الرقصُ مع خَضْراواتِ الدِّمَنِ
رمضان مصباح الإدريسي
في عرس المغرب الأخضر
البدء مع الأشباح:
حينما تعترف الحكومة بالعجز عن تدبير السوق ،من حيث تمنيع الأسعار من شطط الوسطاء والتجار الجشعين ؛ فهذا يعني الإزراء بكل مؤسسات الدولة المعنية بالأمن الغذائي للمواطنين .
مفارق جدا أن يقع هذا من الحكومة ،التي لاتعني شيئا في غياب مؤسسات التشريع والتنزيل والمراقبة.
لعل وطأةَ هذه “الاستقالة” الضبطية أقسى على الناس من الغلاء المتوحش ؛فهي تدفع مفسدي الأسواق – العفاريت والأشباح – إلى مواصلة قطع أذرع المؤسسات ،بما فيها الأمنية ؛مادامت النواطير ،إما أنها لا ترى ،أوترى ولا تريد أن ترى ؛وفي كل مصيبة.
“نامت النواطير ،فأكلْنَ حتى بَشِمْن الثعالبُ”
نعيش اليوم في ظل اقتصاد سوق فوضوي ،هادم لكل مقومات الأمن الغذائي لمواطنين صابرين ،منقادين للهشاشة، تجرفهم يوما بعد يوم.
إنها سوق متغولة ومستفزة ؛ليس الغلاء هو أخطر ما فيها ،لأنه قابل لجدع الأنف؛وإنما تدميرها أيضا لنفسية المواطن ؛مادام لا يجد حتى من يشرح له ما يجري ،فكيف سيجد من يحميه؟
إن الحكومة،وباعتراف من الناطق باسمها، لا تعرف كيف تصل إلى المضاربين والمُخزِّنين والمحتكرين .
تقول هذا في الوقت الذي أجادت و ارتقت بعض أجهزة الدولة –عالميا- في الوصول إلى نوايا الإرهاب ؛حتى قبل أن تتشكل أفعالا.
ومتى كان سوق البصل والطماطم مُتمنعا ،كمتاهات ومفاوز الإرهاب ؟
لكنها السياسة السياسوية،حينما لا تسمح للخبير الأمني بالعمل.
أما المنتَخبون ،إن اهتموا،وقلَّ ما يفعلون، فلهم أن يسألوا فقط؛وغالبا ما تأتي الإجابات مبهمة أو متكتمة ،وحتى كاذبة؛ إجابات مركبة من حروف هي غير حروف السؤال،ولاحتى حروف السوق.
الأحزاب انتهت إلى الاشتغال في أسواق الانتخابات فقط ؛أما المعيش اليومي للمواطنين فقد حرَّمته على نفسها .
هل رأيتم طاقما لحزب ما يمشي في الأسواق ،في هذه الأيام ،سائلا ومستنكرا ؟
وما أكثر ما يسرحون ويرتعون ويعِدون على هواهم ،حينما تفتح صناديق الانتخابات أفواهها.
و مع خَضراروات الدِّمن:
تعلَّمنا وعلَّمنا أن المغرب دولة فلاحة،لنا ألا نجوع فيها أبدا،ولا نَعْرى ؛بل وفاخرنا حتى ثروات الخليج –ذات توهم – بكوننا ،في هذا الغرب الواقف على الثغر ،من تراب وماء ،حينما قضى الله أن تكون من ملح ونار ودخان.
استيقظنا – عجبا -على خُوار بقر البرازيل ،وافدا على مجازرنا ،بعد أن تبخرت عجولنا وخرفاننا في متاهات المغرب الأخضر.
استبدلنا سهول القمح ،الشعير، والذرة ؛وحقول البطاطس ،الجزر،الفول، والبصل ،ببنات المغرب الأخضر ،الحمراوات ،الخضراوات ؛وما شئتم من فواكه الشم واللحس وكل ذات سفاهة فلاحية؛دائما بمسمى مغرب أخضر،مصنوع نسخا ومسخا ؛وكأننا لم نعش قبله فلاحين أبا عن جد،مُطوعين كل ألوانه بلون الغذاء والشبع والوفرة .
صرنا نستمطر السماء ،حتى صَلاةً ،لنبيع ماءها بأ بخس الأثمان ؛ها قد حُرمناه وقد خلت مطاميرنا ومخازننا من بَركة الأمس ونية الأجداد .
ارقص الآن،يا عريس المغرب الأخضر، مع خضراوات الدِّمن من فواكه اللحس والشم ؛وانتظر أن يأتيك قمح أوكرانيا ،من قلب الحرب والوجع،”بين فَرْثٍ ودم”
وبقدر ما فرط هذا الأخضر في الخبز ،اللحم ،وخضراوات “الطاجين” ووصفات الجدات أجبِر على أن يرى رأي العين :
*شح السماء ،وكأنها أبت إلا أن تنتقم لفلاحة غذائية تقليدية ضيعناها.
*تيبس الصُّبار في السهل والجبل ؛فريسة لأمراض وافدة ،ولا مناعة منها.
*نفوق النحل ،وكأنه غضب لما يقع في مراعيه التقليدية.
ويتحدثون في القبيلة عن “الشيبة” التي لحقت بالصبار .
أين المفر؟
طبعا في الكر على الفساد ،أنى لاح ؛ولو في اعتراف الحكومة بالعجز عن ضبط السوق ؛خصوصا والمندوبية السامية للتخطيط تُقر بترسُّخ الغلاء ، ضيفا ثقيلا ومزعجا بيننا.
تُصدر المندوبية عن دراسات اقتصادية نظرية و ميدانية ،تكذب الوعود الحكومية ؛مما يعني أن عدم القدرة على حل “ألغاز السوق” غير صحيح ؛مادامت المندوبية إياها حددت كل العوامل الاقتصادية والسياسية المتحكمة في السوق الحالية،والتي خولت لها القول بتواصل التضخم .
وقبلها لم يخف والي بنك المغرب –وهو من هو في مجاله- انتقاداته للتدبير الاقتصادي الحكومي ،الذي يثبط نمو الإنتاج.
طبعا لا ترِد ضمن البرنامج الحكومي ،المعتمد برلمانيا،المساطر الواجبة الإتباع ،في حال الاقرار بالعجز عن أداء مهمة أساسية من مهام الحكومة؛لكن بوسع المساءلة البرلمانية أن تدفع في اتجاه تصحيح الاختلالات؛ولو تصعيدا إلى حجب الثقة،ان اقتضى الحال.
وفي اعتقادي المتواضع أن تشديد الرقابة البرلمانية ،وتصعيدها مؤسسيا ،فيه نصيب كبير من الحكمة التدبيرية؛إذ الفراغ الحالي – أو السكوت المجامل – ينذر برد فعل للشارع ،لايرغب فيه أحد ؛في ظرفية جيوسياسية صعبة بالنسبة لبلادنا.
يجب النزول إلى الأسواق لمعرفة حجم المأساة ؛فكل سلة لا تعود إلى المنزل إلا مثقلة بشحنات من التذمر و الكراهية والتظلم ، وكأنها تعوض نقصها من لوازم الغذاء،ولو متواضعا.
إن الصمت الحالي دساس؛ “الله يَحْفظ وْصافي “.