا التحول “يقلق أكثر من جهة، ولذلك فهو مستهدف في أكثر من جهة، سواء من الدولة العميقة في فرنسا تؤازرها بعض الدول الأوروبية المتعالية أو من الدولة الجارة في الشرق في مسعى للحد من هذا التوهّج”، ويضيف بأن المغرب “مسنهدف في أمنه، ويتعرض للتجريح والتقويض والتشكيك في مؤسساته وقيمه الراسخة”، ومن أجل ذلك يدعونا المحاضر إلى محاربة بعض المصادر السرية التي تسرب المغالطات سواء في الداخل والخارج، ففي الغرب نجدهم يحرقون القرآن الكريم، وهو كتاب الله، بحجة الحرية الفردية وحرية التعبير، وعلينا أن نتأكد من بعض المزاعم المغرضة التي تحاول استمالة الرأي العام بشكل مضلل، وهذا يدعونا إلى امتلاك إعلام تنويري وأدوات منهجية وعلمية، ومقاربة هذه السلوكيات الإعلامية المستبدة. وهذا يتطلب منا، كما يقول المحاضر، أن نمتلك “توازنا معرفيا من أجل مواجهة هذه الاختلالات التي تظهر من حين لآخر في بعض المقاربات الخاطئة، وأن نعمل على “التقليل من الانزلاقات أمام الأخبار المزيفة الموجهة إلى الفئات الهشة ثقافيا ومعرفيا”، وهذا ما يضاعف من مسؤوليتنا في الدفاع عن أمن وسلامة بلدنا. وهذا يحتم علينا أيضا أن نلجأ إلى “استعمال التنوير لمواجهة حملات التغرير، والبحث عن المعلومات الصحيحة لحماية قيمنا والحفاظ على المفاهيم الأخلاقية، والتفاف المجتمع حول قيمه الثابتة” كما يقول المحاضر الشرقاوي. وهنا وجب على المؤسسات الإعلامية الوطنية أن تقوم بدورها كاملا، وأن تتحلى باليقظة الدائمة، وأن تتسلح بالمعرفة والعلم ومقوّمات الإعلام الجديد، وفي مقدمتها علم النفس وعلم الاجتماع، وألا نقاوم بدورنا نوازع التغرير بالنوازع العاطفية، ونكون حذرين من الانجرار وراء ما يروّج له خصومنا من سموم وأباطيل إعلامية.