كما فعل سابقه، السفير الجزائري الحالي يعود إلى باريس في تجاهل تام من السلطات الفرنسية
عبدالقادر كتــرة
بمجرد انفجار فضيحة تهريب الناشطة الفرنسية/الجزائرية أميرة بوراوي تحت أعين العسكر الجزائري ومخابراته ودركه وشرطته وقطعها لمئات الكيلومترات وعبورها للحدود الجزائرية التونسية ووصولها لمطار تونس العاصمة وركوبها الطائرة التي طارت بها إلى عاصمة فرنسا “ماكرون” الذي اعتاد إهانة النظام الجزائري وإذلاله وتجاهله…، انتفضت الجزائر بمؤسساتها العسكرية والمخابراتية والأمنية وغير الأمنية، ممثلة في رئاسة الجمهورية الجزائرية حيث أزبد الرئيس عبد المجيد تبون وأرغى، الأربعاء 8 فبراير 2023، وأمر باستدعاء سفير الجزائر لدى فرنسا بشكل فوري للتشاور.
وأوضح البيان أن سبب استدعاء السفير جاء احتجاجا على “مشاركة دبلوماسيين وموظفين قنصليين ورجال أمن فرنسيين في تهريب رعية جزائرية بطريقة غير شرعية وغير رسمية يفترض حسب القضاء الجزائري تواجدها في الجزائر”، مشيرا إلى مساعدة دبلوماسيين فرنسيين معارضة جزائرية ممنوعة من السفر للهجرة من تونس إلى فرنسا.
وقال بيان للخارجية الجزائرية في مذكرة احتجاج رسمية أرسلتها للسفارة الفرنسية في الجزائر أن هذا التطور غير مقبول من الجانب الفرنسي، وسيلحق ضررا كبيرا بالعلاقات بين البلدين.
منذ ذلك الحين، كان يُخيَّل للمرء أن الأمور لن تَمُرّ بسلام بين البلدين، خاصة بعد اصطدامات نتيجة تصريحات للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، وكان الكلّ ينتظر من الجزائر أن تردّ لفرنسا الصاع صاعين وتتخذ إجراءات عقابية وانتقامية، بعد تلقيها صفعات تلو صفعات وإهانات تلو إهانات، لكن لا شيء حدث اللهم إلا تصريحات تنديدية لمسؤولين جزائريين لم تُحرِّك ساكنا في السلطات الفرنسية بل تجاهلتها متأكدة أن الأمر مجرد مسرحية ستنتهي ويعود العسكر إلى ثكناته واضعا على رأسه خوذة الحرس الجمهوري للقصر الفرنسي بالإليزيه التي قلدت به “رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري الفريق الأول السعيد شنقريحة سليل جبهة التحرير الوطني وآلاف الشهداء” الذي سقطوا برصاص المستعمر الفرنسي الذي كان يحمل جنوده نفس الخودات العسكرية الفرنسية…
حاول إيمانويل ماكرون، خلال خطابه، في 27 فبراير الماضي، تهدئة ما عُرف بالتوترات، وأشار بشكل خاص إلى رغبته في بناء علاقات متينة مع الجزائر العاصمة، ف”لاح الصباح وسكتت الجزائر عن الكلام المباح”، وحزم السفير الجزائري “المستدعى للتشاور”، حقائبه للعودة إلى بيته في باريس محمّلا ب”المشاورات”، في تجاهل تام للسلطات الفرنسية التي تعرف جيدا كيف تروض النظام الجزائري وتفقه سلوكاته…، كما فعل السفير الجزائري السابق، يوم صرح الرئيس الفرنسي “ماكرون” بأن الرئيس الجزائر تبون “رهينة” لدى النظام العسكري الجزائري وأن الجزار لم تكن أمة وأن فرنسا هي التي صنعتها.
صحيفة Jeune Afrique ، أكدت في مقال لها على أن “الجزائر ستتخذ خطوة نحو فرنسا والعلاقات بين البلدين ستقترب من التهدئة، حسب مصادر دبلوماسية جزائرية ، مشيرة إلى عودة وشيكة للسفير الجزائري سعيد موسي إلى فرنسا، قبل أسابيع قليلة من زيارة عبد المجيد تبون إلى فرنسا المقررة في مايو 2023.
كما أفادت الصحيفة أن بداية إعادة الدفء لهذه العلاقات تمت مع أول اتصال الأسبوع الماضي وزارتي الخارجية الفرنسية والجزائرية، على أن تتبعها قريبًا مكالمة هاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون لتجاوز الخلاف.
لا بدّ من التذكير بالأزمة الدبلوماسية التي وقعت في أكتوبر 2021، لما استدعت في 21 أكتوبر سفيرها ردا على تصريحات نقلتها صحيفة “لوموند” عن الرئيس الفرنسي اتّهم فيها النظام “السياسي العسكري” الجزائري بانتهاج سياسة “ريع الذاكرة” حول حرب الجزائر وفرنسا القوة المستعمِرة السابقة فيها، بعد استقلالها العام 1962.وتساءل ماكرون حول وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي اعتبارا من العام 1830، مثيرا ردود فعل غاضبة في المجتمع الجزائري.
وردا على ذلك، منعت الجزائر الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل حيث تنتشر قوة برخان المناهضة للجهاديين، من التحليق في مجالها الجوي.
وحذّر الرئيس الجزائري مطلع نونبر 201، من أنه لن يقوم “بالخطوة الأولى” لتهدئة التوترات مع فرنسا وقال: إن ماكرون أعاد فتح نزاع قديم بطريقة عديمة الجدوى تماما” مؤكدا أن الرئيس الفرنسي “أهان” الجزائريين
في 9 نونبر 2021، أعلن ماكرون، عبر أحد مستشاريه، أنه “يأسف للمشاحنات وسوء الفهم” مع الجزائر مؤكدا أنه “يكن أكبر احترام للأمة الجزائرية” و”تاريخها”.
وسارع وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” للترحيب بهذه التصريحات “التي تعبر عن احترام” تجاه بلاده، وهو كان قد زار باريس لحضور مؤتمر حول ليبيا يوم 12 نونبر 2021.
وبعد ثلاثة أشهر من الغياب بعد بداية الأزمة، استأنف السفير الجزائري السابق في باريس مهامه في تجاهل تام من السلطات الفرنسية إذ خرج من الباب وعاد من النافذة، في خطوة لوضع حدّ لأزمة دبلوماسية خطيرة مع فرنسا، عشية الذكرى الستين لانتهاء الحرب الجزائرية (1954-1962).
واستأنفت الطائرات الفرنسية التحليق في الأجواء الجزائرية كما يعتقد العديد أنها لم يتوقف تحليقها، ونسيت الجزائر ما وقع متحججة بأنها تريد المضي قدما كما جرت العادة إلى خفض التصعيد وتحسين العلاقات .