المتقاعد ونضال الوقت الضائع..!
المختار أعويدي
لعل من الأمور التي تدعو حقا إلى الحيرة، لا بل والسخط والغضب في هذا البلد السعيد، هو أن ترى موظفيه المتقاعدين، حتى بعدما أنفقوا زهرة شبابهم في الكد والجد والعمل الشاق المضني، والنضال من أجل تحسين شروط عملهم وأوضاعهم المادية، يقومون في خريف عمرهم بتأسيس مكاتب نقابية تابعة لمركزيات عمالية أو تنسيقيات أو هيآت..، بهدف النضال من أجل انتزاع حقوق لم تسعفهم السنوات الطوال، التي قضوها في العمل على إدراكها ونيلها (ترقية بأثر رجعي – تحسين مستوى المعاشات..).
والحال أن المتقاعدين، وهم في هذه المرحلة من أعمارهم، من المفترض أن يكون عناؤهم الطويل قد أمَّن لهم معاشا محترما، وتقاعدا كريما، وتغطية صحية مجدية. ومن المفترض أيضا أن يتفرغوا خلالها للإعتناء بصحتهم وعافيتهم، فهي حجر الزاوية في أي تقاعد متوازن مريح. والإستمتاع ما أمكن بقضاء أوقاتهم في راحة وهدوء وسكينة، وحرص أكبر على عباداتهم، ومزاولة بعض الأنشطة الترفيهية، كالرياضة والأسفار والرحلات الإستكشافية. أو الثقافية والفكرية، كالقراءة والكتابة وتدوين سِيَرهم الذاتية ومذكراتهم.. أو الإجتماعية كحضور والمشاركة إن أمكن، في مختلف الفعاليات واللقاءات التطوعية أو الخيرية أو الثقافية، التي من شأنها الحفاظ على نشاطهم وحيويتهم وملء أوقات فراغهم. وبالتالي وقايتهم من بعض تحديات الشيخوخة، كالفراغ والروتين واليأس والإكتئاب. أو حتى الإقتصادية كإنجاز مشاريع مُدرة للدخل، ونشاطات مهنية محدودة، تُحسن من دخلهم لكن من دون أن تستنزف طاقتهم وصحتهم..
وكل هذا عوض أن يحرقوا أعصابهم من جديد في رحلة تأسيس الهيآت والمكاتب النقابية أو التنسيقيات الفئوية، وكل ما يرتبط بها من صراعات وتطاحنات يُمليها اختلاف الإنتماءات السياسية والنقابية، والقناعات الفكرية والمبدئية للمنخرطين. وما يتبع ذلك من طاحونة إنتخاب المكاتب المُسيرة، وصياغة الملفات المطلبية وصراع الأولويات، والتعبئة وخوض المعارك والإحتجاجات، وكل ما يندرج ويجري في هذا النفق الذي لا أول له ولا آخر. هذا علما أن المتقاعد هو في مرحلة عمرية، هي من الهشاشة والضعف وسرعة العطب، ما قد يفتح عليه جراء ذلك، أبواب حروب الوجود والبقاء المذكورة، وبالتالي الكثير من المعاناة والألم، نتيجة صراعات ومواجهات ونقاشات، قد تنهش ما تبقى من صحته واعصابه وهدوئه واستقراره، هو في غنى عنها. ناهيك عن كونه في وضع قانوني (انقطاع علاقته بإدارته المشغلة، والإنتماء إلى صندوق تقاعد) لا ييسر له أمر مطالبة إدارته المشغلة السابقة بمطالب معينة، فات أوانُ النضال من اجل إدراكها. ربما بفعل تقاعس أو تقصير الموظف أو بالأحرى ممثليه النقابيين، أو حتى تسويف الإدارة المذكورة خلال مسار عمله.
إن التقاعد في معناه البسيط، هو انتهاء علاقة الموظف بإدارته المشغلة السابقة. ونهاية جدوى ومفعول العقد الذي كان ينظم هذه العلاقة، وبالتالي توقف سريان مفعول جميع النصوص القانونية التي يرتكز تفعيلها وتطبيقها على سريان مفعول هذا العقد. بما يعنيه ذلك من توقف كل ما كان يؤطر هذه العلاقة من مسؤوليات وحقوق وواجبات، بما فيها الترقيات والمكافآت والتنقيلات والعقوبات..
