انتصار الوسيط لضحايا “مباراة المحاباة”!
اسماعيل الحلوتي
في خطوة فريدة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ إجراء مباريات ولوج سوق الشغل، وعلى إثر تدخل مؤسسة وسيط المملكة التي رفعت تقريرا إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش بتاريخ 3 يونيو 2023 في ضوء الوساطة التي باشرتها في شأن “مباراة المحاماة”، وما خلفه الإعلان عن نتائجها من جدل واسع دام عدة شهور بسبب ما رافق ذلك من تشكيك في نزاهتها واتهامات خطيرة بالتزوير والتلاعب، مست بمصداقيتها وضربت في العمق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المتبارين.
وبناء على التعاطي الإيجابي للحكومة مع ما تضمنه تقرير مؤسسة وسيط المملكة السالف الذكر من مقترحات وتوصيات، ومن ضمنها الدعوة إلى تنظيم امتحان جديد لولوج مهنة المحاماة يستجيب لنفس شروط امتحان دورة 4 دجنبر 2022، وبلاغ رئاسة الحكومة الصادر في 4 يونيو 2023، سارعت وزارة العدل إلى الإعلان عن موعد إجراء اختبارين كتابيين بخصوص منح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، حدد لهما موعد يوم الأحد 9 يوليوز 2023 بعدد من المراكز المنتشرة عبر التراب الوطني، وذلك وفق القانون رقم 08.28 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، وطبقا للكيفية المنصوص عليها في قرار وزير العدل رقم 01/2023 م.ش.م.م.ق.ق الصادر في 6 يونيو 2023…
وهو الإعلان الذي بقدر ما خلف ارتياحا في أوساط ضحايا نتائج مباراة 4 دجنبر 2022 وأسرهم وعدد من المهتمين بالشأن العام الوطني، ضدا عن عناد وزير العدل عبد اللطيف وهبي وإصراره على عدم إنصافهم من خلال تلبية مطالبهم بإلغاء الامتحان أو فتح تحقيق نزيه وشفاف في الاختلالات المسجلة، وبادروا إلى تقديم جزيل الشكر لمؤسسات الحكامة الجيدة على تدخلها الموفق قصد إيجاد الحل الأنسب للمشكل المطروح وعلى رأسها مؤسسة وسيط المملكة التي عملت على رفع تقرير شاف إلى رئاسة الحكومة، يرتبط أساسا بما لحق الامتحان السابق من خروقات وتجاوزات. وقد أكدت في هذا الصدد “التنسيقية الوطنية لمرسبي امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة” على تشبثها بتوصيات مؤسسة وسيط المملكة وطالبت بضرورة الحرص الشديد على تفعيلها.
بقدر ما أثار تدخل رئيس الحكومة ووسيط المملكة حنق واستياء جمعية هيئات المحامين بالمغرب، حيث أبى مكتبها إلا أن يعقد اجتماعا طارئا في الموضوع يوم الإثنين 5 يونيو 2023، انتهى إلى الإعلان عن رفضه القاطع لإجراء أي امتحان جديد لنيل شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة خارج نظام المباراة، وفي ظل غياب إحداث معهد وطني للمحاماة، تنفيذا لالتزامات الدولة وما يتطلب الأمر من تعديل المادتين 5 و6 من القانون رقم 08.28، معتبرا أن إعادة تنظيم الامتحان ليس له من هدف سوى الاستمرار في إغراق المهنة بخريجي كليات الحقوق، بعدما عجزت السياسات الحكومية عن إيجاد حلول لبطالة هؤلاء الخريجين وسواهم، ومعربا في ذات الوقت عن عدم رضاه وشجبه تدخل مؤسسة الوسيط في مهنة المحاماة واستهداف استقلاليتها وحصانتها، والمساس برسالتها التاريخية والحقوقية وكذا برمزيتها…
بيد أنه وبالرغم مما حمله قرار إعادة الامتحان من بشرى للمغاربة عامة وضحايا “مباراة المحاباة” خاصة، فإنه لن ينسيهم ما تعرضوا له من إهانة واستفزاز على يد وزير العدل عبد اللطيف وهبي الذي يفترض فيه حماية حقوقهم والدفاع عن مصالحهم، عوض الانزعاج من أسئلة الصحافيين الذين حاصروه أمام مقر وزارته في 2 يناير 2023، حيث انبرى للدفاع عن ابنه الذي ورد اسمه ضمن قائمة “الناجحين” بالقول: “ولدي باه لباس عليه وقراه في الخاريج بالفلوس وعندو جوج إجازات ومن حقو ينجح في امتحان مهنة المحاماة”. وكأنه بذلك يقول بأن أبناء الأغنياء وخاصة الحاصلين على شهادات من الجامعات بالخارج، هم وحدهم من لهم حق النجاح في “المباريات” ودخول سوق الشغل من بابه الواسع، بينما ليس لأبناء الفقراء خريجي الجامعات المغربية من حق عدا “شرب مياه البحر” والانتشار في أرض الله الواسعة.
إن قرار إعادة امتحان نيل شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة الذي ظل وزير العدل يتهرب من اتخاذه بدعوى غياب المسوغ، يؤكد على أن خروقات وتجاوزات حقيقية شابت الامتحان السابق ونتائجه. وأنه جاء لتصحيح الوضع وبث الأمل في نفوس آلاف الشباب المتضررين، ويكشف عن دور مؤسسات الحكامة في الدفاع عن حقوق المواطنين وإنصاف المظلومين ودعم الانتقال الديمقراطي وتعزيز الشفافية وسيادة القانون، وفي مقدمتها مؤسسة وسيط المملكة التي ينص الفصل 162 من الدستور على أن “الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”