أفضل ما ينبغي أن نعلمه أولادنا في رمضان
الحبيب عكي
لا شك أن موضوع الأطفال ورمضان يطرح إشكالات عدة ويكتسي صعوبات متعددة، سواء من حيث الاستيعاب الحقيقي لموضوع الصيام، أو من حيث التدريب العملي الميسر للتعاطي معه بشوق ومحبة دون تبرم أو إحساس بالمشقة، دون أن ننسى الإشكال الذي يتمثل في الانحرافات الواقعية التي تشوش بثقلها على الموضوع ككل. ترى، كيف ينبغي أن نعلم أطفالنا حقيقة الصوم وماهيته وما مرجعية ذلك؟، كيف ينبغي أن نصوم نحن والأطفال في بيئة رمضانية سليمة تعدل فعلا من عباداتنا وعملنا وسلوكنا؟، كيف يمكن لصيام الصائم أن يكون إيمانا واحتسابا ولعلكم تتقون في خضم العديد من مشوشات الواقع التي قد تجعل كل حظ الصائم من صيامه مجرد الجوع والعطش؟.
مرة شاهدت محتوى يتحدث فيه الأطفال عن تمثلاتهم حول رمضان، فمن قائل: رمضان كريم.. شهر عظيم أنزل فيه القرآن.. نصومه ليأتي العيد ونفرح بالعيدية واللباس الجديد.. نصوم لنحس بالفقير.. لنحصل على فانوس رمضان ونلعب بالليل.. تذوق الحريرة وأشهى الأطباق.. الشباكية والملوخية والتبولة والبطاطس المقلية.. نجتمع في الفطور وفي السحور وهو شيء جميل.. مسلسلات رمضانية.. فيه أتحجب وأرافق أمي إلى صلاة التراويح في المسجد؟.
وفي محتوى آخر حول أحب ممارسات الأطفال في رمضان، كان لعب الكرة والأوراق.. متابعة السيتكومات في القنوات.. نوم بعد الدراسة.. كثرة الغياب باعتبار رمضان للعبادة وليس للدراسة.. وحتى ما يدرسونه من حصص مخففة لا تنبغي فيها الفروض.. قضاء اليوم في الغابة أو صعودا إلى الجبل.. تسوق مطول بالنهار.. ومشيء مطول على الرصيف بالليل؟.
تمثلات فيها بعض الصحيح الذي ينبغي تجليه وتثبيته، وفيها الخاطئ الذي ينبغي تصحيحه والتدريب على تمثل ما يجعلنا نصوم صياما وفق المقاصد والغايات الشرعية بعيدا عن المفاسد والمبطلات والمشوشات المجتمعية والإعلامية. ثم كيف يكون لكل ذلك عائد إيجابي على حياة الأطفال الدينية والدنيوية، بما يعزز انتمائهم وكسبهم وممارستهم الدينية وييسر وينمي تحقيق طموحاتهم الدنيوية، بما يجعلهم يعتزون به ويحرصون على التمسك به والدعوة إلى شيوعه بين الجميع. هنا كتب المربون والمهتمون أن أعظم ما ينبغي أن يعرفه الأطفال واليافعين والنشء عموما أن أعظم حكمة وأهم غاية يصوم الناس من أجلها رمضان هي أننا:
1 نصوم رمضان طاعة لله: لأنه سبحانه وتعالى من أمرنا بذلك، ونتوسل إلى طاعة أمره بالعبادات والخيرات وتجنب المعاصي والمنكرات، وذلك حال الصائم وهو يجتهد في الإمساك عن الطعام والشهوة وإيذاء الآخرين.
2 نصوم لنتيقن بالقدرة على التغيير: وإمكانية ضبط النفس كلما أرادت أن توسوس لنا أو تزج بنا في المهالك. فانظر كيف نغير كل شيء سيء في حياتنا من اليوم الأول في رمضان، فكيف لا نستطيع ذلك في غيره من الأيام.
3 نصوم رمضان مراقبة لله تعالى: واستشعارا لمعيته وإمدادنا بعونه وقوته فنمسك عن الطعام والشراب والشهوة ونلتزم بما فرضه ونتجنب ما نهى عنه، ولا أحد يرانا أو يحرسنا أو نراعيه غير الله سبحانه وتعالى. وهو من نرجو في هذا الشهر الكريم أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتق رقابنا من النار.
4 نصوم ونحن نلتمس من صيامنا التقوى: يعني آثاره الإيجابية وعائده العملي علينا في مختلف المجالات النفسية والتعبدية الصحية والاجتماعية وغيرها، وفي الحديث: “الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم” متفق عليه.
