أبو تمام في غزة
رمضان مصباح
يعرِف أهل القريض ما يعنيه مصطلح المعارضة في الشعر؛و هي لا تتأتى إلا إذا استنهضت القصيدة الأصلية لواعج في النفس ،وتماهى القارئ مع الشاعر،وذاب في لحظة الإبداع،وأسباب نزولها .
وقفتُ هذه الأيام على قصيدة الشاعر العباسي أبي تمام :”فتح عمورية ” ؛أعيد قراءتها
على وقع الراجمات وصواريخ غزة العزة..ما أشبه اليوم بالأمس لولا أننا الحلقة الضعيفة.
معذرة أيها الشاعر العصي ،الذي لا يقول دائما ما يفهم.
واني أغبطك لأنك في صف المعتصم ،وهو قائم على تلبية الندبة الشهيرة:”وامعتصماه”.
وقد لباها كما يجب .
فمن أين لنا اليوم ،يا شاعري ،بالسيف أو بالكتب؛كما تريد،وتفضل.؟
لا هذا ولا ذاك إلا لِماما كلاما ،تغطي عليه صواعق العصر التي تداعت علينا ؛ولا قِبل لنا بها.
ملاحظة: الأشطر الستة البارزة ،الموضوعة بين قوسين” من القصيدة الأصلية المعارَضة.
************
“الـسـيفُ أصــدقُ أنـبـاءً مـن الـكُتب”
والـجُبن أصـدقُ مـا فـي مـوطِن العربِ
الــمـالُ يــجـري سُــيـولا لا يُــرامُ بــهِ
غــيـرُ الـفَـخـارِ ،وأبــراجٌ مِــنَ الـعَـجبِ
والـعِلمُ فـي مَـأتمٍ مِـن هَـجرهِ سَـفهًا
حـتَّـى غَــدا جَـهـلهُمْ دالاًّ عـلى ذَنَـبِ
“والـعـلمُ فـي شُـهُبِ الأرمـاحِ لامِـعَة”
إلاَّ بـنـي الـعُـرْبِ أعــداءٌ لِــذي شُـهُبِ
أضْـحَـكْـتموا أمَــمًـا بـالـمـالِ مُـنْـخَـذِلٍ
لا يـشـتـرِي صَــولـةً إلاَّ لِـــذي هَــرَبِ
يــا لـمْـعةَ الـعِـزِّ “غـزة” اهْـجُري عـرَبًا
مـا هَـمَّهُمْ غـير ُ نـفْخٍ فـي بـني كَـذِبِ
قـولـي لـهُم مـا أنـا مِـنكم ولا مـن دمٍ
عُــربٍ بــلا نَـعـرةٍ والـحـرْبُ فـي لـجُبٍ
مادَتْ بنا الأرضُ حتى قِيل قدْ خَسَفتْ
أرْدَتْ بَـنـيـنا تُــرابـا يـــا بــنـي لَــهَـبِ
“خـوَّفـتُم الـناسَ مـن دَهْـياءَ مُـظلمةٍ”
مِــن جُـبْـنِكُمْ لـيس إلاَّ يـا ذُرَى قَـصَبِ
تُـرْعِـشْ لـريـحٍ ،وإذْ طـيـرٌ دَنــا يَـعْتلِي
تَـنـقادُ فــي جَـذبِـه هَـوْنًـا لِــذي أرَبِ
كـيـفَ الـمـآل إذا بَـطنُ الـسَّماء رمَـى
وارْتَـجَّتِ الأرضُ رَدْمًـا تحتَ ذي وَصَبِ؟
والـراجِـمـاتُ وحـــوشٌ نَـفْـثُـها لــهَـبٌ
يَـحـرِقْ صِـغـارا بـلا ذَنـب بِـلا صَـخبِ؟
“يـــا يــومَ وقْـعـةِ عَـمُّـوريةَ انـصَـرفَتْ”
أمـجـادُ عُــربٍ ذَراهــا رِيـحُهُمْ كَـكَثِيبْ
يـــا عـاصِـما امــرأة إذْ حُـقِّـرتْ فَـبـكَتْ
بُـحَّتْ نِـساءٌ صُـراخا فـي رِكـابِ نحِيبْ
يــا لـيـتكَ الـيـومَ فـيـها نـاصِـرا لِـلْأُلَى
سـالتْ بـهِم أرضُهُمْ طَرْدا كما للْغَرِيبْ
يــا نـاصِـرا هـاهُـمُ عـادُو فـقدْ نُـسِيتْ
حِـطِّـينُ أنْـسا هُـموا فِـيها بـنُو حَـطَبِ
الــعــابِـثـون بـــأوطـــانٍ و أزمــانِــهُــمُ
الــراكِـعـون لأعــــداءٍ عــلـى الــرُّكَـبِ
الــراكِــبـون لــقَـهـرٍ كُــلـمـا حَــكَـمـوا
الـخـانِـعـون لــــذُلٍّ وانْ بــــلا سَــبـبِ
“ضــوءٌ مــن الـنـار والـظـلماءُ عـاكِـفةٌ”
مِــن لـيلِ غـزَّهْ غـدًا يـأتي كـنُورِ نَـبِيّْ
يُـجلي اهـاناتِ قَـرنٍ مـن بـني عِـجْلةٍ
يُـذكي صَـهيلا لِـخيلٍ مِـن بـني يَـعْرُبِ
مــا أسْـلـفَتْ أرضُـنا غـيرُ الـكِبار نُـهًى
مِـن أيـنَ ذا قدْ ربَا حُمقًا كلِعْبِ صَبِيْ؟
قُــومـوا لِـعـلمٍ ولا يـهْـدَأْ لـكُـمْ عَـصَـبٌ
حـتَّـى تُـقـيموا حـضـاراتٍ بِــلا حُـجُـبِ
“هَـيْـهاتَ زُعْـزِعـتِ الأرضُ الـوقورُ بـهِ”
فـالـعِـلمُ نَــصـرٌ و إقـــدامٌ لِــكـل أبِـــيّْ
أذِّنْ بــدِيــنٍ إذا سَــوداؤُهــا أمْــطَــرتْ
نــارًا تَـصـدَّى لـهـا بـالـعِلم فــي كُـتبِ
مـا الـسيفُ يـا شـاعِري مُـنجٍ ولا ذِلَّـةٌ
تَـبْـكِي إذا راجِـماتٌ قـدْ دنَـتْ بـالعَطَبِ
القنيطرة نونبر2023
