فرنسا الأنوار وأعطاب الطباع
محمد شحلال
كان لمفكري فرنسا المتنورين قبل أزيد قرنين من الزمن،دور بارز في انتقال هذا البلد الذي ساد فيه الأباطرة والملوك،،العظام،،نحو نظام ديموقراطي سرعان ما تحول الى نموذج في الحكم، إلى جانب عدد من الدول التي اختارت الانتخابات النزيهة نهجا مفضلا نحو تدبير الشأن العام في انسيابية لا يعترض عليها عاقل.
إن فرنسا التي احتلت بلدنا لفترة من الزمن ،الى جانب العديد من الدول في القارة السمراء ،وفي مناطق أخرى من العالم،مازالت،،شرا لا بد منه،،بالنسبة للعديد من مستعمرات الأمس وبالخصوص بالنسبة للنخب التي لا يستقر لها حال، ولا تجمع على موقف محدد من ،،الميتروبول،،التي يمقتها البعض في العلن، ويخطب ودها في الخفاء !
لقد كان الزعماء السياسيون في الدول الأوليغارشية،يجدون الملاذ في بلد ،،موليير،،ليواصلوا نضالاتهم لرفع الظلم عن شعوبهم،وهكذا استضافت فرنسا شخصيات سياسية مرموقة من كل أنحاء العالم.
لم يكن المغرب استثناء في هذا المجال،ذلك أن أبرز معارض للنظام،قد حط الرحال في هذا البلد أواسط الستينات،قبل أن يغتال صاحب،،الاختيار الثوري،،في ظروف غامضة وهو يستعد لتحضير مؤتمر القارات الثلاث.
ولعل النموذج الثاني من اللاجئين السياسيين البارزين،
هو الإمام الخميني الذي غادر باريس بعد وقفة استكشافية قبل التوجه نحو العراق ،تمهيدا لحلوله المظفر ببلده ليطرد الشاه عبر ثورة شعبية عارمة،وينهي حكما شموليا عميلا للغرب.
إلى جانب المعارضين والثوار،فإن النخب ببلادنا حتى لا نستعرض باقي البلدان،تتصرف مع سياسة فرنسا بأسلوب يجعل المواطن الساذج مثلي في حيرة من أمره،ذلك أن هؤلاء يبذلون ما بوسعهم لإبراز فرنسا في صورة الدولة الاستعمارية الناهبة لخيرات شعوب الجنوب،والمعادية لقضاياها،لكن وبالمقابل،فإن هذه النخب لا تتردد في إرسال أبنائها نحو أرقى المعاهد والجامعات للدراسة وبالتالي لضمان المناصب الحساسة عند العودة،علما بأن هذه النخب ما فتئت تقلل من شأن اللغة الفرنسية منادية بالتوجه نحو الانجليزية باعتبارها لغة العلم والمستقبل !
لقد درس جل السياسيين المغاربة بفرنسا خلال فترة الحماية وبعد الاستقلال،وتتسع اللائحة لعدد هائل من هذه الشخصيات التي تولت تدبير الشأن العام،من أمثال :
ذ.محمد بوستة،أحمد رضا كديرة،محمد بنهيمة،عبد الرحمان اليوسفي ،محمد اليازغي،وعبد الرحيم بوعبيد… ومازالت هذه اللأئحة مفتوحة،ليواصل أبناء السياسيين والأغنياء رحلتهم نحو ،،ماما فرنسا،، قبل العودة بشواهد عليا لا تقاوم ،بل تعبد الطريق نحو أرقى المناصب.
ولعل المفارقة في تعامل نخبنا مع فرنسا،تتجلى في كون الطبقة المتوسطة والأطر العادية،قد صارت تزاحم النخب في مجال الدراسة بمستعمرتنا السابقة مضحين بكل ما يملكون لانتزاع دبلوم ،،نافذ،،من دولة يشبعونها شتما وتهجما كلما ذكرت فرنسا في حدث من الأحداث !
