هل يستجيب ماكرون لمطلب برلمانيي بلاده؟!
اسماعيل الحلوتي
لا نعتقد البتة أن هناك رسالة سياسية لقائد عربي أفصح وأوضح من تلك التي وجهها ملك المغرب محمد السادس مساء يوم السبت 20 غشت 2022 لبعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، مؤكدا فيها على أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات” ثم أضاف قائلا: “ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”
وباستعراضه في ذات الخطاب التاريخي القوي موقف عدد من الدول التي تساند الموقف المغربي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بما فيها الدول العربية والإفريقية، وتركيزه على دول غربية بعينها من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، اللتين قال عنهما: “قد شكل الموقف الثابت للولايات المتحدة الأمريكية حافزا حقيقيا، لا يتغير بتغير الإدارات ولا يتأثر بالظرفيات. كما نثمن الموقف الواضح والمسؤول لجارتنا إسبانيا، التي تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته. لقد أسس هذا الموقف الإيجابي لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية ولا بالتطورات السياسية الداخلية.
يكون ملك المغرب وفق ما ذهب إليه عديد الخبراء والمحللين السياسيين، قد لمح في خطابه لفرنسا دون الإشارة إليها بشكل مباشر، مطالبا إياها بلغة دبلوماسية راقية بالكف عن اللعب على الحبلين وتوضيح موقفها، باعتبارها واحدة من أبرز الشركاء التقليديين، ولاسيما أنها وقفت إلى جانب المغرب في الدفاع عن موقفه من الصحراء طيلة عقود من الزمن، غير أنها لم تلبث في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون أن بدأت تميل ناحية النظام العسكري الجزائري، حيث أنها لم ترحب بموقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما اعترفت إدارته في دجنبر 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، فضلا عن أنها حالت دون تبني الاتحاد الأوروبي موقفا مكملا للمبادرة الأمريكية خلال سنة 2021.
كما أن إسرائيل هي الأخرى تعد من بين الدول المعنية، باعتبارها شريكا جديدا، وأن مسلسل التطبيع معها قام على أساس اعترافها بمغربية الصحراء. بيد أنها وبعد تلكؤ دام أزيد من سنتين ورغم ما أثير من شكوك حول موقفها الملتبس من ملف الصحراء، فإنه وفي تطور ملحوظ في العلاقات الثنائية منذ توقيع الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر 2020، تلقى العاهل المغربي يوم الإثنين 17 يوليوز 2023 وفق بلاغ صادر عن الديوان الملكي رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يبلغ فيها جلالته بقرار بلاده “الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء، وأن هذا الموقف سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة” كما شدد على أنه سيجري “إبلاغ الأمم المتحدة بهذا القرار ومعها المنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذلك كل البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية” وأن بلاده تدرس بشكل إيجابي فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وذلك في إطار تكريس القرار.
وبناء على ما آلت إليه العلاقات المغربية الفرنسية من تشنج وتراجع، وما أصبحت تعيش على إيقاعه من تدهور مستمر منذ أكثر من سنة ونصف، حيث أن الأزمة بين البلدين بدأت صامتة، ثم سرعان ما تفاقمت وتحولت إلى حملات صحافية شعواء، تقودها عدة منابر إعلامية من الجانبين المغربي والفرنسي، حيث يتهم المغاربة الفرنسيين بالوقوف وراء القرارات المناهضة للمغرب في البرلمان الأوروبي، الذي لم يفتأ يوجه له اتهامات باطلة. فيما يتهم الإعلام الفرنسي المغرب بممارسة سياسة الابتزاز للضغط على باريس في مواضيع حساسة مثل موضوع الهجرة وتصدير القنب الهندي وما إلى ذلك من شد وجذب…
وبناء كذلك على ما بات يعرفه نفوذ فرنسا من نكوص في عديد الدول الإفريقية وخاصة في كل من مالي والنيجر التي تشهد انقلابا عسكريا على الرئيس الشرعي محمد بازوم، وتراجع العلاقات الدبلوماسية الفرنسية مع عدد من البلدان في القارة الإفريقية وخاصة المغرب، فإن نحو 94 برلمانيا فرنسيا اضطروا حسب ما أوردته الصحيفة الفرنسية “لوفيغارو” إلى مراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، يطالبونه من خلالها بضرورة الخروج من المنطقة الرمادية واتخاذ موقف صريح تجاه قضية الصحراء، التي يعتبرها المغرب والمغاربة قضيتهم الوطنية الأولى. ثم إنه في مقابلة معه بذات الصحيفة، دعا الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الرئيس “ماكرون” إلى تجنب “بناء صداقة مصطنعة” مع القادة الجزائريين، محذرا إياه مما يمكن أن يترتب عن ذلك من تعميق الهوة بين باريس والرباط.
ترى هل يظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجرأة السياسية والوضوح الدبلوماسي ويستجيب لمطلب برلمانيي بلاده، من خلال الإعلان عن الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء، التي حققت إجماعا دوليا بناء على الحقيقة التاريخية والشرعية الدولية، لاسيما بعد اعتراف كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإسبانيا وسويسرا وهولندا والنمسا والبرتغال وإسرائيل وغيرها بسيادة المغرب على صحرائه، وبلوغ عدد القنصليات والتمثيليات الأجنبية في مدينتي العيون والداخلة 28 قنصلية، أم أنه سيختار الانحياز إلى الجانب الجزائري؟ وحدها الأيام القادمة ستكشف الحقيقة.