المريض صفر
بقلم يوسف بولجراف
وبعد أن إقترب من إنهاء روايته ، عاد يراجعها ليتفاجأ بشيء غيرعادي أصاب الشخوص ، شيء غريب كالوباء قد أصاب قلب روايته ليس في شكله الخيالي و الإبداعي لكن في شكله الجمالي ، إنها تلك الألفاظ الساقطة التي تغطي على بعض الحوارات وأحيانا تصبح هي اللغة السائدة ! لا يعقل حتى المهندس والأستاذة الجامعية في حوارهما أثناء ذلك العشاء الرومانسي ، والبطلة يا إلهي ماذا أصابها ! أيعقل أن يكون ذلك الصعلوك في الرواية هو السبب ! فجل ألفاظه تعبر على قلة الحياء رغم قلبه الجميل ! لا ، لا أعتقد، و يعود الكاتب للتفكير مجددا إنه مشكل خطير يعصف بكل بنية الرواية ! لكن ما الضير في ذلك؟ كل الروائيين الكبار يستعملون بعضا من تلك الألفاظ ليحطوا القارئ أمام الأمر الواقع زعما أنهم يقربونه من الشخوص وينقلون الحيثيات والأحداث كما هي على طبيعتها ! نعم هو كذلك في الواقع وليس في رواية أدبية التي من المفترض أن تكون تعبيرا فنيا يحاكي الواقع بقبحه وجماله،وخالية تماما من الألفاظ السوقية, فالمعنى واضح لا يحتاج اثقاله بلغة جارحة تصدم القارئ وتثير اشمئزازه، نعم ولو أنها من الواقع حين يتلفظ المهندس الواعي بها و بشكل عادي و تلقائي وليس فقط عند حالة شعور بغضب أو أي شعور كان يلزم خروج ذلك التعبير الناقص ، لكن اللوم لايقع على الشخصية الموضفة في الرواية وإنما هو خطأ أخلاقي في أدب الروائي، فحين يصر على نقل الحوار في صيغته الأصلية كمادة خام ! أين سيتجلى الإبداع وفن الرواية إذن ؟، سوف يقول قائل إن غيرالأسلوب ووضعه في قالب جمالي سوف ينقل الموقف نعم لكن مجردا من الصورة الحقيقية للشخوص، الصعلوك مثلا في الرواية يجب أن يتلفظ بكلام ساقط على طول فهو لا يعرف غيره ! أقول لا, ليس ضروريا فالقيمة الجمالية كما قلت لكل رواية هي خلوها التام من تلك الألفاظ حتى وإن كانت ضرورية !
الكاتب الان في حيرة من أمره ، هل يلغي الرواية أم يصنع شخوصا جديدة بأخلاق عالية وراقية في كل أحاديثها ، ولكن ماذا عن تلك الرواية ذات الصيت الكبير رغم مافيها وفيها من تعبيرات يندى لها الجبين ، ألا تريد أن تكون كاتبا مشهورا ؟، لا أحد يكره الشهرة لكن أرفض أن أكون مشهورا على حساب جمالية النص، الإبداع الجمالي أولا !.
توقف الكاتب لحظة ثم فكر في أن يجتمع بكل الشخوص إجتماعا طارئا ، يجب أن يعرف كيف إنتقلت تلك العدوى وانتشرت في روايته كالنار في الهشيم! لكن قبل ذلك قرر أن يستدعي الصعلوك أولا، ربما هو فقط وحده سبب هذه المشكلة ! سيكون حينها الحل سهلا، إما إقناعه بتغيير طريقة كلامه أو إعادة تأهيله و في الحالة القصوى إعدامه ! ذهب الكاتب حيث يركن الصعلوك دوما، صوب مقهى “الشبعان” ! كان الصعلوك جالسا في أقصى مكان يتابع بعينيه المارة وأحيانا شاردا ! ناداه الكاتب،
ماذا تريد يا …؟ صبحنا على الله ، ثم بصق في الأرض ، لم تأتي بعد تلك ال***. لأكلمها عن ال*** الذي طلبت مني فعله !
تقدم الكاتب نحوه حاصرا إياه بنظره ، بينما استمر الصعلوك بكلامه وألفاظه يتمتم و يحرك يديه يمنة و يسرة، دفع إحدى الكراسي برجله ، شتم أحد المارة ثم التفت نحو الكاتب.. تريدني؟ أنت من يأتيني و ليس أنا !
حسنا فكر الكاتب، هذه بداية جد موفقة الآن أصبح له تفكير ومتمرد حتى على من صنعه !