إن التقاعد بهذا المعنى، هو نهاية علاقة مهنية كانت تؤطرها مجموعة من القوانين مع إدارة أو مؤسسة مُشغِلة معينة، وبداية علاقة جديدة مع صندوق معاش، كان مستأمنا على ودائع الموظفين المقتطعة من أجورهم، والموجهة للتوفير منذ بداية مسارهم المهني، وذلك من أجل تمويل تقاعدهم. يُنظم هذه العلاقة نظام المعاشات المدنية.
وعليه، فإذا كانت هناك من معارك حقيقية كان ينبغي خوضها، (أقصد بالنسبة للمتقاعدين حاليا) فهي تلك التي كان يجب الإنخراط فيها، قبل مغادرة أسلاك الوظيفة العمومية والإلتحاق بصناديق التقاعد بغير قليل من الوقت. معارك كان يجب أن يرتكز النضال فيها بشكل منهجي على مستووين متوازيين، وواجهتين متلازمتين لا تنفصلان. من جهة، واجهة تحسين الظروف المادية والإجتماعية للموظف طوال مساره المهني، بما يعنيه ذلك من تحسين شروط الترقي ومستوى الأجور والتعويضات.. ومن جهة أخرى، واجهة تحسين شروط تقاعد هذا الموظف بعد إحالته على المعاش. بما في ذلك الحرص على مغادرته لأسلاك الوظيفة دون متأخرات ولا تبعات، وقد استكمل إدراك حقوقه في الترقي وتحسين مستوى أجره وبالتالي معاشه. وكذا العمل من أجل دمقرطة صناديق التقاعد وحسن تدبيرها وأدائها. وهي التي ينبغي أن تحرص على حسن تدبير وصرف واستثمار الموارد المالية المودعة والمدخرة لديها، بما يُمَكنها من تحقيق فوائد وعائدات، تتيح لها إمكانية تحسين مستوى المعاشات، كلما استوجب الأمر ذلك (غلاء المعيشة..)
فعلى المستوى الأول، كان ينبغي لهذه المعارك أن تنْصَب على وضع وتثبيت آليات قانونية متينة واضحة شاملة وذات مصداقية، تضمن حقوق جميع الفئات المنتمية إلى أسلاك الوظيفة العمومية، وتؤطر مسار الترقي بما يكفي من الوضوح والإستحقاق. وتكون الفيصل في كل نضال واحتجاج تشهده أسلاك الوظيفة، يتم الإحتكام إليها كلما استوجب الأمر ذلك في كل تفاوض أو حوار أو اتفاق.. بما يعنيه ذلك من تعزيز دولة القانون. على أن لا تكون هذه الآليات القانونية والتنظيمية بهشاشة النظام الأساسي للتعليم وثغراته العديدة، التي كانت تعيد النقاش والتفاوض في كل مرة إلى نقطة الصفر، وهو النظام الذي غالبا ما ظل يخضع تنفيذه وتطبيقه على علاته، لتقلبات المزاج العام للفرقاء (حكومة ونقابات..)، وليس لمضمون ومنطوق النصوص المنظمة، وما تفرضه من مبدأ الاستحقاق وتساوي الفرص.
بالمختصر المفيد، كان ينبغي النضال والإشتغال على تكريس مبدأ الإحتكام إلى النصوص القانونية كأدوات قطعية، في تنظيم سيرورة المسار المهني للموظف، في أبعاده المتعلقة بالترقية والتعويضات وتحسين وضعه المادي والإجتماعي.
أما على المستوى الثاني، والمتعلق بضمان صرف المعاشات وتحسين ظروف المتقاعد بعد إحالته على المعاش، من خلال العمل على تقوية وشفافية وحسن تدبير صناديق التقاعد، ودمقرطتها والحرص على مدخراتها بكثير من المسؤولية والصرامة والمحاسبة.
