كيف أفسد ” الثلاثي المتغول ” الجماعات الترابية ؟!
عبد السلام المساوي
إن تحقيق أهداف النموذج التنموي التي وضعها الدستور ورسم أولوياتها التقرير المرفوع لجلالة الملك وتضمنتها القوانين ، لا يرتبط فقط بحجم الصلاحيات الممنوحة للهيئات المنتخبة أو بمراجعة الهندسة المؤسساتية على المستوى الترابي ، بما يمكن من تحقيق الانسجام والتناسق بين السياسات القطاعية الحكومية ، والمخططات والبرامج المحلية ، بل يرتبط أولا وأخيرا بطبيعة النخبة المحلية التي تقود الجماعات الترابية خلال ست سنوات ، وحدها هاته النخبة من كان بإمكانها إعلان ولادة أمل في مغرب ترابي جديد أو قتل ما تبقى من الأمل الى الأبد …وما حدث ويحدث هو قتل للأمل .
فلقد عاشت أكثر من 1500 جماعة ترابية حركة غير عادية استبقت يوم انتخاب رؤسائها ونوابهم ورؤساء اللجن الدائمة ، كل الأنظار اتجهت الى ما سيقرره الناخبون الكبار ، بعدما قال المواطن كلمته خلال الاستحقاق الترابي للثامن من شتنبر 2023 . ولئن كان الناخب عبر من داخل صناديق الاقتراع على ضرورة التغيير وإعطاء الفرصة للنخب الجديدة ، فإن هذا التوجه لم يمتد ليعكس تشكيل المجالس ، إذ تم الالتفاف على الإرادة الشعبية بتحالف ثلاثي متغول ، استعمل مختلف الآليات القديمة لإعادة تنصيب الفاسدين ، واستعمال أبشع أساليب البلطجة لقطع الطريق على الكفاءات النظيفة .
حينما توجه أكثر من 50 في المائة نحو صناديق الإقتراع للتعبير عن إرادتهم واختيار ممثليهم المحليين ، فإنهم كانو يفعلون ذلك لقطع الطريق أمام العدمية وخصوم الوطن ، لكن كانوا يفعلون ذلك أيضا لسد النوافذ أمام الأميين وسماسرة الانتخابات والوجوه القديمة المستهلكة المفسدة المتابعة في قضايا المال العام .لكن الصورة كانت صادمة حينما وجد المواطن على رأس جماعته أو اقليمه أو جهته وجوها مثقلة بالمتابعات القضائية بسبب تدبيرها الترابي السابق .
وهكذا أصبحنا أمام مجالس ترابية لا تستحق الاحترام ، ولا تعكس توجهات الإرادة الشعبية ، ولا يتوفر فيها أي مظهر من مظاهر الكفاءة .
إن ما حدث في انتخاب رؤساء المجالس ومكاتبها ، أساء للعمل السياسي وأفقد الإرادة الشعبية معناها من خلال اعتماد أساليب مشينة ودنيئة ؛ تهريب وكلاء اللوائح لمستشارين إلى فنادق وفيلات بعيدا عن عيون المنافسين ، وإجبار من يحترفون الانتخابات المنتخبين على التوقيع على شيكات لحجز أصواتهم .
إن التغول الثلاثي تربى على الانتهازية والنصب والاحتيال ، واعتبار الانتخابات وتشكيل المجالس والجماعات فرصة ذهبية للريع والانتفاع من مناصب المسؤولية .
إن ما جرى مباشرة بعد إعلان النتائج ، لا يمكن وصفه إلا بالفضيحة ، بل أكثر من الفضيحة ، حين اقتيد منتخبون مثل ” خراف ” في سوق النخاسة والبيع والشراء ، لتحصين الأغلبيات المريحة بوصاية من زعماء الثلاثي المتغول ، وحين نشطت الفنادق والفيلات و ” الفيرمات ” والمنتجعات الصيفية ، وتوزيع المال الحلال والحرام بسخاء ، واختلطت أطباق ” بصطيلة ” و ” الشواء ” ، بوعود المناصب والمسؤوليات والعضوية في الدواوين .
ويمكنك أن تعود ، فقط ، إلى قصاصات الأخبار في الجرائد والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ، لتتأكد بأن كل ما حرثه الجمل في سنوات ، دكه في أيام ، بسبب منتخبين مصرين على هدم خيمة العرس على من عليها ، ومصرين على أن يبقوا مجموعة ” بلداء ” ، لا يفكرون أبعد من أرنبة أنوفهم .
لقد قطع المغرب أشواطا في ارساء نموذجه الديموقراطي ، وجعل من الانتخابات والتمثيل الوطني والمحلي والجهوي ، أسمى درجات خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم وإيجاد حلول لقضاياهم في الصحة والتعليم والشغل والقضاء والترفيه والبنيات التحتية ، وهو غير مستعد للتقهقر الى الوراء من أجل شرذمة من المنتفعين مكانها السجن ، وهو دور النيابة العامة المطوقة بواجب تحريك المتابعات في حق كل من ثبت عبثه بالمصلحة العامة للوطن ….
