“حقوق المؤلف” وأرباب المقاهي!
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي ظلت فيه الحكومات المتعاقبة ببلادنا تعتمد في مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية والصحية وغيرها من الأزمات على جيوب المواطنين، من خلال فرض ضرائب “تضامنية” تحت عدة مسميات، بينما ترفض تضريب شركات المحروقات وما عداها من الشركات الكبرى وكبار الفلاحين.
وفي الوقت الذي رفضت فيه كذلك الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، مقترح المعارضة حول تعديل لفرض ضريبة على الثروة على هامش مناقشات مشروع قانون المالية برسم سنة 2022، الذي يهدف في المجمل إلى خلق مداخيل إضافية لخزينة الدولة في اتجاه تمويل بعض المشاريع من قبيل الحماية الاجتماعية ودعم القطاعات الاستراتيجية الحيوية على غرار الصحة والتعليم. وهو ذات المقترح الذي سبق لأحد الأحزاب الوطنية أن تقدم به قبل عامين من الآن.
فوجئ المواطنون عامة وأرباب المقاهي والمطاعم خاصة، بتوجيه المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة إشعارات إنذارية لعدد من أصحاب المقاهي والمطاعم في ربوع المملكة الشريفة، يفرض بواسطتها أداء “رسوم” تحت مسمى “مستحقات حقوق التأليف”، بدعوى استغلالهم المصنفات الأدبية والفنية، المتعلقة ببث أغاني وأفلام ومسرحيات وفولكلور في هذه الفضاءات. حيث أن المهنيين مطالبين بأداء واجبات مالية تتراوح قيمتها ما بين 3000 7000 درهم بمجموعة من مقاهي العاصمة الاقتصادية، على أن تؤدى داخل أجل محدد إما مباشرة في مصرف المغرب أو عبر التحويل البنكي.
وهي “الرسوم” التي أثارت جدلا واسعا واستياء عارما في أوساط العاملين بالقطاع، الذين وصفوا هذه الخطوة بالتعسفية والقانون العشوائي، وأبدوا رفضهم القاطع لأدائها بدعوى أنهم ليسوا معنيين بها، لاسيما أنهم مثلهم مثل جميع المغاربة يؤدون مكس التلفزيون في فواتير الكهرباء، بالإضافة إلى أنهم يعانون من تراكم الجبايات منذ تفشي فيروس كورونا المستجد، وهي “الضريبة” التي يمكن أن تمتد شرارتها إلى الزبناء عبر الرفع من أسعار المشروبات والأكلات.
فيما اعتبرت المديرة بالنيابة للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة دلال محمدي العلوي، بأن قرار تغريم المقاهي والمطاعم ليس “ضريبة” كما يصفها أرباب المقاهي ولا هو بالقرار العشوائي، وأن القانون 19.25 المعتمد من لدن المكتب يخول له كافة الصلاحية لاستخلاص مستحقات حق المؤلف، مشيرة إلى أنه يمنح الحق للمكتب في ذلك ويرمي إلى حماية المصنفات الأدبية والفنية، ومؤكدة أيضا على أن المكتب دأب منذ سنوات على استخلاص هذه الحقوق من المقاهي والفنادق والمطاعم والملاهي الليلية وقاعات الحفلات وقاعات السينما، وأن تلك المبالغ المستخلصة تصرف فيما بعد كحقوق للمؤلفين المنخرطين في المكتب.
لكن أرباب المقاهي باتوا يشعرون باستهدافهم أكثر من غيرهم، إذ فضلا عن حالة التذمر التي خلفتها حملات أعوان السلطة الميدانية في العديد من المناسبات بمختلف المدن المغربية، والتي أوضحت الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم عبر أحد بلاغاتها بأن “تنظيم الملك العمومي كان دائما ولا زال من مطالبها الوطنية، وقدم فيه المكتب الوطني مقترحات ناجعة لضمان انسيابية المرور، والحق في الاستغلال الاقتصادي وتوفير موارد مالية مهمة للجماعات الترابية”. كما دعت الجمعية الحكومة إلى إقرار قانون منظم للقطاع وآخر منظم للملك العمومي، بما يتوافق مع التوجيهات الملكية السامية حول تشجيع الاستثمار، والحفاظ على مناصب الشغل، رافضة بشدة تلك الحملات العشوائية التي تنعكس بالسلب على قطاع أنهكته آثار القرارات الحكومية منذ تفشي جائحة “كوفيد -19”.
وهكذا تتواصل عملية الشد والجذب بين الطرفين، حيث يتمسك المكتب المغربي لحقوق المؤلف بأولوية أداء المستحقات المالية الخاصة برواد الثقافة والغناء في المغرب، يصر أرباب قطاع المقاهي بدورهم على تشبثهم بموقفهم الرافض لأداء تلك “الغرامات”، بمبرر أن ليس هناك أي علاقة تبعية تربطهم مباشرة بهذا المكتب. إذ قال رئيس الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم نور الدين الحراق بأن المقاهي سبق لها أن توصلت بتلك الإشعارات منذ سنوات، مما اضطرها إلى الدخول في معارك ميدانية، انتهت في الأخير إلى دخول المحاكم على الخط ورفضها، حيث قضت الأحكام القضائية بإنصاف المهنيين وخسر المكتب المغربي لحقوق المؤلف تلك القضايا.
وليس هذا وحسب بل أضاف المتحدث نفسه بأن فرض رسوم إضافية يعد تعسفا صارخا في حق أرباب المقاهي، لأن هذه الفضاءات تحولت بقدرة قادر إلى وسيلة لتغطية العجز المالي الحاصل في مؤسسات الدولة، سواء تعلق الأمر بالجماعات الترابية أو الصناديق المالية أو مكتب التأليف. علما أن المقاهي تؤدي اشتراكات مالية سنوية فيما يرتبط بنقل مباريات كرة القدم، وتشغل التلفزيون لغاية مشاهدة النشرات الإخبارية التي ليست معنية بحقوق التأليف، فضلا عن برامج الراديو التي تتضمن مجموعة من المصنفات الغنائية…
إننا ولشدة إيماننا بأن المغاربة سواسية أمام القانون، نرفض بقوة اعتماد الحكومة وغيرها من المؤسسات والمكاتب الوطنية اعتماد الانتقائية في فرض بعض النصوص القانونية والقرارات الإدارية التي من شأنها الإضرار بفئة معينة دون غيرها، تفاديا لكل ما عساه أن يثير البلبلة والرفع من منسوب الاحتقان الشعبي. فهل هناك من إمكانية لتقريب وجهات النظر بين المكتب المغربي لحقوق المؤلف وأرباب المقاهي والمطاعم، ونزع فتيل هذه المعركة التي نحن في غنى عنها؟