فلا يخفى أن هذه الصناديق من المفروض أنها الحارس الأمين، والمدبر الحكيم، والمستثمر الرزين لمساهمات ومدخرات الموظفين المخصصة للتقاعد. وذلك من أجل ضمان سيولة واستمرارية صرف المعاشات للمتقاعدين من جهة. ومن جهة أخرى، العمل على تحسين مستوى هذه المعاشات متى ما استوجب الأمر ذلك (غلاء المعيشة)، كما سلف.
ولكن الذي حصل في الواقع في علاقة التنظيمات النقابية والموظف المنخرط في صناديق التقاعد على حد سواء من جهة، وهذه الأخيرة (الصناديق) من جهة أخرى، هو تراخي كبير في التعاطي بالجدية الكاملة مع ملف صناديق التقاعد، واعتبارها ملفا ثانويا. وبالتالي منح صك على بياض للقائمين على هذه الصناديق، وخاصة منها الصندوق المغربي للتقاعد، ما جعلهم يسرحون ويمرحون ويسيئون تدبيره لمدة طويلة، منذ أن كان مكتبا ثانويا تابعا لوزارة المالية قبل انفصاله عنها، في وقت كانت واردات هذا الصندوق المالية أكبر بكثير من نفقاته، بالنظر إلى خصائص بنية منخرطيه التي تتشكل من الموظفين (المساهمين في إغناء المدخرات) والمتقاعدين (المستفيدين من المعاشات). وهي البنية التي كان يحكمها ويميزها ارتفاع معدلات التوظيف قياسا مع نسب الإحالة على المعاش. قبل أن تنقلب أمور هذه البنية رأسا على عقب. والحال أن هذه العلاقة كان ينبغي أن تؤطرها نضالات صارمة لا تكل ولا تمل، حفاظا على حسن تدبير والتصرف في مدخرات هذا الصندوق وغيره من الصناديق (RCAR – CIMR -CNSS)، والحرص على حقوق أجيال من الموظفين عند تقاعدهم، والحيلولة دون تحولها إلى صناديق سوداء.
إن من نشاطات صناديق التقاعد، كما لا يخفى ذلك على أحد، هو استثمار ودائع الموظفين المالية الموجهة للتقاعد، في أنشطة اقتصادية ومالية مربحة، من شأنها إغناء مالية هذه الصناديق بهدف تحسين مستوى المعاشات، ومواجهة الأعباء المالية المختلفة لهذه الصناديق، كما هو حال الصندوق المغربي للتقاعد(CMR) الذي تربطه مع مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير(CDG) شراكة مالية، والتي من المفروض أن تكون لها انعكاسات إيجابية على مستوى عائدات وأرباح الصندوق وبالتالي تحسين مستوى المعاشات. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن التصرف والإسراف في الإنفاق غير المسؤول للموارد المالية لصناديق التقاعد (CMR نموذجا)، بما فيها إنجاز بعض المشاريع الباذخة، كما هو حال المقر المركزي ل CMR بالرباط الذي إلْتهم مبالغ مالية فاحشة للصندوق، ناهيك عن الأجور الباذخة للمسؤولين داخل هذه الصناديق والتعويضات الهائلة التي يحصلون عليها، وإذا أضفنا عبث وتلاعب بعض المؤسسات المالية الشريكة لهذه الصناديق، والمستأمنة على استثمار مدخرات الموظفين وتنميتها في البورصة أو في مختلف الأنشطة الإقتصادية، فيما يتحقق لهذه المدخرات من أرباح وعائدات مالية، وكذا تقاعس الدولة كمشغل في المساهمة بقسطها في تمويل التقاعد، أدركنا النفق الأسود الذي كانت ولا زالت تسير فيه الصناديق. وأدركنا بالتالي مشروعية وضرورة وراهنية النضالات التي كان ينبغي خوضها في وقتها وأوانها منذ مدة ليست بقصيرة، قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من اختناق. مما أصبح يهدد، ليس فقط قدرة الصناديق على الزيادة بين الحين والآخر في مستوى المعاشات، تماشيا مع ارتفاع الأسعار وتفاقم مشاكل التضخم، التي تحد من القدرة الشرائية للمتقاعدين. ، ولكن أيضا حتى قدرتها على الإلتزام بصرف معاشات المتقاعدين،
وعليه، فإن معارك تحسين الشروط المادية والمالية للموظفين قبل تقاعدهم، وكذا معارك دمقرطة صناديق التقاعد والحرص على حسن استثمار مدخراتها والحيلولة دون هدر مواردها المالية بسخاء باذخ في مجالات غير مجدية، وذلك من أجل الحفاظ على وضع مالي متوازن لهذه الصناديق. وكذا إجبار الدولة على الإلتزام بحصتها كمُشغلٍ في تمويل التقاعد. إن مثل هذه المعارك، هي عصب النضالات التي ينبغي أن تخوضها التنظيمات النقابية بمشاركة فاعلة من جميع الموظفين والعاملين في مختلف القطاعات، منخرطين كانوا أو غير منخرطين في هذه التنظيمات. لا لشيء، سوى رغبة من الجميع في تأمين إدراك الموظف لتقاعده وهو في وضع مادي مريح يحفظ كرامته وشيخوخته.
