عودة الكابرانات للعب بورقة الخونة المغاربة!
اسماعيل الحلوتي
مما لا خلاف أو اختلاف حوله ولا ينبغي له أن يكون بين الأفراد والجماعات في مختلف المجتمعات، هو أن الخيانة بكافة أشكالها تعد من بين أبرز الأفعال القبيحة والمذمومة، لما لها من تداعيات على الفرد والمجتمع ككل. ولا يمكن لمرتكب الخيانة كيفما كان نوعها وطبيعتها، أن يكون إلا شخصا منعدم الضمير، بلا مشاعر إنسانية وقيم أخلاقية نبيلة، حيث أنه لا يتردد في ممارسة ذات الفعل الشنيع بوقاحة عدة مرات، لما تتنازعه من شرور ورغبات هشة في بيع كل شيء من حوله وحتى نفسه ووطنه بأبخس الأثمان.
والخيانة رغم تعذر أمر إعطائها تعريفا محددا من لدن علماء النفس، يمكن الجزم بأنها في مفهومها البسيط هي إحدى صفات المنافقين، الذين جريا وراء المغانم لا يدعون أي فرصة للربح تمر دون اغتنامها. فهي نقض العهد والوعد، وتعتبر من بين التصرفات المرفوضة أخلاقيا لدى جميع الديانات والثقافات. وبشكل عام هي نوع من الغدر أو الطعن في الظهر، كما أنها كل مخالفة تطال اتفاقا ما بين طرفين أو أكثر، سواء كان هذا الاتفاق واضحا ومنصوصا عليه أو ضمنيا، مما يستدعي وجوبا التحلي بروح المواطنة الصادقة والقيم العليا الفاضلة، كالوفاء والصدق والأمانة والمحافظة على الأسرار وحسن رعاية الطرف الآخر أو جميع الأطراف المتعاقدين، الذين يفترض أن تربط بينهم علاقة متينة وعميقة، لا تتأثر بالإغراءات المادية ولا المعنوية.
ويأتي الحديث هنا عن الخيانة في أفظع تجلياتها بمناسبة عودة النظام العسكري الجزائري الفاسد والحاقد إلى اللعب بورقة الخونة المغاربة من خلال قناة “الشروق” التابعة له، والتي أصبح لها باع طويل في فبركة الافتراءات ونشر الإشاعات. إذ أنه وبعد أن لم تعد تجديه نفعا كل تلك المناورات السخيفة والمحاولات اليائسة في حربه القذرة ضد المغرب من أجل تلويث سمعته وتشويه صورته داخل وخارج الجزائر، والتشويش على ما بات يحققه من انتصارات في عدة مستويات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، أبى إلا أن يواصل هجماته الإعلامية الهوجاء، باستضافته ثانية الملازم المغربي السابق المدعو “عبد الإله عيسو” الذي باع ضميره مقابل حفنة من الدولارات القذرة، وفر هاربا صوب “المجهول” منذ أزيد من عشرين سنة، أي بعد سنوات قليلة من اعتلاء الملك محمد السادس عرش والده الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وذلك إثر ضبطه متلبسا بالتخابر ضد مصالح وطنه لفائدة إسبانيا . وذلك عبر إجراء حوار مطول معه حول ظروف انشقاقه عن الجيش المغربي وما إلى ذلك من الترهات، والمزاعم الخبيثة التي لا توجد إلا في مخيلة أعداء الوطن من الأوغاد، بعد أن كان ذات البوق الإعلامي المأجور مهد لذلك من قبل في خبر سابق، يدعي فرار مجموعة من الضباط المغاربة المنشقين عن القوات المسلحة الملكية المغربية.
فطالما انعكست الخيانة بالسلب على المحيطين بالشخص الخائن، الذي يعتبر شخصا غير جدير بالثقة والأمانة، حيث أنه شخص مغرور وأناني يكتفي بحب نفسه والاعتداد بها دون أدنى مراعاة لمشاعر غيره، ويتصرف وفق هواه في إفشاء الأسرار وغيرها من الأمور، مرجحا بذلك مصالحه الذاتية على مصالح الآخرين حتى وإن كانوا من أقرب الناس إليه. وتعتبر خيانة الوطن من بين أفظع الخيانات، لما فيها من دمار للكثيرين داخل الدولة، ولا تقتصر آثارها على فئة محددة وحسب، بل تتعداها إلى ما هو أعم وأشمل، ومنها مثلا التخابر مع أعداء الوطن والإسهام في الإضرار به وبأبنائه، كالتحالف مع خصوم وحدته الترابية والجهات الخارجية التي تتآمر على تدمير شبابه ومصالحه الاقتصادية…
ومن منتهى الغباء في أوساط الكابرانات وأبواقهم الإعلامية الصدئة والمهترئة، أن ذات الوسيلة الإعلامية في صيغتها الورقية سبق لها أن أتت بنفس الشخص عام 2010 وأجرت معه حوارا مطولا، وكأن الأمر يتعلق هنا بمجموعة من الضباط الذين ينشقون تباعا عن الجيش المغربي. ولم يكن من قام حينها بإجراء الحوار معه سوى ضابط المخابرات الجزائري السابق نوار عبد المالك المعروف حاليا باسم “أنور مالك”، الذي اضطرته الظروف الصعبة إلى الهروب للخارج عام 2006 وحصوله على اللجوء السياسي في فرنسا، بعد أن كان قد تعرض للاعتقال وذاق من التعذيب مختلف ألوانه داخل الجزائر، حتى أن قصة سجنه والتنكيل به صارت من أشهر القضايا الحقوقية في الجزائر وخارجها، وهو اليوم من بين أكبر النشطاء الحقوقيين والصحافيين المعارضين للطغمة العسكرية الجزائرية الفاشلة.
إن استضافة قناة “الشروق” لأحد الخونة المغاربة الفارين من بلادهم منذ أكثر من عشرين سنة، ليس لها من معنى سوى أنها تكشف عن حجم الحقد والكراهية المتجذر في أعماق كبير الكابرانات والرئيس الفعلي للجزائر السعيد شنقريحة ومن يدورون في فلكه. ولاسيما أن عديد المراقبين يرون أن اللعب بهذه الورقة لن يفيد في شيء، عدا أنها محاولة للتشويش على المسارين الدبلوماسي والتنموي الناجحين للمغرب، وصرف أنظار المواطنين الجزائريين عن أوضاعهم المتردية. فاللهم اجعل كيدهم في نحورهم!