الشباب والمسؤولية الاجتماعية: دور الأسرة والمجتمع والحكومة، أسباب وتداعيات
د. العبدلاوي العلوي سيدي محمد
إن تفاقم الازمات في مجتمع ما، من حين لآخر، ترتبط في محورها في وعي الشباب بالمسؤوليات الملقاة على عاتقته وحتى نكون منصفين قبل الخوض في غمار هذا المقال الحصيف، يجب ان نربط السابق باللاحق وحتى لا نحيف على حق الشباب انفسهم في هذا الموضوع، فينبغي القول بملء الفم أن وعي الشباب بحقيقة مكانتهم المجتمعية والمسؤوليات المنوطة بهم مرتبطة أساسا بوعي الجيل الأول قبلهم بضرورة زرع قيم المسؤولية فيهم منذ الصغر فلا يعقل أن يطلب من هاته الفئة التحلي بالمسؤولية وهي مفرغة منه قالبا وجوهرا، بل لم تُنَشَّأ على حبها والتجمل بها ثانيا ، ومن ثم إتاحة الفرصة لهم بإبراز قدراتهم ومهاراتهم الشخصية كل في مجال تخصصه، ولا يفهم من كلامنا إقصاء الأكابر وتنحيتهم عن مهاهم وانما المراد ترك المجال لهم بالجمع بين خبرات الاولين وابداعات المعاصرين لضمان التوازن الحقيقي للمجتمع، لا الصراع القاتم الذي نلحظه بين الأجيال وكأن هناك عداوة مصطنعة بين جيلين، فالأصل التكامل لا التقاطع وتلاؤم وتوافق لا تضارب وتعارض.
فمجتمعاتنا اليوم تواجه تحديًا كبيرًا في عدم تحمل الشباب للمسؤولية، فهم يميلون إلى تجنب القيام بالأعمال الصعبة والنزوح الى الحلول الجاهزة والمتاحة، بل ينبغي تحملهم المسؤوليات التي تنتظرهم في المجتمع، ويمكن أن تكون هناك عدة أسباب وراء هذا العزوف، بدءًا من الأحداث العالمية المؤثرة على الشباب إلى النظرة السلبية لدى بعض الشباب للمسؤولية وأهميتها في حياتهم وانتشار الانانية والفردانية، وهذا الواقع ينذر بأن يصبح المجتمع في مستقبله بلا قادة مؤهلين يتحملون المسؤولية ويقودونه نحو التقدم والازدهار.
لذلك، فإن من الضروري التعرف على أسباب عدم تحمل الشباب للمسؤولية ومحاولة تعزيز قدراتهم على تحملها. ويمكن ذلك من خلال تبني مقاربات متعددة تشمل الأسرة والمدرسة والمجتمع والإعلام، وتوفير الدعم والتوجيه اللازم للشباب ليصبحوا قادة مسؤولين قادرين على تحقيق النجاح والتميز في حياتهم والمساهمة في بناء مجتمع أفضل. وفي هذه المقالة سنستكشف بعض الأسباب المحتملة لعزوف الشباب عن تحمل المسؤولية، والطرق الممكنة لتعزيز قدرتهم على تحملها.
يمكن تعريف عدم تحمل المسؤولية عند الشباب على أنها نمط سلوكي يتميز بعدم الاعتراف بالتزامات الفرد تجاه الآخرين أو المجتمع، وقد يصل الى التنصل من مسؤولياته تجاه نفسه من عدم تحمل العواقب المترتبة على أفعاله فضلا عن أفعال من يرعاهم من الأبناء والأهل. وقد يعاني الكثيرون من هذا النمط السلوكي ويعاني غيره بسببه، ويمكن أن يكون لهذا التصرف تأثير سلبي على حياتهم الشخصية والاجتماعية، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقات الشخصية والعملية والمجتمعية، وتراكم الديون والمشاكل المالية، ولا يخفى ما لهذا من قطع للأرحام وكسر للعلاقات الاجتماعية والاسرية التي تفكك المجتمع الى حد يصعب معه الرجوع الى الأصل.
إن للمجتمع اليوم التأثير الأعظم في رسم معالم تحلي الشباب بالمسؤولية، فشبابنا اليوم يسير مع تيارات لا تمت بصلة الى جذوره وأصوله المجتمعية من قيم أصبحت أقرب الى الفردانية والعزلة والانانية التي دمرت الانسان وقبله الأسرة في تركيبتها الحقيقية بمفهومها الكبير لا بالمفهوم النووي للأسرة- الاسرة النووية عند علماء الاجتماع هي المتكونة أساسا من الاب والام والابناء فقط دون العلاقات الرحمية الأخرى- وذلك بسبب العوامل الخارجية مثل الضغوط الاجتماعية، والأسرة، والمدرسة، والثقافة، والإعلام، والأصدقاء، وهذا يمكن أن يؤثر على تصرفاتهم ويجعلهم يتجنبون تحمل المسؤولية.
فالشعور بالإحباط، والخوف، والقلق، والاكتئاب، وعدم الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية جعلت الشباب يعاني من الضعف النفسي والعاطفي الذي يؤثر على قدرتهم على تحمل المسؤولية في ظل غياب نماذج إيجابية في حياة الشباب تشرق حياتهم بما يمكنهم ابتكاره والبلوغ اليه،
، حيث يتعلم الشباب من القدوات الناقصة المنحلة الانانية وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة والإدمان والسلوكيات الخطرة مثل تعاطي المخدرات والكحول والعنف وكأن ذلك نوعا من الانتصار على المجتمع وتحقيق الذات، وفي ظل غياب نماذج إيجابية يصعب عليهم اكتساب هذه المهارات الإيجابية التي قد يصعب بناؤها ان لم يتلقفها الشاب من محيطه الأسري والمدرسي والبيئي والمجتمعي.