للأسف إن معارك من هذا القبيل، برغم أهميتها وضرورتها خاصة ما يتعلق منها بجبهة دمقرطة صناديق التقاعد، لم تحظى بما يكفي من الإهتمام في الملفات المطلبية والمحطات النضالية للموظف والتنظيمات النقابية على حد سواء. بل يمكن المجازفة بالقول أنها معارك لم تُخَض أصلاً، اللهم من بعض الصيحات التي أطلقت في واد، لم يحفل بها أحد ولم يعرها أي اهتمام .
بناء عليه، فلا عجب إذا كانت الوضعية المالية لهذه الصناديق، تصبح في كل مرة على كف عفريت. نتيجة ما اعتراها من عبث وسوء تسيير وتدبير وكذا تراجع للتوظيف وتفاقم لأعداد المتقاعدين، وبالتالي خلل في توازناتها المالية. وبالتالي عودة في كل مرة إلى معزوفة الثالوث المشؤوم، الذي يعني الإصلاحات المقياسية لهذه الصناديق، والتي تعني بالمختصر المفيد، زيادة في مساهمات واقتطاعات الموظف لتمويل التقاعد، وزيادة في مدة سنوات عمله، وتقليصا في مستوى معاشه.
وعليه، فإن مثل هذه المعارك التي فرط في خوضها بما يكفي من الجدية والإصرار، جيل المتقاعدين اليوم (موظفو الأمس)، ينبغي أن لا يخسرها جيل الموظفين اليوم (متقاعدو الغد)، مادام أن فرصة القيام بذلك هي في المتناول وطوع اليد. قبل وقوفه يوما ما على أعتاب التقاعد، وقد نال منه الندم وأخذ منه مأخذه.
إن المتقاعد الذي بالكاد قد خرج من طاحونة طويلة من المشاق والأعباء والمسؤوليات والمعاناة والصراعات والنضالات.. يجر ما تبقى من صحته البدنية والعصبية والنفسية، ويداري الكم الهائل من الأمراض التي ورثها عن هذا المشوار المهني الطويل، هو غير مستعد البتة كي يستمر في رحلة خوض هذه المعارك والنضالات، التي في الواقع قد فات أوانها بالنسبة له، من أجل تعقب ومطاردة ترقيات ومطالب أصبح إدراكها وتحقيقها في حكم الماضي. وحلَّ أوانُ نيل قسط من الراحة والسكينة والهدوء، بعيدا عن جعجعة الطاحونة المذكورة.