ما زلت لم أشرب سيجارة هذا الصباح يا ***؟
أنبهك ماهكذا يجب أن تخاطبني ! أهكذا تتعامل مع من أوجدك !؟ليس لدي سيجارة ،أعطيك ثمنها ؟
أنت تعرف أنني لم أتعلم كما شخصياتك الأخرى الموقرة ولا أعرف غير هذه اللغة !
لا لا المشكلة لم تكن أبدا في التعلم ! قل لي لم المهندس أيضا يتلفظ بنفس كلامك !
و ما أدراني يا **؟ إسأل ا *** .. أووف للصبر حدود وأنا الآن بدء ال ** يصعد إلى دماغي !
ليس هكذا, قل الدماء تغلي في دماغي !
لا يا نبيه الدماء موجودة أصلا في الدماغ !
أتعتقد أني السبب فيما أصاب شخوصك! أنت تعرف أني على علاقة فقط بتلك ال*** بطلة قصتك و لا أراها إلا حين تطلب أنت مني رؤيتها! ثم إعلم أني ولو كنت تراني هكذا فانا أحترمها ولا اتحدت أمامها إلا بلغة الكرام، صحيح صعلوك ومتشرد لكني لست نذلا وأحترم..****
ثم أنت حقار ولست ديمقراطيا أبدا..أنت، أنت ديمو ****، لماذا لم تذهب إلى المهندس أو أي شخص من شخوصك أولا ! أم لأنه م ***ده علي وأنا الضعيف في شخصياتك ! وأي خلل في الرواية أنا السبب فيه! هكذا هم دائما الضعفاء ضحايا الكبارالجبرة المتسلطين! لا تنس أني ألعب فقط الدورال ** الذي أعطيتني والله مازدت عليه حرفا ،حتى أن بطلتك راودتني عن نفسي وامتنعت!
حقا؟ سبحان الله ،أنت تمتنع يا المسخوط؟، تحرك أمامي واصمت ! قال راودته عن نفسه قال, تعلمت التكلم أخيرا !
أوكي،أوكي أضحي معك برجولة فأنت أبي ؟ اتركني فقط ألف سيجارة حشيش وأخرج معك !
ماذا قلت حشيش ؟ من أين لك به ؟ ومن هو بائع الحشيش ؟
لا أذكر أني أضفت بائع حشيش في روايتي ! دلني عليه الان،
طيب دقيقة أضبَط دماغي الأول !
قلت لك الان ! الوقت يزاحمنا والمسألة أكبر من الإنتظار،عليك أن تساعدني في إكتشاف المريض صفر،هناك خائن بينكم !!….
حسنا هل قررت أن تتحرك أم أقرر تحريكك ! تعرف حين أغضب لا أرفع مستوى الصوت ولا أتلفظ بمصطلحاتك أنا الأديب الفنان صانعك و كما قررت صنعك أنهيك بنفس الطريقة..
ترتبك الشخصية وتتمتم كلاما غير مفهوم ! أنا لا أخاف أحدا، حتى ** ما يخلعني وصباح هذا ، ماذا فعلت يا إلهي! المعطييي.. أنا راجع, القهوة فيما بعد !
هيا تحرك ! و يكفي بلبلة !
أتعلم سيدي قبل أن تدخل هنا، بائع الحشيش سيكون
حتما قد رآك فهو لا يخفى عنه شيء !
المهم لنذهب إليه على أساس أن أشتري قطعة منه !
لكنه يعرف أني إشتريت البارحة منه ! المهم سنذهب إليه ! هو هنا و هناك و في أي مكان لا تعتقده يكون ! بعيدا عن الأعين لكنه يراقب كل شيء !
إنه هناك صاحب البيرية الحمراء، !
زبوني المفضل كيف كانت السلعة أمس!
هذا صديقي المبدع ،
نعم أهلا!
– أنا أكثر من صديقه قل لي كيف تعرف عليك و أنا لا أعلم بوجودك ! فأنا من أوجدته !
يضحك البزناس ، نعم صدقتك ! أعتقد أنك لا تحتاج مخدرات أنت شارب ما هو أرفع ههه أنت من أوجدته و أنا من أوجدت هذا العالم و الكون برمته ههههه لكني مع ذلك تراني هنا أبيع الحشيش طرف خبز فقط الآن لم أعد أتذكر شيئا بعد أن خلقت السماوات والأرض داخل عقلك الصغير !
بدء يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود للكاتب وأن الأمر ليس مؤامرة كما اعتقد أو تمرد شخوصه عليه و رفضهم إكمال الرواية بطريقته، أصبح الآن أكثر حيرة من خلال هذه المقدمة الصغيرة مع بائع الحشيش ! إنه الآن أمام مشكلة أكبر من مشكلة المصطلحات التي هو بصدد البحت فيها، نعم إنها حلقة مفقودة في عقله ومعرفتها ستغير كل بناء تفكيره حتى خارج الرواية، الموضوع هو أكثر خطورة ، هو وجود شخصية خفية في كل النصوص ! و هي التي تؤثر بشكل أو بآخر، هل هي مؤامرة في عقله !.
