“الجزيرة” وسياسة الكيل بمكيالين!
اسماعيل الحلوتي
غريب هو أمر عدد من القنوات الفضائية العربية سواء منها الإخبارية أو الوثائقية أو الرياضية، وتكمن غرابة هذه القنوات بوجه خاص في تناقضاتها الصارخة، والتعاطي مع الأحداث السياسية وغيرها بانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين، بعيدا عن الحيادية والموضوعية وأخلاقيات المهنة، وفي مقدمة هذه القنوات هناك قناة الجزير القطرية أو بالأحرى المتعددة الجنسيات، التي طالما صدعت رؤوس مشاهديها بشعار “الرأي والرأي الآخر” وغيره من الشعارات البراقة عن حرية الرأي والتعبير واستقلالية الصحافي.
بيد أنه سرعان ما سقط القطاع عن الوجه القبيح الذي ظلت تخفي ملامحه لسنوات طوال، وانكشفت حقيقتها اليوم أمام الداني والقاصي، ويكفي أن نسوق هنا نموذجا لما تنهجه من ازدواجية المعايير. حيث أن إدارتها أقدمت خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو على إنهاء تعاقدها مع الإعلامي المغربي المتميز عبد الصمد ناصر، المشهود له بالكفاءة ونبل الأخلاق، بعد مسار مهني حافل بالعطاء الجاد والإخلاص في العمل دام 26 سنة دون إصدار أي بيان رسمي يكشف للجمهور العريض عن سبب هذا العزل المثير للجدل، خاصة أنه لا يتعلق بخطأ مهني جسيم أو غيره من الأخطاء التي تستدعي مثل هذا القرار التعسفي، وإنما فقط لرفضه حذف تغريدة نشرها على حسابه الشخصي في موقع “تويتر” ردا على تطاول وسيلة إعلامية جزائرية رسمية على بلاده المغرب والإساءة إلى نسائه العفيفات.
وذلك في الوقت الذي لا يتورع فيه بوق الكابرانات المدعو حفيظ دراجي المعلق الرياضي في قنوات “بي إن سبورت” الرياضية التابعة لقناة الجزيرة عن الإساءة للمغرب ورموزه ومؤسساته، مستعملا في ذلك شتى الأساليب الدنيئة من شتم وتشهير بالمرأة المغربية وتهجم على المغرب والمغاربة شعبا وملكا، رغم سيل الشكايات التي ما انفكت ترفع إلى إدارتها مطالبة بوضع حد ل”عنترياته الفارغة واللامنتهية”، فإنها ظلت دائما تدعي عدم تدخلها في آراء العاملين لديها على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، فهل من المصداقية قيام قناة عربية ذات شهرة واسعة على بث الفرقة بين موظفيها والتمييز بينهم حسب جنسياتهم؟
فمباشرة بعد انتشار الخبر المباغت بإقالة الإعلامي الخلوق عبد الصمد ناصر الذي اشتهر بتقديم النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية بقناة الجزيرة الإخبارية على مدى أزيد من ربع قرن، ضجت مواقع التوصل الاجتماعي بالتعليقات المنددة بقرار الطرد التعسفي معلنة عن تضامنها المطلق واللامشروط معه، وتساءلت في ذات الوقت عن مصير “بوق الكابرانات” حفيظ دراجي. حيث استنكر الكثير من المتتبعين والمهتمين سياسة الكيل بمكيالين التي تنهجها القناة القطرية، ولاسيما أنه يكاد لا يتوقف عن مهاجمة المغرب وبلدان أخرى عربية من قبيل تونس ومصر والإمارات، وكثيرا ما أحدثت مواقفه الهوجاء جدلا واسعا دون أن يطاله أدنى تنبيه أو عقاب. فما الفرق بين دراجي الجزائري وناصر المغربي؟
وليس وحده حفيظ دراجي من أساء للمغرب مرارا بل هناك أيضا المسمى جمال ريان الفلسطيني، دون أن تطالهما أية مساءلة أو عقوبة تأديبية. وكان هذا التحيز الممنهج كافيا في أن يدفع بعديد الجهات إلى التنديد بهكذا تعامل تمييزي أرعن من قبل القناة “القطرية”، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين المغاربة التي سارعت إلى إصدار بيان تدين من خلاله قرار الطرد التعسفي الذي تعرض له “ناصر” مهددة باللجوء إلى منظمات العمل الدولية والمنظمة الدولية للصحفيين بهدف إحقاق الحق وإنصاف المظلوم “عبد الصمد”، رافضة أن يتم مقابل ذلك التغاضي المستمر عن “المعلق” دراجي الذي لا يدع أي فرصة تمر دون اغتنامها في اتجاه الإساءة للمغرب وأبنائه ومؤسساته بما فيها الملكية. فهل هي مباركة منها لمثل هذه السلوكات الشاذة والأساليب المنحطة، التي تضر بمصالح القناة قبل الإضرار بجهات أخرى؟
ونستحضر هنا غيضا من فيض التغريدات المسيئة للمغرب لصاحبها لاعق أحذية الكابرانات “دراجي” في صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، والتي مازال بعضها موجودا دون أن يمارس عليه أحد من القناة الضغط لحذفها. إذ وصلت به الدناءة إلى حد انتقاد المساعدة التي اقترحها ملك المغرب محمد السادس على الجزائر لإخماد حرائق الغابات، حيث كتب “لا نقبل مساعدة حليف الكيان الصهيوني”. كما كتب في تعليق آخر على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي مائير لابيد للمغرب “وزير الخارجية الصهيوني يبدي من المغرب قلقه تجاه التقارب الجزائري الإيراني، في وقت يعتبر التقارب المغربي الصهيوني عاديا” وأضاف “قلقكم سيزداد لا محالة لأننا سنقترب أكثر من كل من يعاديكم، كما أن حدودنا الغربية لن تفتح، بعدما اقتربتم منها” وغيرها كثير…
إن إقدام قناة الجزيرة التي اعتبرها الكثيرون عند تأسيسها نقطة الضوء الوحيدة في الوطن العربي، على الاستغناء عن خدمات الإعلامي عبد الصمد بشكل غير قانوني دون غيره ممن يسيئون فعلا لعديد من البلدان العربية، يكشف إلى حد ما عن مساهمتها في الحملة الممنهجة ضد المغرب الذي بات يشكل رقما صعبا في المعادلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ويؤكد أيضا على تجاوزها لكل الحدود الأخلاقية والأعراف العربية الأصيلة، وافتقارها إلى المهنية في التعامل الموضوعي والحيادي مع موظفيها وأبرز القضايا والتغطيات الإخبارية، مما يشكل قناعة لدى المشاهد العربي أنها قناة مدفوعة الأجر…