المغرب في محيط متقلب
عمر الشرقاوي
تتسارع وتيرة الأحداث في المحيط العربي بشكل كبير، فالتطورات تتوالى من صلح سعودي إيراني، إلى انفتاح على سوريا ومحاولات إعادتها إلى حضن جامعة الدول العربية، وصولا إلى بروز ملامح خريطة جديدة تبدو في ظاهر أنها مرسومة عربيا لكنها محكومة برهانات جيوستراتيجية لاصطفافات أكبر وأقوى.
وبلا بشك يوجد المغرب في قلب هذه التحولات الكبرى التي تجري على مستوى المحاور والتحالفات وسط محيط إقليمي متحرك يزيد منه الضغط الدولي وهو ما سيكون له تأثير على البنية الهيكلية للنظام الإقليمي العربي خلال العشرية المقبلة. هذا يعني أن المرحلة القادمة تضع المغرب في قلب التحولات شاء أم أبى خصوصا وأنه قادر مع شركاءه العرب التقليديين على صياغة التكتلات الجديدة والدفاع عن المصالح العليا للوطن وفي مقدمتها القضية الوطنية التي تبقى النظارة التي ينظر بها إلى التحالفات المقبلة أو مراجعة التحالفات الحالية.
فأين سيجد المغرب نفسه في هذا المحيط المتحول مثل الكتبان الرملية؟
من المؤكد أن المرحلة المقبلة تفرض على المغرب، الكثير من العقلانية والبرغماتية والواقعية في تدبير علاقاته مع 21 دولة عربية إضافة إلى المحور الإيراني-التركي الذي لا يمكن تجاهله في صناعة المرحلة المقبلة، وهذا يحتم على ديبلوماسيتنا بناء مواقفها بالاستناد على ثلاث مرتكزات كبرى:
المرتكز الأول، أن الموقف من القضية الوطنية، هو المعيار الأول والأخير أما باقي الاصطفافات فهي تفاصيل يمكن معالجتها بدون تشنج، وهذا يعني أن بلدنا لديها ملاحظات جوهرية وجذرية حول كيفية تعامل بعض الدول وفي مقدمتها إيران وتركيا وسوريا مع ملف وحدتنا الترابية، ومع بعض أنماط وأشكال التدخلات في شؤون سيادتنا، وهنا لا يمكن الانفتاح على علاقة صحية للغاية مع مثل هؤلاء الدول إلا على قاعدة الضوابط التي قامت عليها الديبلوماسية المغربية، والمرتكزة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولتنا، واحترام سيادتنا ووحدتنا الترابية.
المرتكز الثاني فيقوم على، موازنة العلاقات العربية وعدم وضع البيض كله في سلة محور عربي دون الآخر، فبلدنا مطالبة بالحفاظ على علاقات ديبلوماسية بنفس المسافة بين محور قطر ايران تركيا ومحور السعودية الإمارات مصر. وفي ذلك رسالة للجميع بأن المغرب لا ينضوي تحت الأجنحة المصطنعة، وأن هناك قرار سيادي للدولة يجب أن يتخذ دائما في الشأن الخاص بالعلاقات الدولية، لتوفير أكبر قدر من المكاسب وعلى رأسها مكاسب الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني لبلدنا.
المرتكز الثالث فيرتبط بصون الموقع جيوسياسي للمغرب ضمن المنظومة العربية الجديدة، فمن مصلحة المغرب أن يستفيد من موقعه الاستراتيجي وعلاقات الشراكة الكبرى التي بناها مع القوى العظمى، ليكون فاعلا أساسيًا في الخريطة العربية، فالمغرب صنع صورة الشريك والمخاطب الموثوق لدى دول تقرر في مصير العالم ولا يقبل منه أن يتنازل عن موقع الجيوستراتيجي ويصبح مفعولا به في محيط عربي وإسلامي.
مع كل هذه التطورات الاقليمية الجارية، من اللازم على الديبلوماسية المغربية استغلال اللحظة التاريخية السانحة لضمان الحضور الوازن في مربع القرار العربي أما إذا فوتت الفرصة فسترتكب خطأ استراتيجيا مخيفا سيدفع ببلدنا بعيدا على هوامش التطورات المستقبلية الكبرى.