مِنْ بدر المقري إلى بدر بنمنصور في عَلْيائِهِ
صديقي العزيز بدر بنمنصور،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
خِطابي هذا إليكَ وأنتَ في البَرْزَخِ، صَبَّ الله على قَبْرِكَ شَآبيبَ الرضوانِ والمغفرة.
أَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَني نَبَأُ وَفاتِكَ يوم الثلاثاء 13 يونيو 2023، تَذَكَّرْتُ قَوْلَ أَحَدِ مَفاخِرِنا الْأَعْلام دَفيني مدينة فاس، التي نَزَلْتَها طالِباً في قَلْعَةِ كلية الآداب والعلوم الإنسانية العتيدة بِلِسانِ مُناضِلي الاتحاد الوطني لِطلبة المغرب (ظْهَرْ المَهْرازْ):
دَعاكَ بِأَقْصى المَغْرِبَيْنِ غَريبُ ☆☆☆ وأنتَ على بُعْدِ المَزارِ قَريبُ
فَلا قَوْل إِلَّا أَنَّةٌ و تَوَجُّعٌ ☆☆☆ ولا حَوْلٌ إِلَّا زَفْرَةٌ وَ نَحيبُ
تَنَفَّسْتُ في وَداعِكَ بِزَفَراتِ الفِراقِ، و أَراقَتْ ذِكْرَياتُنا الأُسَرِيَّةُ و أيام الدراسة في ثانوية عبد المومن و أحلامُنا في سنوات الجمر والرصاص، مِنَ الدَّمْعِ لِلْبَيْنِ ما أَراقَتْ:
أَإِخْوانَنا بِاللهِ فيها تَذَكَّروا ☆☆☆ مَعاهِدَ جارٍ أَوْ مَوَدَّةَ صاحِبِ
صديقي العزيز،
تُرى حياتُنا شابَتْ نَواصيها بِتَقَلُّباتِ الْأَيام، كما شِبْنا مَعاً !
فكلما التقينا عن سابِقِ موعدٍ أو صدفةً أو تواصلنا بالهاتف، إلا كان الواحد منا أَحْرَصَ على وُدٍّ لَهُ بَهْجَةٌ باقيةٌ، إذا ذهبَ الزمانُ بأشياءَ كثيرةٍ تَنَكَّرَ لها كثيرٌ منا الناس !
فَبِماذا نُكافِئُ غُرْبَةً كَسَتْنا في مدينة وجدة التي لم تَعُدْ تعرفنا، أو لم نَعُدْ نعرفها !
كنا نكتفي معاً بِذِكْرِ مَحاسِن من الماضي، أصبح لنا لَفْظها وَ طَوى الزمانُ معانيها !
نتذكر أيام المراهقة و طَيْشَها، وصَوْلاتِ حميد العزاوي شفاه الله و حيمِّي المقري رحمه الله ومحمد مغفور رحمه الله وبوزيان رحمه الله ورمضان رحمه الله وبوجمعة وعزيز عبيد ومغدر والفيلالي ومحمد مرزاق وحديدي والسميري والطاهري وبلحيوان والطاهر وقاسو رحمه الله وفرماس رحمه الله وجبارة رحمه الله وسعيد، في أيام المولودية الوجدية الزَّاهِرات !
نتذكر أيام (المهدي بن بركة) و(عمر بنجلون) و(المحرر) !
ونتذكر أيام (فلسطين)، و أصداء ما كنا نحفظه عن ظهرقلب من أشعار محمود درويش:
(إِنَّني مَنْدوبُ جُرْحٍ لا يُساوِم !
عَلَّمَتْني ضَرْبةُ الجَلّادِ
أنْ أمْشي على جُرحي
وأمشي، ثمُّ أمشي، وأقاوم) !
و نتذكر أيام (ناس الغيوان) و(ما هَمُّوني غيرْ الرجالْ إيلا ضاعوا)…و(جيل جيلالة) و(آشْ بيكْ دارَتْ لَقْدارْ)… و(لمشاهب) و(خْليلي) !
و نتذكر أيام (محمود بنونة) و(عمر دهكون) و(الكوربيس) و(درب مولاي الشريف) !
و نتذكر أيام (سعيدة المنبهي) و(عبد اللطيف زروال) و(جبيهة رحال) و(عبد اللطيف اللعبي) و(دروس الفلسفة) لأصحابه الجابري والسطاتي والعمري !
و نتذكر أيام (سينما باريس) و(سينما كوليزي) و(سينما فوكس) و(سينما الفتح) و(سينما المعراج) و(سينما النصر)..و نتذكر أيام (النادي السينمائي في قاعة النهضة) !
و نتذكر أيام (مكتبة المراكشي الشعبية) ومجلات(أقلام) و(آفاق) و(الثقافة الجديدة) و(المقدمة) و(جسور) و(البديل) و(جسور) و(لاماليف) و(شؤون فلسطينية) و(الكرمل) و(الموسوعة الصغيرة)..ولا ننسى (المزمار) !
لقد باتَ رَوْضُ أيامنا يا صديقي يُسقى بِماءِ النسيان، أو بِخُطوبِ التناسي !
أخي الكريم بدر بنمنصور،
رُبَّ نِيَّةٍ أَنْفَعُ مِنْ عَمَلٍ !
لقد كان آخر ما أرسلتهُ إليكَ قُبيل وفاتِكَ، ما يأتي:
’’ السلام عليكم صديقي العزيز…
صدر لي كتابٌ جديدٌ أريدُ أن أُهْدِيَكَ نسخةً منه. فهل تَأْذَنُ لي بِزِيارَتِكَ ؟
بارك الله فيك أخي الكريم.
شكرا. ’’
اشْتَدَّ بِكَ المَرَضُ، وَ كان لي من الحرص الشديد على عدم إزعاجكَ وأَهْلَكَ، ما حال دون إهدائكَ كتابي..!
يرحمك الله أخي العزيز بدر بنمنصور، ويجعلنا في عياذٍ مِنْهُ منيع، حتى يُبلغنا آجالَنا مَسْتورين محفوظين مُبَشَّرينَ بِرِضْوانِه يوم لِقائه..!
أخوكَ بدر المقري \ وجدة، يوم 21 يونيو 2023.