إن فرنسا قد فهمتنا منذ زمان حينما قام المستكشفون بدورهم،ثم تلاهم علماء الاجتماع من أمثال،،بول باسكون،،لذلك فهي تعتبر السباب والمعاداة الشفوية،مجرد تصريف عابر لنزوة لا تصمد أمام الأنانية الدفينة في بلوغ الغايات،فاختارت الرد عبر إملاء الشروط المتجددة لعلمها المسبق بأن الاحتجاجات والصراخ،سرعان ما يخبو أوارها حينما يصبح الاختيار منحصرا في ضمان مقعد بمعهد ،،منيع،،أو تحمل تبعات الدراسة في المعاهد الوطنية التي لا تخلو من متاعب.
ليست فرنسا بحاجة لمن يدافع عنها وعن توجهاتها،فملف واحد من ملفات الساسة بمستعمرات الأمس وفضائحهم الموثقة،كفيل بأن يضمن كل الصفقات ولو كان فيها ما يرهن شعوب هذه البلاد ،ولنا في بعض بلاد الجوار الأفريقي نماذج كافية.
إن ما يخدش صورة فرنسا في راهنها،ليس هو ماضيها الأسود كقوة محتلة،وإنما هو انفتاح الباب أمام نماذج سياسية مخالفة للطبيعة البشرية،ومع ذلك أتاحت لها،،سلطة الديموقراطية،،أن تصبح في هرم السلطة.
لقد تم اختيار وزير أول ببلاد،،فيكتور هيجو ودوغول وشارل أندري جوليان،،يعلن مثليته أمام الملإ، ليعزز صف مسؤول اخر في دولة غربية يصطحب زوجه الذكر في الأحداث الرسمية !
ما كاد الناس يتجاوزون فترة طويلة من التندر على الرئيس الفرنسي الشاب الذي اقترن بامرأة في سن جدته،حتى نزل خبر الوزير الأول الذي أنسى الناس في تهكم الماضي عندما كشف عن طينته القذرة،ذلك أن الفقهاء في بلاد الاسلام،مطالبون اليوم بإصدار الفتوى الوجيهة بخصوص استقبال ومصافحة هذا المسؤول الذي، لا بد أن يزور أو يستقبل زعماء من دولنا التي مازالت محتشمة في مجال هذا النوع من القران الذي اقتحمه ابن قائد الأركان في ،،القوة الضاربة،، حينما ظهر مؤخرا وهو يحضن زوجه الفرنسي ، ونسأل الله ألا تنتقل العدوى إلى باقي البلدان العربية والإسلامية !
جل الناس يدركون أن مخالفة الطبيعة البشرية،هو أمر رائج في كل بلاد الغرب،وربما كان واحدا من،،الحقوق المزعومة،،لطائفة من الناس الذين تمكنوا من دسترتها،وأصبح التعامل مع هؤلاء النماذج مطابقا لمفهوم الحريات العامة،أما أن ينتقل هذا الاختيار إلى قمة هرم السلطة،فإن تساؤلا سورياليا يطرح نفسه بين علماء الاجتماع والمفكرين حول مآل الميول البشرية،فهل يستمر الناس في الحياة، ليظلوا بشرا كما خلقهم الله، أم يجرهم حنين ،،سدوم لوط،،نحو هاوية لا تخطر على بال أحد ؟
وقبل انزلاق البشرية نحو الهاوية،أذكر السادة أصحاب الفضيلة من العلماء المسلمين، أن يسارعوا إلى إصدار فتوى حول طبيعة التعامل مع وزير فرنسا الأول قبل أن ينتقض وضوء مصافحيه ومستقبليه،وكل الشفقة على فرنسا الكبرياء التي يخرج معظم أبنائها عن الطبيعة البشرية ليدوسوا على القيم الإنسانية الراقية التي رسمها أدباء ومفكرون مرموقون خلد التاريخ ذكرهم.