فإنه حقا أمر غريب أن ينفق الموظف ردحا طويلا من عمره من جهة، في الحرص على تحمل الأعباء الأسرية وتربية الأبناء وتوفير شروط الإستقرار العائلي. ومن جهة أخرى، في العمل المهني المضني، وكل ما يرتبط به من مهام وأعباء ومسؤوليات متعددة. ومن جهة ثالثة، في النضال وخوض مختلف المعارك من أجل ترقية أحواله المعيشية، وإقرار مطالب أغلبها يرتبط بتحسين أوضاعه المادية والمهنية وظروف عمله. أمر غريب أن يتكبد كل هذه المشاق والأعباء والمسؤوليات طوال هذا المشوار الطويل، وبعد تقاعده الذي يعتبر مرحلة استراحة محارب من كل هذا العناء، والذي من المفترض أن يكون خلاله قد تَحلل من العديد من الالتزامات المادية والأسرية، بالنظر إلى أن الأبناء قد كبروا وشقوا طريقهم في الحياة. وكذا من المفترض نظريا أن يكون قد استعد وتهيأ مسبقا لهذه المرحلة ماديا ومعنويا. عوض أن يستكين إلى الراحة من عناء وكدح ومشقة السنوات الطوال، أن يجد نفسه، يدور في حلقة مفرغة، ويقوم من جديد بتأسيس هيآت وتنسيقيات، ويسطر ملفات مطلبية تخص وضعه الجديد (متقاعد). ويبدأ رحلة سيزيفية جديدة مع النضال والنضال والنضال، من أجل مطاردة ترقيات مهنية بأثر رجعي قد تأتي ولا تأتي، والتماس زيادة في المعاشات من صناديق آيلة للإفلاس. مع كل ما يتطلبه ذلك من تعبئة مستمرة وخوض لمختلف الأشكال النضالية. وتتبعٍ واحتجاجٍ وأعصابٍ وإضرابٍ (علما أن آلية الإضراب لن يصبح لها معنى ولا تأثير خلال مرحلة التقاعد) وأملٍ وخيبة أملٍ، وانتظار الذي يأتي ولا يأتي، بينما عجلة العمر ماضية ومتدحرجة بسرعة نحو نقطة النهاية وخط الوصول..!
لعمري بناء على ما سبق، وأمام واقع حال معطوب، فإن الهيآت والجمعيات التي يعتبر المتقاعد أحوج ما يكون إليها وإلى تأسيسها خلال فترة معاشه، هي تلك التي تقوم على ربط أواصر التواصل وتمتين العلاقات الإنسانية بين المتقاعدين، وتسطير برامج وأنشطة ترفيهية مفيدة لصالحهم. تملأ وقتهم بما يفيد ويُسلي، ويكفيهم شر القتال والصراع والأعصاب والتشنج، الذي قد ينهش ما تبقى من سلامتهم الصحية والعصبية والنفسية، والحرص على البعد الجماعي لهذه البرامج والأنشطة، تفاديا لشعور التهميش والإقصاء، الذي قد يعانيه المتقاعد في مجتمع قائم على النسيان والنكران..
المتقاعد أحوج ما يكون حيثما كان، إلى نوادٍ تعمل على ملء وقت فراغه الكبير، بما يفيد ويُرفه ويُسلي، ويُحافظ على قنوات التواصل مع زملائه وأصدقائه وأقرانه، ذلك لأن الفراغ والملل والإهمال، كما سبق، هو أكبر تحدي قاتل، جالب لكل المتاعب والمصاعب التي يعاني منها المتقاعد.
وللأسف حتى مثل هذه الجمعيات والنوادي المطلوبة والمرغوبة، التي أحوج ما يكون المتقاعد إليها، يوجد منها نظريا على الأوراق عدد لا حصر له، تتحرك وتتحدث باسم المتقاعد، لكن مهامها وأنشطتها تقتصر على جمع الإنخراطات وحضور الملتقيات والإجتماعات باسم المتقاعد، من دون أن تقدم له شيئا يذكر. فهي لا تعدو أن تكون أرقاما في سلسلة طويلة مشلولة من هذه المؤسسات التي لا حاجة للمتقاعد إليها.
أكثر ما أخشاه هو أن يكون هناك متاجرون من عديمي الضمير بآمال وأحلام وانتظارات المتقاعدين، والتي هي في الواقع انتظارات مشروعة، غير أن واقع حال الجمعيات والتنظيمات القائمة، أو بعضها على الأقل، يجعلها بعيدة المنال. ولا يخفى أن وسط كل تكتل أو تجمع بشري، أحيانا ما يندس متلاعبون وإنتهازيون، من الباحثين عن المواقع والمصالح والمنافع، ولسان الحال أبلغ من المقال.