لقد تحول الحصول على صفة مستشار جماعي أو إقليمي أو جهوي لدى البعض إلى الى استثمار يدر أرباحا طائلة دون سند مشروع ، ويكفي الرجوع قليلا للنبش في صفقات إدخال بعض المناطق للمجال الحضري وصفقات التجهيز والتعمير والدراسات ، لنقف على حجم الإثراءات غير المشروع لبعض الرؤساء بسبب قربهم الوثيق مع الصفقات المحلية والمقاولين ، ولا أدل من ذلك نقطة من بحر المتابعين أمام المحاكم بسبب تضارب مصالحهم .
والحقيقة التي يعلمها العادي والبادي أن هناك خلطا متعمدا لدى المنتخبين المحليين بين تضارب المصالح وتمثيل المصالح ، فهم يتقاعسون في ممارسة المفهوم الأول لأنه مرتبط بتمثيل المصالح العامة وببذل المجهود والوقت بينما يجتهدون بل يبرعون في الدفاع عن مصالحهم الذاتية والشخصية بطرق مفضوحة .
وما لم يقف الولاة والعمال وقفة صارمة تجاه الاعتداء على المال العام وحمايته من تضارب المصالح ، فإن النزيف سيستمر وسيحول المنتخبون المال للجمعيات التي تخدم مصالحهم الإنتخابية ، وسيسمحون بتفويت صفقات كبرى مع من يتواطؤون معهم في السر وتحت الطاولة . ببساطة لأن هناك آلاف الطرق للتحايل والالتفاف على القانون ، وكما يقال بقدر ما تكثر القوانين بقدر ما يزداد عدد اللصوص . فالمنتخب الصالح لا يحتاج إلى القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية أمام مصالحه والمال العام ، أما المنتخب الفاسد فسيجد دائما طريقة ما للإلتفاف على القوانين لتحقيق مصالحه .
الواقع أن الصرامة التي أبانت عنها الدولة في التصدي إلى عمليات الفساد والإثراء غير المشروع وتبييض أموال المخدرات في العقار والسياسة والرياضة ، ينبغي أن تسائل الأحزاب إياها أيضا ” ، مكونات التغول ” في الحكومة والأغلبية والمجالس الجهوية والإقليمية والمحلية ” ؛
إن الأحزاب إياها مطالبة بتنقية عتبة بيوتها من ” أشرار السياسة ” ، وسن قوانين داخلية صارمة بلا هوادة ، لا تسمح بتسرب الكائنات التي تبحث عن مظلة للاختباء تحتها ، أو حصانة برلمانية للتهرب من العقاب وتسفيه القانون ؛
ولأن الأحزاب إياها تتواطأ وتتهافت على المفسدين لكسب المقاعد ، تكبر الخفافيش وتتكاثر في الظلام ، وتصبح وبالا على الدولة ، وعلى صورتنا جميعا أمام العالم .
لقد تبين أنه تغول من غدر وخيانة…قلناها مرارا ونكررها : إن من خلق من عدم سيظل رهينة ذلك العدم ، ويبقى الأصيل أصيلا ، فمن كان له ماضي سيكون له حتما مستقبل …ويبقى الاتحاد الاشتراكي حزبا وطنيا أصيلا ، رقما أسياسيا في ثورة الملك والشعب التي تتجدد في كل لحظة وحين .
يجب أن يقرأ أصدقاؤنا في العالم كله ، الذين يمثلون دور المستغرب لرصانة وصرامة المغرب وتعقله وحكمته مع مختلف القضايا ، هذا السطر الذي يكتبه المغاربة بقيادة ملكهم بكل حزم الآن .
إذا استطاعوا قراءة هاته فقط ، سيفهمون بسرعة أن هذا البلد لديه إيمان بالذات ، وبقية صفات تفرض عليه التسلح بالحكمة والتعقل والجدية حتى في أحلك اللحظات وأقساها .
هذه المغربية وهذا المغربي كبيران حتى في اللحظات المؤلمة ( كورونا والزلزال ) التي يعتقد فيها من لا يعرفهما أنهما سينهاران .
هذه المغربية وهذا المغربي ، هما الآن هنا ، لأن أجيالا من المغربيات والمغاربة سبقوهم إلى بناء المغرب في قلب المغاربة ، وبناء المغاربة في قلب المغرب منذ قديم السنوات والعقود والقرون .
لذلك لا يتزحزح المغرب أبدا . قد تهزه هزة غادرة ، وتترك على الجبين منه ، وفي دواخل القلب أثر ألم صعب النسيان ، لكنه لا يتزحزح عن مكانه شبرا واحدا ، لماذا ؟
لأن وتد الثبات فيه ولديه وداخله يسمى بكل بساطة ….المغاربة .