فمن أهم أسباب عدم تحمل المسؤوليات الاسرية اليوم بين الأزواج تعدد العلاقات العاطفية والتي تؤدي عند صاحبها الى التنكر للواجبات المشروعة والى سلوكيات قد يغيب عنها التبصر وتقدير العواقب، كما تسهم الأزمات الحياتية مثل الوفاة أو الطلاق أو الفقر أو العجز الصحي أو الخسارة في العمل إلى عدم تحمل المسؤولية أو بعبارة أفضل التخلي عن المسؤوليات والانسحاب منها تماما.
فالأسرة هي المكان الأول والأساسي الذي يتعلم فيه الشخص القيم والمبادئ والمهارات اللازمة لتحمل المسؤولية، ولذلك، يلعب الأهل دورًا حاسمًا في تعزيز تحمل المسؤولية لدى الأبناء من الإرشاد والتوجيه بشأن كيفية تحمل المسؤولية في حياتهم اليومية عن طريق التدرج والتحفيز للأبناء على تحمل مسؤولياتهم الصغيرة بحسب مستواهم العمري من خلال تعزيز الإيجابية وتقديم الثناء على الإنجازات و تحفيز الاستقلالية الذاتية لهم وتشجيعهم على القيام بمهامهم الخاصة دون مساعدتهم فيما يقدرون عليه.
لا يكون الاعتماد على الأبناء سلبيا دائما إذا كان القصد تربويا-بيداغوجيا، فإسناد بعض المهام المنزلية والأنشطة الخارجية للبيت ، مثل العمل التطوعي أو تحمل مسؤولية الحيوانات الأليفة، من شأنه الرفع من منسوب تحمل المسؤولية، مما يعطي الشاب إحساسا بالثقة بالنفس والتفكير بشكل إيجابي، وتحفيزهم للمحاولة والتعلم من الأخطاء.
ولست أريد التركيز على دور الاسرة وإلقاء كاهل فشل الشباب المجتمعي في تحميل المسؤولية عليها، وانما القصد رتق ما تم فتقه جراء التقصير المجتمعي والمؤسساتي والجمعوي وغيره.
إن تنمية مهارات الشباب في تحمل المسؤوليات لا يقف عند دور الاسرة بل على الاصح ينطلق منها، فالمؤسسات تنطلق حيث تقف الاسرة فيكون دورها تكامليا وتكميليا لدور الآباء فيما لا يستطيعون تحقيقه لأبنائهم، وهنا يأتي دور الوعي المجتمعي بالفئات المنتخبة ودورها الأساس في تحقيق النهضة المجتمعية المنوطة بهم.
فالدور الجمعوي مثلا لتأهيل الشباب لتحمل المهام والتحديات المختلفة في الحياة ليس بالأمر الذي يمكن إلصاقه بالأسر بل ولا يمكن أن تضطلع به الأسرة فلئن كانت بعض الأسر مؤهلة لمستواها التعليمي العالي، فليس هذا متاحا لجميع الأسر بل ولا مقدورا عليه لجميعهم.
فالتعليم والتدريب لتقويم المهارات الاجتماعية من القدرة على التواصل بشكل فعال والتفاعل مع الآخرين والتعامل مع الصراعات والقدرة على حل المشكلات فضلا عن القدرة على التنظيم والتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم واتخاذ القرارات المناسبة والتعامل مع المواقف الصعبة و إدارة الوقت والتحكم في العواطف والتفكير الإيجابي وتحقيق الأهداف الشخصية ليس بالأمر الذي يستطيع الشاب تعلمه والتحلي به لوحده ولئن قدر عليه شاب فلن تستطيعه الا المؤسسات والهيئات المختلفة من جمعيات المجتمع المدني وغيرها.
وإن نسيت لا أنسى دور المدرسة الأعظم والاكبر في التأهيل فالمدرسة تلعب دورا حيويا في تعزيز تحمل المسؤولية لدى الشباب، إذ تعتبر بيئة مهمة لتطوير مهارات الشباب وكأنها مختبرات لتكوين شباب قادرين على تحمل مسؤولياتهم القيادية والمجتمعية، يمكن للمدرسة أن تعزز تحمل المسؤولية لدى الشباب من خلال تعزيز قيمة الالتزام والانضباط وتحمل المسؤولية في الأنشطة المدرسية، كذا تحفيز الشباب على المشاركة في الأندية الطلابية والفرق الرياضية والفنية والثقافية، حيث يتطلب ذلك تحملا للمسؤولية والالتزام بالمواعيد والقواعد والانضباط العام لتوجيهات الأستاذ والاطر التربوية والادارية، الى جانب ذاك يمكن للمدرسة أن تنظم ورش عمل ودورات تدريبية لتطوير مهارات الشباب الشخصية بالاشتراك مع جمعيات الآباء وأولياء الأمور الذي أصبح لها دورا جوهريا في البيئة التعليمية.
ان هذه الاستراتيجيات لا يمكن أن تقف على قدم وساق إلا إذا أدى الاعلام دوره الرسالي والنبيل في حماية القيم المجتمعية، فما تبنيه المدرسة في موسم دراسي لجيل كامل يمكن أن يهدمه شريط فيديو في دقائق معدودة لما يتخلله من مؤثرات صوتية ومرئية تختلج النفوس والقلوب في ظل غياب أي حصانة عقدية وفكرية وأرضية صلبة.
فوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل الاجتماعي والاعلانات والأفلام والمسلسلات يجب أن تعي بالدور المنوط بها في حماية أبنائنا وفلذات أبنائنا وأجيال المستقبل.