قناة الجزيرة وجزاء سنمار!
اسماعيل الحلوتي
في خطوة مباغتة، أقدمت إدارة قناة الجزيرة القطرية ذات الشهرة “العالمية”، التي تحظى برامجها بمتابعة واسعة ولا تكف عن ترديد شعارها الدائم “الرأي والرأي الآخر” وغيره من الشعارات البراقة، على إنهاء عقد الشغل الذي يربطها بالإعلامي المغربي المتميز عبد الصمد ناصر، الذي أفنى زهرة عمره في العطاء الجاد والإخلاص في العمل طيلة مساره المهني منذ حوالي ستة وعشرين سنة. حيث كان الخبر صاعقا بالنسبة لعموم المغاربة لما للرجل من مكانة في قلوبهم، وشكل حدثا بارزا على مستوى مختلف وسائل الإعلام العربية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو 2023.
إذ خلافا لبعض الأبواق الإعلامية المأجورة الذين تملأ الدنيا زعيقا وضجيجا في الشدة كما في الرخاء، اكتفى الصحافي المقتدر عبد الصمد ناصر الذي يعد واحدا من أشهر مقدمي نشرات الأخبار والبرامج الحوارية في الوطن العربي بالقول في رده على سبب العزل: “لن أبصق في البئر التي شربت منها”، وأضاف قائلا في ذات التدوينة، قال ابن القيم رحمه الله: “وإذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه، فتح لك برحمته طريقا أنفع لك منه…” مبديا احترامه لدولة قطر التي قضى فوق ترابها سنوات طويلة، ورافضا بشدة الدخول في أي سجال حول ما حدث له. فأي تعقل وأي رصانة يملكهما الرجل؟ ثم كيف لا تأتي ردوده بليغة وذات معاني عميقة، وهو المغربي الأصيل والنبيل المشهود له بالكفاءة والمهنية وحسن المعاملة ودماثة الأخلاق؟
فبقدر ما أثار القرار التعسفي الأهوج حفيظة الشعب المغربي بجميع أطيافه، ولاسيما بعدما تم الكشف عن السبب الحقيقي الكامن خلف فصل الإعلامي عبد الصمد ناصر، والذي يعود حسب الأخبار المتداولة والموثوق بصحتها إلى نشره تغريدة عبر حسابه الخاص على موقع “تويتر” يرد فيها على رعونة إعلام الجزائر الرسمي الخاضع لأوامر “العصابة” الحاكمة في قصر المرادية، والدفاع عما تعرض له المغرب من اتهام ب”مملكة الشر والرذيلة، ودولة المخدرات التي لا تتواني في عرض أولادها وبناتها في سوق السياحة الجنسية”، حيث قال: “نموذج صارخ لفجور إعلام نظام الجزائر الرسمي، التلفزيون الجزائري الرسمي يهاجم المغرب بسفالة ويتهم الدولة المغربية بكل نذالة بالاتجار بعرض وشرف نساء مغربيات” وتساءل “أي فجور غير المسبوق هذا؟”. “وأي وضاعة هذه يا عديمي الأخلاق؟ بئس الإعلام إعلامكم الحقود وبئس ما تفعلون”. وهو الموقف الذي غاظ كثيرا اللوبي الجزائري المتوغل داخل القناة، خاصة عندما خيره أحد المسؤولين البارزين بين حذف “التغريدة” أو مغادرة القناة، ولشهامته وجرأته النادرتين لم يتردد “ناصر” لحظة في إبداء تمسكه بدفاعه عن وطنه وشرف بناته المغربيات الشريفات العفيفات مهما كلفه الأمر من ثمن باهظ.
بقدر ما خلف ارتياحا كبيرا لدى أزلام العصابة الحاكمة في الجزائر ممن تم ترويضهم على كراهية المغرب ورموزه ومؤسساته، حيث سارع بعضهم إلى التشفي بلغة سوقية تنم عما يعيشون في كنفه من فراغ فكري وإفلاس أخلاقي، فيما لجأ البعض الآخر إلى اتهامات باطلة من قبيل التجسس وغيره كثير…
وكما يقول المثل “كم نقمة في طيها نعمة”، فإنه فضلا عن أن قرار الطرد التعسفي الذي تعرض له الإعلامي الخلوق عبد الصمد ناصر كشف عن معدنه الأصيل وموقفه النبيل، جعل الكثير من النقابات والجمعيات ومن ضمنها النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي نددت بالقرار وأعلنت عن تضامنها المطلق واللامشروط معه كما أعلنت عن استعدادها لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر مكتب قناة الجزيرة بالرباط في أقرب وقت ممكن، معتبرة أن القرار يمس بمصداقية القناة ويفرغ شعاراتها من مضامينها، ولاسيما منها تلك المتعلقة بحرية التعبير والنشر واستقلالية الصحافي…
كما لم تتأخر جمعية خريجي المعهد العالي للإعلام والاتصال بدورها في الدخول على الخط للإعلان عن دعمها المطلق له في محنته والتنديد بالتعامل الأخرق لإدارة القناة معه، حيث صدرت بيانات تشجب القرار الجائر، وترفض أن يتحول التعبير الحر عن الرأي جريمة يعاقب عليه أو مشجبا لإنهاء عمل الصحفيين وغيرهم. وهكذا عبرت الكثير من جمعيات المجتمع عن امتعاضها الشديد وانشغالها بما أصبحت عليه إدارة القناة من فرقة وما تبديه بعض الجهات من معاكسة لمستوى العلاقات الأخوية التي تجمع بين دولة قطر والمملكة المغربية الشريفة، والكيل بمكيالين حينما يتعلق الأمر بقضايا تهم صحفيي القناة.
فبإقدام قناة الجزيرة القطرية على قرارها الأخرق والصادم تكشف ثانية أنها ليست سيدة قراراتها، وإنما هناك جهات نافذة مدنية وعسكرية هي من تتحكم في كل تفاصيلها وشؤونها، وسيظل تسريح الإعلامي عبد الصمد ناصر وصمة عار في جبينها وجبين صاحب القرار الأهوج، لأنه يؤكد على جهله التام لما لحرية التعبير من أصول وضوابط لا تربط مقر العمل بصاحب الرأي، متى ما عبر عن توجه لا يخالف الأخلاق والقوانين الجاري بها العمل، كما يقول أحد أساتذة القانون العام والمحللين السياسيين، الذي وجه خطابه لمدير الأخبار الجزائري في القناة موضحا بأن القانون الدولي والقوانين الداخلية للدول تكفل الحق في التعبير، وإن كان هناك من يستحق إجراء تأديبيا، فهو الذي لم يستطع الفصل بين الأصل والمهنة.