غراب الأحلام
محمد شحلال
منذ أول درس قدمه لقابيل في كيفية ستر سوءة أخيه هابيل،لم يعد للغراب من ذكرلدى،،العربان،، إلا استحضار الشؤم الذي يحيل عليه لون هذا الطائر الشديد السواد،رغم أنه في الواقع من أذكى الطيور، حيث تحول إلى مضرب مثل في الحذر.
لقد كشفت الدراسات الحديثة بأن عالم الغربان يغري بالمتابعة،خاصة في حالات المحاكمات التي تنظمها لتأديب ومعاقبة المخالف منها للنهج المتبع في حياة هذه المخلوقات التي لم تبح بعد بكل أسرارها.
خلال الأيام الأخيرة،عاد الغراب ليشغل اهتمام شريحةعريضة من العرب الذين يبحثون عن أبسط حدث يتأسون به لنسيان سيل الهزائم التي يتجرعون غصصها على مر الأجيال.
يتمثل الحدث،،السعيد،،في إقدام غراب أسحم ،على خوض معركة ،،إذلال،، للعلم الإسرائيلي نيابة عن الجيوش العربية وضباطها الذين تزدان صدورهم بنياشين نالوها في حروب وهمية !
لست أدري على وجه الدقة كيف عن للغراب أن يهجم على رمز الكيان الغاصب،ليقدم للإنسان العربي متنفسا يصنع به العجب عبر فتح كل تجاويف مخياله،ليرى النصر على مرمى حجر،والقدس الشريف يتخلص من جزمات جنود الاحتلال وهم يدنسون كل ما يمت بصلة لكرامة المسلمين.
لست أدري كذلك كيف تصرف الإسرائليون مع هذا الغراب ،،الإرهابي،،وهل سمحوا له بإتمام حملته،أم أنه التحق بقافلة الشهداء على يد القناصة الذين اغتالوا رموزا فلسطينية خلفت في النفوس جراحا لن تندمل،من طينة غسان كنفاني وعز الدين قلق وأبي جهاد وعماد عقل ثم شيرين أبو عقلة ،واللائحة مفتوحة.
سارع المتعطشون للنصر إلى تفسير الحدث على أنه إيذان بقرب زوال الكيان الصهيوني،وأن ما صنعه الغراب ،هو رسالة سماوية يجب التعامل معها بما يلزم من جدية وتفاؤل، في انتظار ساعة الفرج التي ربطها معظم المفكرين المسلمين بأواخر العقد الذي نعيشه،وهو الموعد الذي لا يسعنا إلا أن ننتظره بكل شغف آملين أن تنتهي انكساراتنا هذه المرة بعدما عبثت مخالب الغراب بكبرياء المحتل الغاصب.
ولن يكتمل،، نضال،، الغراب إلا باستحضار قطة مسجد الجزائر التي تعلقت بتلابيب الإمام أثناء الصلاة ،ليفتي المنظرون الجزائريون بكون الحدث معجزة لا غبار عليها،والدليل على ذلك هو نسبة المشاهدات القياسية التي حظيت بها القطة في كل بقاع العالم !
ربما جاز للحالم بالنصر أن يتأسى بما فعله الغراب لأنه تصرف تصرفا انفراديا،بينما تحركت قطة الإمام الجزائري بناء على علاقة تساكن وطقوس دلال مصطنعة، قابلة للتكرار في كل بيت ،علما بأن القطط والكلاب،من أقرب الحيوانات إلى الإنسان المؤهلة للتربية والترويض، لتصدر عنها سلوكات لافتة،واسألوا البدو ليفتحوا لكم باب أسرارهم مع الحيوانات.
لو كان أمر الغراب وقطة الإمام حكرا على العرب والمسلمين،لساغ لكل ساذج مثلي،أن يرى في الأمر بابا من أبواب الخوارق التي عششت في عقولنا بالتواتر، حتى تخلينا عن العقل والمنطق،لكن واقع الحال يعج بحالات حيوانات وطيور يحار معها العقل في بلاد الغرب،ومع ذلك لم تنبر جهة يوما ما، لتتحدث عن معجزة أو قرب حلول موعد طال انتظاره،بقدر ما يظل الأمر مجرد انتشاء بإحداث اختراق في سلوك الحيوان والطير، يجعل الإنسان لا يخفي إعجابه بما تم تحقيقه من نتائج في تسخير العديد من الحيوانات والطيور لتقديم خدمات جليلة لمربيها، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يجدون في الكلاب المدربة سندا يغنيهم عن تدخل الإنسان.
لن استعرض كل النماذج التي يبدي فيها الحيوان والطير قدرات خارقة،لكني أذكر بحالة العجوز الأسيوي الذي تمكن من تسخير عصفور ليجمع له النقود من المارة ،مقابل حبات من الطعام التي ينالها إثر كل عملية ،دون أن يضطر العجوز لاستعراض قائمة آلامه وآهاته التي يلجأ إليها العديد من بني جلدتنا، لادخار عضلاتهم مقابل التحلل من آخر بقايا الكرامة الإنسانية.
شكرا للغراب الأسحم الذي ساهم بنصيبه في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة،ولتهنأ عقول الحالمين بنصر وشيك،فالله عز وجل قد يجعل الفتح في أضعف جنده،أما إذا كان الغراب مدربا،أو كان في العلم ما أثار حفيظته،فإن أحلامنا قد تتأجل مجددا،وإلى أجل غير منظور !…