ما حقيقة توزيع دم ملوث بالدار البيضاء؟!
اسماعيل الحلوتي
ما من أحد منا اليوم يجهل ما لمواقع التواصل الاجتماعي من تأثير مباشر على الحياة اليومية للأفراد والمجتمع ككل. غير أن استخداماتها تختلف بين الأشخاص، إذ بينما هناك من يحبذ استخدامها فقط في التواصل مع الأصدقاء، هناك من يستعملها في الترفيه عن النفس وحتى التسوق وغيره كثير ومتنوع. لكن الأخطر من ذلك كله هي تلك الاستخدامات التي تنشر أخبارا زائفة ومحتويات رقمية مغرضة تهدف إلى إثارة القلاقل والفتن وتصفية الحسابات مع بعض الشخصيات السياسية أو الفنية أو الرياضية.
وفي هذا الصدد ارتأيت التطرق إلى ذلك الموضوع الذي أحدث ضجة عارمة خلال الأيام الأخيرة في أوساط المواطنات والمواطنين وأثار الكثير من المخاوف وردود الأفعال الغاضبة والمتباينة بين مصدق ومكذب. ويتعلق الأمر بمقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع بين رواد الفضاء الأزرق، يعود فيه دور البطولة للحقوقي عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي كشف عما أسماها “فضيحة” بوزارة الصحة في لقاء صحافي مع أحد المواقع الإلكترونية، يدعي من خلال ما توصل به من تقرير يفيد أن مواطنا مغربيا مصابا بداء فقدان المناعة المكتسبة “السيدا” تقدم إلى مركز تحاقن الدم بالدار البيضاء للتبرع بمقدار من الدم، وبعدها عمل المركز على تمكين مواطنتين من كيسين منه، واحدة في مستشفى 20 غشت والثانية بإحدى المصحات الخاصة، مما أثار موجة من التوجس والهلع.
وأضاف قائلا بأن وزير الصحة تستر على الفضيحة، متهما إياه بالتورط في هذه الفضيحة، جراء عدم فتح تحقيق عاجل وتحديد الجهة المسؤولة عن هذا الخطأ الطبي الجسيم، الذي عرض مواطنين أبرياء للإصابة بأمراض خطيرة، وخلص في الختام إلى القول بأن الوزير أمر بطي الملف وتجنب الحديث عنه مستقبلا، مما دفع بالجمعية التي تتوفر على نسخ من التقرير معززا بوثائق دامغة إلى إشعار النيابة العامة، ومطالبتها باتخاذ إجراءات كفيلة بالكشف عن الحقيقة كاملة، دون أن تتوصل بأي رد من طرفها، خاصة أن أحد المستفيدين من الدم الملوث كان يتواجد في إحدى المصحات الخاصة التي لم تقم بتحليل العينة من الدم الملوث.
وحسنا فعلت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي لم تتأخر في الرد على الحقوقي عزيز غالي، في شخص هشام رحيل مدير ديوان الوزير، الذي استغل حلوله ضيفا على برنامج “ديكريبتاج” بالمحطة الإذاعية “إم.إف.إم” صباح يوم الأحد 16 يوليوز 2023، لأنه من غير المقبول في رأينا المتواضع أن يتم السكوت عن ترويج مثل تلك المزاعم التي من شأنها إثارة المخاوف في صفوف المواطنين، إشعال الفتنة وضرب مصداقية مراكز تحاقن الدم في مقتل. حيث أنه انتقد بشدة ما ورد على لسانه بخصوص توزيع دم ملوث على بعض المرضى، مؤكدا أنها مجرد ادعاءات واهية ولا أساس لها من الصحة.
فقد بدا مدير ديوان وزير الصحة والحماية الاجتماعية مقنعا إلى حد ما فيما كشف عنه من معطيات، لا يمكن إلا أن نشاطره الرأي فيها، بدءا بتاريخ الواقعة الذي تحدث عنه رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (يونيو 2019)، المتعارض مع الفترة التي أصبح فيها “البروفيسور” خالد آيت الطالب على رأس الوزارة، كما يتضح من خلال ظهير التعيين الذي تم بموجبه تعيينه في شهر أكتوبر 2019 من قبل الملك محمد السادس، مما يطرح استفهامات كثيرة حول مدى صحة اطلاع الوزير على موضوع تقرير خطير، في وقت لم يعين فيه بعد؟ ثم تساءل عن السبب الكامن خلف عدم الكشف عن طبيعة الجهة التي أنجزت التقرير؟ ومن تكون؟ أهي من المغرب أم من خارجه؟ ثم لماذا تم السكوت عن هذه “الفضيحة” أزيد من ثلاث سنوات؟ وغير ذلك من التساؤلات الحارقة.
ولم يقف مدير ديوان وزير الصحة عند هذا الحد من التوضيحات التي أراد من خلالها تنوير الرأي العام، حيث زاد مشددا على أنه لا يمكن لأي مسؤول من قيمة وزير الصحة الوقوع في هكذا خطأ جسيم، ولاسيما أن الآلة التي تصنع الدم ليست بشرا، وأنها عندما ترصد إصابة الدم بأي مرض تقوم تلقائيا بإتلافه. وأن ما يروج له الحقوقي والصيدلاني “المحنك” عزيز غالي، لا يعمل سوى على خلق البلبلة وتخويف المواطنين مغاربة وأجانب، فضلا عن اتهام مديرة المركز بالتقصير والتشكيك في كفاءتها، وهو ما يحتم عليه التعجيل بالكشف عن الجهة التي تقف خلف إنجاز التقرير، ومن أمده بتلك المعلومات، وكيف لم يتم الاتجاه مباشرة للنيابة العامة منذ 2019، مما يعتبر جريمة خاصة أن الأمر يتعلق بداء السيدا وليس بالزكام؟ ثم لماذا اختيار مثل هذه المرحلة التي يقوم فيها ملك البلاد بثورة في مجال الصحة، للخروج إلى الإعلام؟
إننا نرفض الترويج لمثل هذه الأخبار التي من شأنها زرع الفتنة وفقدان الثقة في عديد المؤسسات، إذ أنه رغم أن مدير ديوان وزير الصحة سارع إلى طمأنة المواطنين، بأن عمليتي التبرع بالدم أو استلام أكياس منه، هما عمليتان آمنتان وسليمتان، لأن الآلة التي تصنع الدم تقوم آليا بتدمير الفاسد منه، فإن الوزارة الوصية ملزمة برفع دعوى قضائية في الموضوع، وعلى النيابة العامة تحريك المساطر القانونية من أجل إظهار الحقيقة كاملة، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه ترويج الأخبار الزائفة.