محنة ميمون
محمد شحلال
بعد زيارة خاطفة أول أمس،لحقينة سد،،لغراس،،وفي طريقي عبر منعرجات منطقة،،المعدن،،في ظل حرارة شديدة،صادفت شابا يمشي حافي القدمين،وليس له من واق الا شعر أشقر، نما حتى غدا أقرب الى لبدة أسد هرم.
كان ظهره مكشوفا بعدما تمزقت الأسمال التي يستر بها عورته،بينما لا يحرك قدميه الا بصعوبة بالغة حيث تشققت قدماه وخارت قواه من جراء الجوع والعطش.
لا يعير،،ميمون،،اهتماما للمارة،ولا يرد على استفساراتهم،بل يمضي قدما يستنزف اخر قواه دون أن يعرف أحد وجهته.
أوضح لي مرافقي بأن هذا الشاب الذي شاخ قسرا وقبل الأوان ،انما قاده حس أمومة مجهضة تقيم غير بعيد عن الطريق ، ليبحث عن تلك المرأة التي تبنته ذات يوم باتفاق مع زوجها ليكسر عقدة العقم لديهما ،ويعيش في كنف أبوين وفرا له ما تهرب منه أبواه البيولوجيان.
كان المرحوم،،فراجي،،أحد أبرز وجوه قبيلتنا سريرة ومعاملة،وقد رزقه الله سبل العيش الكريم،لكنه حرم الذرية بسبب العقم الذي امتحن به رب العزة كثيرا من خلقه لحكمة لا يعلمها الا هو.
لم يخل بيت ،،فراجي،، الا من شغب الأطفال فاختار الحل السهل،حين توجه بمعية زوجته ذات يوم نحو مستشفى وجدة،ليختارا وليدا أشقر ووفرا له كل سبل الحياة الكريمة،حتى صار مضرب مثل بين الأهالي في الأناقة والوسامة.
دخل ،،ميمون،،المدرسة وبلغ المرحلة الاعدادية، قبل أن يختار شعبة التكوين المهني،حيث انتزع شهادة التأهيل،وراح ينتظر فرصة الاندماج في الحياة العملية.
لم يكن ،،ميمون،،يعلم أن الحياة التي حرمته دفء والديه البيولوجيين،قد أبت الا أن تطعنه مرة أخرى حينما قضى أبوه بالتبني في حادث مأساوي لتتشرد الأسرة في رمشة عين،فيضطر،،ميمون،،لمواجهة المجهول وقسوة قصته التي لن يعرف بعضا من خيوطها الا بعد هذه الصدمة المأساوية.
غادر،،ميمون،،بيت والديه بالتبني بعدما غاب عنه،،فراجي،،فجأة ثم الأم التي لم يعد لها ما يربطها بالمكان بسبب انقطاع سبل الرزق وثقل التقاليد والأعراف في مثل هذه الحالة.
توجه،،ميمون،،نحو مدينة تاوريرت،وهناك بدأت رحلة الشقاء،حيث صار شخصا غير مرحب به،ولا أحد أبدى رغبة في احتضانه،فكان عليه أن ينضم الى جحافل الليليين من أمثاله،لينتقل من فتى يسحر الناس بزرقة عينيه ،الى مخلوق متسخ تشمئز النفوس من رؤيته،ولم يعد من فرق بينه وبين،،الهداوي،،بعدما سارعت الأيام الى ادراجه ضمن المشردين الذين لا يلتفت أحد لأوضاعهم.
فقد ،،ميمون،،كل رغبة في الاختلاط بالناس،وسلم نفسه لتعاقب الليل النهار، ليفعل في جسمه الغض فعلته ليتحول مع توالي الأيام الى شخص ذي ،،لوك،،مخيف ينفر منه معارفه ويتنكرون له.
لعل،، ميمون،،قد أدرك بعد هذا الانقلاب المأساوي الذي عرفته حياته،حقيقة قدومه الى هذه الدنيا مكرها،كما نبه الى ذلك صاحب الرباعيات الخالدة حين قال :
لبست ثوب العيش لم استشر وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت وأين المفر؟
ربما علم،،ميمون،،بأنه نتاج نزوة عابرة، جمعت بين شخصين من أجل انتشاء قذر أخرج الى الوجود مخلوقا منذورا للعذاب الأبدي.
قد يتذكر الأبوان المجرمان فعلتهما فيصرفها كل منهما بطريقته،لكن وخز الضمير لا بد أن ينكأ فيهما جرحا لن يندمل ذات يوم،خاصة اذا كتب لأحدهما أن يعرف بأنهما أنجبا ابنا جميلا لكنهما حكما عليه بالعذاب الأزلي.
لك الله يا ،،ميمون،،فهل يتحول منظرك المقرف الى صعقة تردع الذكور والاناث الذين يستسلمون للحظات الضعف فينجبون مواطنين لا يملكون من المشاعر الا الكراهية والرغبة في الانتقام ؟
كم يلزمنا من أمثال المرحومة،،عائشة الشنا،،لتسوية مثل هذه الحالات الانسانية التي يعج بها الوطن،والتي لن يوقفها الا الوعي الحقيقي مقرونا بالردع والزجر اللازمين !