5 نصوم رمضان لنستعين به على ما بعده: فهو بمثابة دورة تدريبية فعالة في التغيير الحقيقي والإصلاح العميق والشامل والاستقامة الفردية والجماعية المستدامة حتى قيل: ” كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين”.
صحيح، أن الأطفال واليافعين الصغار لا يفرض عليهم الصيام ما لم يبلغوا الحلم، ولكن هل من الأفيد أن يدخلوا عالمه الذي هم مقبلون عليه، أن يدخلوه عن علم وعبادة تقتضيها فلسفة الصيام من رب العالمين أم عن جهل وعادة فيها الصالح وفيها الطالح الذي تزكيه تصرفات الواقع “المترمضن” عند بعض الناس أحيانا، ومقصوفات الإعلام التي لا تلبث تسرق من الناس صومهم بغير عذر شرعي، ويخشى عليهم أن يوردهم موارد الخسران من ذوي : ” رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر” رواه أحمد، ومن قوم :”من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخاري؟.
وصحيح أيضا، أن رمضان لم يفرض على الطفل الصغير، ومن حقه إذن أن يفطر أو أن يصوم، ومن حقه أن يتدرب على الصيام بأقساط متزايدة في متناوله وباستطاعته يجمعها صباح مساء إلى أن يتم يومه وفرحته وينال جائزته، ولكن، هل من حقه أن يعاكس فلسفة الصيام وجوه العام من غير إمساك الجوارح؟. فمثلا، كان الأطفال في ما مضى يبدؤون الصيام من مستويات الخامس والسادس ابتدائي، واليوم، قد يبلغون نهاية الإعدادي أو بداية الثانوي ولا يزالون لا يصومون وربما لا يصلون؟. وكان اليافعون يرتادون المساجد لصلاة التراويح عن بكرة أبيهم، واليوم تضيق بهم الشوارع المؤدية إلى المساجد يلعبون الكرة والغميضة والمطاردة والضوضاء؟، وأيضا بينما كان الجميع يتنافسون في قراءة ما تيسر لهم من أجزاء القرآن ويحفظون ما حلا لهم من أذكار الدعاء، أصبحوا اليوم يتنافسون في متابعة أكبر عدد من المسلسلات والسيتكومات عبر الفضائيات وحتى الهواتف؟.
ألسنا في حاجة ماسة إلى تحسيس أبنائنا بحقيقة الصوم كما هي في مصادرها التشريعية من قرآن رباني وسنة نبوية، فما هي مجالسنا العلمية الأسرية من أجل ذلك؟، ما هي محاضننا التربوية المدرسية التي تغرس فيه؟، وما هي مرافئنا الجمعوية التي تدرب وتنشط فيه؟. أين هي قصصنا الشيقة وحكاواتيون البارعون؟، أين أشرطتنا الممتعة ومخرجوها المبدعون؟، أين معاملنا ومحترفاتنا التربوية وفضاءات ألعابنا الرمضانية الترفيهية..؟. ألسنا في حاجة ماسة إلى مساعدة النشء من أبنائنا وبناتنا على حسن تمثل الصيام وحسن تجسيد قيمه وأخلاقه بعيدا عن المبطلات والمشوشات والعادات الخاطئة؟، فأين هي وسائلنا المبتكرة والعلمية لربط الجيل بالقرآن الكريم في شهر القرآن؟،
أين علبنا المنزلية الخاصة لتشجيعهم على التوفير والصدقة على الفقراء وأبناء الفقراء ولو بأقل القليل؟، مبادرة الإفطار الجماعي لأصدقائهم، صلة الأرحام والقرابة وأشكال ذلك، القدوة من الكبار في كل ذلك.. ليلة القدر وخير وخالص الدعاء.. زكاة الفطر وجوائز الصائمين.. إلى غير ذلك من مشاريع التعبير والمشاركة في التغيير ومن قيم الصدق والمراقبة والكف عن كلام السوء والسباب والشجار.. وكل مظاهر الإيذاء؟. إنها مدرسة رمضان.. مدرسة في كنف العبادة والطاعة وفضائل القيم والأخلاق، كل ينهل من فضائها ويجني من ثمارها بقدر ما يصدق في التعاطي معها من منطق الإيمان والاحتساب والتقوى الرباني، فطوبى لمن فعل وساعد على فعل ذلك، وعساهم عساهم من أهل باب الريان عساهم؟.