لم أفهمك نحن جئنا لنتعرف عليك !.
ليس لدي وقت الآن أنا أشتغل ! أتدري ليس الصعلوك فقط هو من بين زبائني كل شخوصك يأتون عندي ، ومنهم من تربطني بهم علاقة حميمة، حميمية جدا جدا ! و صعلوكك هذا لا يقتني مني إلا الفتات أو عينات صغيرة ! أنا أتعامل أكثر مع بورجوازييك المتعفنين ! و هم المائعون أكثر أتدري هذا !؟ هم الأكثر تلفظا بالكلام الساقط من صعلوكك الظريف !
ماذا قلت البورجوازي المتعفن إنه مصطلحي الخاص أنا الذي صنعته كيف عرفت به! قلت لك أنا متواجد دوما في عقلك ! سمني خيالا ،سمني إلهاما !
لا لا أنت لست إلهاما ! لا يمكن مستحيل !
إذن سمني مخابرات، على فكرة أنا لا أشتغل هذه المهنة إلا من باب العلاقات العامة ! و محاربة الملل فعقلك الصغير رغم شساعة خيالك ضيق جدا و أقنط فيه ، إضررت أخلق مساحة لنفسي فيه و أخلق جو و أضبط الأمور قل عني أيضا ضابط مخابرات ممتاز في عقلك ! سمني أيضا العين التي لا تنام ! أنا كل أشكال الفنون !
حسنا يا كل أشكال الفنون، لنتحدت إذن عن المصطلحات الرديئة التي أصبح الكل يتداولها في حواره ! و حتى المثقفين والمتنورين الحداثيين ! إذن فهو أنت ؟
تعرف إن المسألة لا تغدو فقط أكثر من شعور بالتميز في الرداءة إحساس نفسي أن التلفظ بذلك يعطي لشخص هيبة و قيمة وهو يدخل في ضعف شخصية مهندسك و حتى أستاذتك الدكتورة الجامعية و كل شخوصك المثقفين ! أنا فوق المخابرات وضابط معلومات لقد تتبعت مسارهم التاريخي إجتماعيا وجدته نضيفا ويخلو من التلوت الفكري لكن نفسيا تبقى عقدتهم هي تلك الألفاظ التي كانوا يسمعونها خارجا و يمنع عليهم التلفظ بها ! هي كما تنفيس عن الاختناق المجتمعي !
أوكي، لكن كيف هي تعبير عن ضعف في الشخصية إشرح أكثر !؟
يعني نفسيا الشخصية أخذت فقط شكلها الثقافي و لم يكونوا أبدا إجتماعيين خوفا من فقدان توازنهم في الدراسة !ليجدوا أنفسهم في فجوة بين ما تعلموه وماهو عليه المجتمع وليسدوا تلك الفجوة كان لزاما أن يقوموا بالتقليد ليخفوا ضعف شخصيتهم لدرجة أن الصعلوك صار يؤثر فيهم بشخصيته القوية وأصبح التلفظ مثله يعطيهم ذلك الإحساس بشيء مميز عندهم وإن تلفظوا مثله فهم أقوياء كما يبدوهو قويا في وجه الزمن !
أوكي أوكي فهمت ، لكن اشرح لي مستوى الوعي الذي وصل إليه الكل اليوم ! كل الشخوص أصبحت أكثر وعيا وفي نفس الوقت أكثر وقاحة بماذا تفسر هذا !؟ و قبل ذلك لماذا احدثك أنا عن هذا ! و أنت موجود في دماغي دون أن أدري ! من تكون ؟
قلت لك ! أنا إلهامك ! أنا الحمق الجنون والعقل ! أنا كل شيء بداخلك ! ما تعلمته من أدب و ما تصنعه في رواياتك أنا معك فيه وأنا من يساعدك ! أنا مرآتك الأدبية والجمالية ، أنا عمق ذاكرتك ، لا وجود أصلا لتلك الحوارات الساقطة إن لم تكن أنت من صنعها ،هي بداخلك ! هي نتيجة تراكم كل ما نشأت عليه ! و النتيجة الآن تبحت عن مريضك الصفر لتعالج روايتك! و لا تعلم أنك أنت هو مريضك الصفر الذي تبحت عنه ،يكفي كل هذا أم انك تريد المزيد!؟ يكفيك هذه الجرعة الآن !.