الوصية السحرية لوزير الداخلية!
اسماعيل الحلوتي
في خضم الغليان الشعبي المتصاعد بفعل إخفاق حكومة أخنوش في مواجهة مسلسل الغلاء الفاحش، الناجم عن الارتفاع الصاروخي المتزايد في أسعار المحروقات التي بلغت في السنتين الأخيرتين مستويات قياسية غير مسبوقة، وانعكاساتها على أسعار باقي المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك.
وخارج دائرة المهتمين بالشأن العام الوطني، هناك فقط فئة محدودة من المواطنات والمواطنين الذين قادتهم الصدفة وحدها إلى الاطلاع على فحوى دورية وزارة الداخلية الموجهة إلى الولاة والعمال في مختلف جهات المملكة خلال منتصف شهر غشت 2023 حول “منهجية إعداد مخطط التنقلات للجماعة”.
وهي الدورية التي جاءت بوصية تكاد تكون سحرية، لكونها تحث الولاة والعمال على ضرورة تطوير أنظمة جديدة، احترام الولوجيات والتشجيع على المشي وركوب الدراجات الهوائية. ويؤكد من خلالها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت اتخاذ وزارته عدة تدابير وإجراءات على المستويين التنظيمي والمؤسساتي عبر آليات فعالة للتخطيط، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لتطوير منظومة مندمجة للتنقل المستدام، وتشدد على وجوب تحسين الولوجية إلى وسائل نقل عمومي ذي جودة عالية، وفي ظروف ملائمة لتلبية حاجيات المواطنات والمواطنين ذات الصلة، خاصة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
والأهم من ذلك هو أن ذات الدورية أوصت أيضا بتطوير أنظمة نقل آمنة وشاملة ومستدامة، وتشجيع أنظمة تنقلات تأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي كالمشي وركوب الدراجات الهوائية، مع تقليل الاعتماد في التنقل على السيارات الشخصية، دون إغفال إدراج مقاربة النوع في مختلف السياسات المرتبطة بتطوير عروض النقل العمومي…
فالإيجابي في هذه الدورية أنها تلح على الاستغناء عن السيارة الشخصية وتعويضها في التنقل بالسير على الأقدام أو استعمال الدراجات الهوائية، ولاسيما في ظل ما صارت عليه مدننا من تلوث يضر بصحة وسلامة الإنسان، والارتفاع المتوالي في أسعار المحروقات، مما قد يساهم ليس فقط في التخفيف من انبعاث عوادم المحركات وانتشار الأدخنة، بل كذلك في الحد من أعباء المصاريف اليومية.
وبقدر ما تم استحسان مضمون دورية وزير الداخلية وخاصة في الشق المتعلق بالتشجيع على المشي وركوب الدراجات الهوائية في تنقل الأشخاص، لما لهذين النشاطين من فوائد متعددة، حيث أثبتت عديد الدراسات العلمية أن للمشي المنتظم منافع كثيرة في الحفاظ على وزن الجسم الصحي وتحسين اللياقة البدنية، ويساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والشرايين، ضغط الدم والسكتة الدماغية وداء السكري، والكثير من أنواع السرطان، بالإضافة إلى حرق السعرات الحرارية الزائدة وتحسين الصحة النفسية والحد من التوتر ونوعية الحياة والرفاهية. وفي ذلك يقول أبقراط: “المشي هو أفضل دواء للإنسان” وهو أقل الأنشطة البدنية تكلفة وأيسرها، إذ لا يتطلب أي معدات أو مهارات خاصة…
كما أن ركوب الدراجة الهوائية لا يقل أهمية عن المشي، إذ يساهم بدوره في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وبعض أنواع مرض السرطان وداء السكري وغيره. وتعتبر الدراجة الهوائية من بين أهم وسائل النقل الصديقة للبيئة، التي تساعد كثيرا في محاربة التلوث الناجم عن الانبعاثات الكربونية وتؤدي إلى تحسين جودة الهواء، فضلا عن أنها من بين وسائل النقل البسيطة والرخيصة على مستوى التكلفة المادية وما لها من دور فعال في تحقيق السلامة على الطرق.
واعترافا بمزاياها وتعدد استخداماتها، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل 2018 الإعلان عن يوم 3 يونيو من كل سنة يوما عالميا للدراجة الهوائية، داعية الدول الأعضاء إلى تعزيز التعاون الوطني والإقليمي والدولي إلى تحسين السلامة الطرقية لخفض معدل الوفيات الناتجة عن حوادث السير، فيما تعتبر منظمة الصحة العالمية أن البنية التحتية الآمنة لركوب الدراجات تعد أيضا طريقا لتحقيق قدر أكبر من العدالة الصحية، بالنسبة لأفقر القطاعات غير القادرة أحيانا على شراء المركبات الخاصة.
فإنه في المقابل نالت تلك الدورية حظا وافرا من الانتقادات، حيث يرى البعض أن مدننا مازالت تشكو ضعف البنية الطرقية اللازمة من تشوير وممرات ومسارات آمنة خاصة بالدراجات الهوائية، اللهم إلا بعض الاستثناءات المحدودة، مما قد يؤدي عند ارتفاع أعداد مستعملي الدراجات الهوائية إلى مزيد من فوضى التنقل والجولان، وبالتالي تضاعف حوادث السير. فيما يرى البعض الآخر وفي مقدمتهم محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أنه كان حريا بوزير الداخلية تعميم دورية مماثلة على مختلف المصالح المعنية، تتضمن إجراءات صارمة ضد المسؤولين والمنتخبين الذين يستغلون سيارات الدولة ليلا ونهارا وخلال العطل الأسبوعية والسنوية لأغراض شخصية خارج مهامهم الوظيفية، والعمل بجدية على إيقاف الريع والفساد في الحياة العامة…
إذ أنه على الرغم من أن وصية وزارة الداخلية ذات أهمية، فإنها لم تأت بأي جديد مادامت مدينة مراكش سبق لها أن أطلقت إبان استضافتها مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ بين 7 و18 نونبر 2016 مشروعا صديقا للبيئة تحت اسم “ميدينا بايك” في عهد وزيرة البيئة حكيمة الحيطي، وهو عبارة عن دراجات هوائية ذاتية، يهدف إلى التخفيف من الازدحام والتقليص من الانبعاثات المضرة بصحة الإنسان، فإن هناك ملفات أكثر أهمية ولاسيما في المناطق النائية، تستدعي الانكباب الجاد على معالجتها من قبيل أزمة العطش وموت الأطفال بلدغات العقارب وعدم تأهيل المنظومة الصحية وغيرها من القطاعات الحضرية ذات الارتباط الوثيق بالجانب التنموي والاجتماعي وتأهيل الرأسمال البشري.