فضيحة كروية أخرى!
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازال فيه المغاربة عامة والمهتمون بالشأن الرياضي خاصة، يترقبون كشف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن أبطال ما بات يسمى ب”فضيحة التلاعب بتذاكر مونديال قطر 22″، لاسيما أن رئيسها فوزي لقجع كان قد تعهد في بداية الأمر أن التحقيقات لن تتجاوز يوم 16 يناير 2023، ثم عاد في الأسبوع الأول من شهر مارس خلال مؤتمر صحافي، ليعلن عن تسلمه تقريرا من الهيئات القضائية، الذي يؤكد وجود خروقات، وأنه في ظل ما سماه تشعبات الملف وانتظار استكمال هذه التحقيقات القضائية، سيتم في غضون الأيام القليلة القادمة الإعلان عن نتائجها واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المتورطين…
فإذا بفضيحة كروية أخرى تتفجر في ملاعبنا الرياضية خلال أواخر الشهر الفضيل، ويتعلق الأمر هنا بالتلاعب في نتائج مباراتين، حيث سجلت الدورة الثلاثين من منافسات الدرجة الثالثة في قسم الهواة (عصبة: الرباط-سلا-القنيطرة) نتائج صادمة ومثيرة للجدل في مباراتين لكرة القدم بلغ مجموع الحصتين المسجلة فيهما معا 56 هدفا، مما أدى إلى المطالبة بفتح تحقيق مستعجل لما شاب مباراتي الفريقين من غش فادح وشبهة التلاعب. إذ انتصر فريق الاتحاد الغرباوي على نهضة القنيطرة بحصة خيالية (23/1)، بينما فاز نادي حسنية سيدي سليمان على هلال يعقوب المنصور بنتيجة لا تقل غرابة عن سابقتها (31/1)، ولم يكن الغرض من تدبير فصول هذه المهزلة الكروية سوى العمل على تفادي النزول إلى الدرجة الرابعة.
وفي ضوء هذه الفضيحة المدوية اختارت عصبة الغرب سلك المساطر القانونية للكشف عن التلاعب الثابت في هذين الحالتين، من خلال انبثاق لجنة عن المكتب المديري للتحقيق في نتيجتي المقابلتين المذكورتين، متوعدة المتورطين بعقوبات مشددة حتى يكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الإساءة للرياضة، خاصة أن الأمر هنا يمس في العمق بسمعة كرة القدم الوطنية، وأنه من غير المقبول أن تستمر مثل هذه التجاوزات في بلد يضم منتخبا كرويا كبيرا، استطاع تحقيق إنجاز تاريخي في بطولة كأس العالم التي نظمتها دولة قطر في الفترة الممتدة ما بين 18 نونبر و20 دجنبر 2022، إثر بلوغه دور نصف النهائي واحتلاله الرتبة الرابعة عالميا خلف منتخبات كل من الأرجنتين صاحبة اللقب ووصيفتها فرنسا وكرواتيا في المرتبة الثالثة.
بيد أنه خلافا لفضيحة التلاعب بتذاكر مونديال قطر التي تسير فيها التحقيقات ببطء السلحفاة أو هكذا أريد لها أن تكون، في انتظار إيجاد مخرج لحفظ ماء الوجه، سارعت اللجنة الجهوية للتأديب والروح الرياضية التابعة للعصبة الجهوية لكرة القدم: الرباط- سلا- القنيطرة، وبناء على إفادات الحكام والمندوبين وباقي أطراف الفضيحة من تقنيين ومسيرين، إلى إصدار عقوبات ثقيلة في حق الأندية الأربعة السالفة الذكر والتي تأكد تورطها في التلاعب بنتيجتي المواجهتين اللتين شكلتا وصمة عار على جبين كرة القدم المغربية، إذ تقررت عدة عقوبات منها توقيف كل أفراد المكاتب المسيرة والأندية المعنية عن الممارسة مدى الحياة، دون أن يفلت من العقاب حكام لقاء فريقي حسنية سيدي سليمان ضد فريق هلال يعقوب المنصور مدى الحياة وتوقيف المؤطرين لعامين منها سنة موقوفة التنفيذ، وغيرها…
ومن هنا يتضح أن فضيحة التلاعب بنتيجتي المقابلتين وما سبقها من فضيحة الاتجار غير المشروع في تذاكر مونديال قطر المجانية، أنه ليس هناك من تفسير آخر لهما عدا استفحال ظاهرة الفساد في بلادنا. وهي الآفة التي لم تعد منحصرة فقط في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة وسواها، بل انتقلت العدوى إلى كرة القدم إن على مستوى تزوير تواريخ ميلاد الفئات الصغرى أو المتاجرة بنتائج المباريات وغيرها كثير. والفساد الرياضي ليس بالأمر الجديد، فقد ظهر الغش والتحايل في الأندية والبطولات والمؤسسات الرياضية منذ أمد بعيد، ولا أدل على ذلك أكثر من تناسل الفضائح في مختلف الدرجات والعصب وداخل الجامعة نفسها، بعد أن انكشفت الكثير من الممارسات المشينة وتعددت حالات التلاعب أو محاولاته…
فبالعودة إلى ما سبق أن أكده رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع خلال كلمة له أثناء الجمع العام الخاص بالعصبة الوطنية الاحترافية لكرة القدم بمركز المؤتمرات بالصخيرات عام 2019، من حيث ضرورة تضافر جهود الجميع داخل أسرة كرة القدم الوطنية من أجل محاربة الفساد بمختلف أشكاله، داعيا كل رؤساء الأندية الوطنية والمسؤولين عليها إلى العمل سويا على تطهير المجال من كل الاختلالات التي من شأنها إلحاق الضرر بشعبية الساحرة المستديرة وبصورة البلاد في الخارج. فأين نحن اليوم من ذلك؟
نحن لا ننكر أن هناك مجهودات بذلت وتبذل بدعم ملكي متواصل قصد النهوض بكرة القدم الوطنية، وأن عقوبات يمكن وصفها بالقاسية قد تسلط في حق كل من ثبت تورطه بشكل أو آخر في التلاعب بنتائج المقابلات أو في غيره، لأننا وحرصا على عدم فقدان الساحرة المستديرة شعبيتها، بحاجة إلى الحفاظ على نزاهة الرياضة، وما يمكن أن تنشره من قيم إنسانية رفيعة. لكننا مازلنا للأسف الشديد نسجل من حين لآخر بعض التجاوزات الخطيرة، التي تعطي الانطباع للآخرين بأن بلدنا مازال يتخبط في أوحال الفساد ولم يصل بعد إلى مستوى النضج الكروي وتفعيل الحكامة الجيدة، علما أننا مقبلون قريبا على احتضان فعاليات كأس العالم 2030 في ملف مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال.