في هذا الظرف
محمد شحلال
ما زلت كالعديد من أمثالي من المواطنين، تحت وقع الحدث الجلل الذي أصاب بلدنا في منطقة عزيزة من مناطقه التي تعيش بكبرياء ،في أحضان الأطلس الكبير،لذلك فقدت كل رغبة في الكتابة بينما الدمار يستعرض صور الهلع التي لا يمكن تخيلها.
وبالرغم من هول الزلزال،فان أمرين لافتين قد خففا من الألم الداخلي الذي أتقاسمه مع جميع المواطنين عبر ربوع الوطن.
أما الأمر الأول،فيتمثل في رباطة جأش عاهل البلاد الذي جعل الدولة تقوم بما تقتضيه مقومات الدولة الحقيقية،حيث لم يستجد أحدا،ولم يتهافت على قبول المساعدات المشبوهة،خاصة من فرنسا التي بلغت عفونة اعلامها الاستعلائي كل مبلغ،لكن تجاهل ملك البلاد كان جوابا مفحما جعل الرئيس الفرنسي يتخبط وينصب نفسه ،،خصما وحكما،،حتى غدا – ربما-من اضعف كل رؤساء فرنسا عبر التاريخ !
أما الأمر الثاني والأهم،فتجسده صور،،تامغرابيت،،العفوية التي لا دخل فيها للأحزاب ولا الهيئات الحكومية وغير الحكومية،بقدر ما هي سجية يشترك فيها المواطن العادي والمجرم والفقير والمعدم…الى درجة ان كل مظاهر السلوكات السلبية تختفي فجأة عند أول ملمة ،ليصبح المغربي نسخة واحدة يتخلى عن كافة حقوقه لصالح الوطن،وهذا-لعمري- أهم ما يجعلنا نعشق هذا المغرب المتفرد في كل شيء.
لن يتسع المجال لاستعراض نماذج من خصال المغربي في الظروف الحرجة،فقد أثارت فضول كل العالم،وذابت الخلافات التي كان يراهن عليها الاعداء،حيث ،،خذلهم،،أهل الريف بعطائهم وتضحياتهم لصالح المناطق المنكوبة،وكان هذا دليلا على وحدة الوطن التي لا يجرؤ أحد على المساس بها،فلتهنأ عين ،، الكابرانات،، ولتستمر في تغذية أحلامها الواهية.
لقد ظهرت أول الدروس ،،المفيدة،، مع تداعيات الزلزال،ألا وهي أن الدولة ملزمة بتقديم الدليل على مبررات استمراريتها عبر الاعتماد على الامكانيات الذاتية بالدرجة الأولى،وهو ما نعيشه الان ،خاصة بعد تنقل جلالة الملك الى المنطقة المكلومة،حيث قدم أروع الصور على الالتحام والوحدة،بل ان في ذلك ما يجيب عن كل التساؤلات والأخبار المغرضة التي تسوقها جهات يغيظها أن يستمر المغرب ملكيا متحدا.
في ظل هذه الأجواء التي تمتزج فيها الدموع والشهامة المغربية المتأصلة،يطل علينا بعض الأشخاص من بني جلدتنا، ليصنعوا استثناء سمجا ،ليس من ورائه من غاية الا خدش وجه المغرب، بما ييستخرجونه من صور العوز والأنين المبالغ فيه احيانا، وكأن الفقر حالة طارئة لم يكشف عنها الغطاء الا بعدما انهدت جبال الأطلس الشامخة، وهي تستسلم لحركة أرضية تبين أحد مظاهر قوة الخالق في ثوان معدودة !
لقد قدم هؤلاء الناس خدمة مجانية لاعلام فرنسا وربيبتها بالجوار،ليتشفى ببلدنا وهو يلملم جراحه عبر تداول صور الانكسار التي اختيرت بعناية،في محاولة يائسة لزعزعة الجبهة الداخلية التي تستمد مناعتها من مشاعر متوارثة لا دخل لاحد فيها، وانما هي منحة ربانية خص بها الله هذا الوطن ،ليظل كما اريد له،موطنا للتعايش السلمي والتسامح.
ان نمط عيش الأمازيغ لا يدرك كنهه الا قليل من الناس،لذلك تجد البعض يطلق الكلام على عواهنه،ويصدر أحكاما مبنية على الأهواء، ولا تمت الى الحقيقة بصلة.
لقد دأب الانسان الأمازيغي على مؤاخاة الطبيعة التي توفر له الحماية والحفاظ على الخصوصية،لذلك يختار العيش في الأماكن المنيعة التي تؤمن امازيغيته وتقاليده بالرغم من صعوبة العيش وشح مصادره.
ان العيش في حضن الجبال وحواشي الأودية، لا يسمح باقامة البنيان المرصوص،بل يفرض على الساكنة الاكتفاء بما هو متوفر من مواد بسيطة ،لا تصمد أمام قوة الطبيعة،لكنها قابلة للتجديد، لتظل هذه التجمعات السكانية عقدا تزدان به جبال الأطلس،وتسحر السائح الذي يتجشم وعورة المسالك ليكتشف هذه العوالم وما تخفيه من أسرار.
لولا هذه الساكنة المتعلقة بالجبال،ما عرفنا زعفران،،تاليوين،،ولا جوز،،أسني،، ولازيت،،أركان،،بما تتطلبه من مراحل مضنية من الجني الى التصنيع عبر مرتفعات ،،سوس،،ناهيك عن بعض أجود الفواكه التي تنمو في كنف السلسلة الجبلية وترتوي بمائها الزلال.
ان الذين يتجرون في معاناة المنكوبين عبر صور الدمار وبساطة السكنيات،يجهلون او يتجاهلون بأن الرواج السياحي في المنطقة ،انما يعود أساسا الى هذه التجمعات السكنية المعلقة،وطبيعة عيش الناس فيها،فلا حاجة لتقديم دروس لا تفيد احدا،أما انتقاد الدولة ،فقد تجاوز كل الحدود،فهل نحملها كذلك وزر الزلازل والأعاصير؟
لا شك ان التقصير حاصل في بعض أوجه الحياة،لكن بعض المنتقدين هم ممن يرفضون العمل في هذه المناطق خاصة رجال التعليم والصحة،فاذا حدث سوء،كانوا اطول الناس لسانا في تبخيس جهود الدولة ،بل انهم لا يترددون في اجراء المقارنات مع دول بيننا وبينها سنوات ضوئية من الفوارق في كل شيء.
اللهم ارحم ضحايا الزلزال المدمر،واحفظ بلدنا في وحدته وتكافل ابنائه،ووفق ملكنا لما تحبه وترضاه حتى يظل المغرب بلد كل التحديات،أما فرنسا الرسمية،والنظام المارق في الجزائر، فلن يجدا الجواب الشافي لخبثهما،الا في هذه الهبة الشعبية التي تؤكد لمن يحتاج الى ذلك،بأن المغرب دولة بقوة التاريخ والانصهار عندما يتألم الوطن.