الكَانُ الإيفوَاري بنُكهَة مَغربية
بقلم: إدريس الواغيش
أصبحت الديبلوماسية المُستديرة هي السّائدة هذه الأيام في إفريقيا، تعلو ولا شيء يُعلى عليها. وسَواء زارُونا في بلدنا المغرب أو زرناهم في بلدانهم بإفريقيا، تبقى الهَوية المغربية بنُكهتها الإفريقية ثابتة، دائما نفس الانطباعات ونفس الإحساس والشعور. هكذا، ومن دون سابق إشعار أو مقدّمات، وبشكل لم يكن منتظرا، أصبح غلاء ثمن الغازوال نسيَا منسيًّا، والارتفاع الصاروخي لأثمنة الخُضر والفواكه في الأسواق، ومآسي النظام الأساسي الذي عطل مدارسنا المغربية، وأغلق أبوابها بشكل كليّ أو جزئيّ في خبر كان. أطاح الكان الإفريقي بكل شيء، وأخذ المشهد الكرويّ مكانه إلى حين مُرور العاصفة، وهكذا أصبح بقدرة قادر، ثمن “مَطيشَة اللّي تْشُوفْ فيها وجْهَك” بأقل من خمسة دراهم. يا لغَرابة كرة القدم وسحر عُيونها، حتى ملف قضية إسكوبار الصحراء، ومن معه من شخصيات مغربية مهمة، تعتلي السُّلّم الاجتماعي وعالم السياسة والمال والأعمال، هو الذي كان إلى عهد قريب من أكثر ملفات العدالة سُخونة وتداولا بين الناس، وأسال الكثير من المداد في الصحافة لم يجفّ بعدُ. أخذ لأسابيع حيّزا مهمّا في الإعلام المغربي، وتم الترويج له إعلاميا باستسهال كبير، كاد بدوره هو الآخر يختفي، أو أجّله المعنيّون وأصحاب القرار، ولو إلى حين.
أصبح المؤثرون الاجتماعيون المغاربة في مدينة سان- بيدرو(san- pédro) الإيفوارية، وحدهم هم من يخلق الحدث هناك، ينقلون لنا أجمل التفاصيل وأدقها، رغم تواجد جيش من الصحافيين والإعلاميين الصحافيين الحاضرين هناك على حساب جيوب المواطنين وقوت يومهم، ويقولون أن العدد قد يتجاوز ال(140). المؤثرون المغاربة وحدهم من يُؤثّث شاشات هواتفنا المحمولة بجمالية الصوّر والفيديوهات، وأشكال الحضور في الشوارع وجلسات المقاهي، ويوصلون لنا الأخبار أولا بأوّل، وإن كنت لا أعرف الكثيرين منهم، وأكثريتهم أشاهده لأول مرة.
لم نر هناك جمعيات مدنية مغربية في ساحل العاج، ولا من يمثلها من رؤسائها، همُ الذين يأخذون الدعم المباشر من خزينة الدولة، والغير مباشر من أكثر من جهة، ويفلقون رؤوسنا في كل مناسبة هنا بالمغرب، ولا هيئات اجتماعية أو مدنية أخرى، ولكن رأينا في المقابل مُبادرات فردية، تمثلت في شباب مغربي من الإناث والذكور، يتحرّكون بكل حيوية، ويزرعون الحبّ والصّدق وسحر المغرب في كل مكان: شوارع وأزقة، أحياء فقيرة وأخرى راقية، ودكاكين الأسواق الشعبية. يُرقصون الشعب الإيفواري الجميل على أنغام الطرب الشعبي المغربي في الكوت ديفوار.
يتواصلون مع النساء والأطفال بتلقائية في كل مكان، يقتنون غسّالات ملابس أوتوماتيكية للنساء الفقيرات، بشكل يدعو للفخر والاعتزاز بالانتماء، والبعض منهم اقتنى بقرة من سوق المواشي، ثم وزّعوها على دار الأيتام في بادرة فريدة من نوعها، وآخرون يحلقون رؤوس الأطفال الفقراء في الأسواق والحارات الشعبية، ويوزّعون قمصان الفريق الوطني المغربي برايته الموشّحة بالنّجمة الخُماسية الخضراء ولونها الأحمر، وحضور الزليج المغربي فيها، بما يحمله من رمزية فنية وتاريخية. والأجمل من ذلك، هو امتداد خريطة المغرب فيها، مُكتملة وهي تجوب المدرجات مرفرفة في الملعب، وعلى شاشات الواقع والافتراضي مزهوّة بالصحراء المغربية.
أكثر من ذلك، شاب مغربي يصنع حدثا استثنائيا، جابت صوره قنوات تلفزيونية عبر أرجاء العالم، تمثلت في شابات من الكوت ديفوار يلبسن القفطان المغربي، ويتوجهن به مجتمعات في كوكب حماسي إلى الملعب من أجل تشجيع المنتخب المغربي، وأعتقد جازما أنه لم تسبق دعاية مُماثلة مثل تلك التي شاهدناها للقفطان المغربي على الرّغم من بساطتها وعفويّتها. شاهدنا كذلك رجال أعمال مغاربة ناجحون، ونساء أعمال مغربيات ناجحات في التجارة وإدارة أعمال في الكوت ديفوار، يقومون مُجتمعين بمُبادرات إنسانية رائعة، تصبُّ كلها في إعطاء صورة مشرفة ومشرقة للرّجل المغربي والمرأة المغربية، وللشعب المغربي قاطبة في صورة مصغّرة، مُماثلة لما حدث في مونديال قطر.
والأكيد من دون شك، هو أن المغاربة والمغربيات، هم مِلْحُ هذه الدَّورة للكَان بدون منازع، ينشطون جماهير الشعب الإيفواري في المدرّجات وخارجها، يدخلون الأسواق والمولات ويشاركونهم الصلوات المساجد، ويبسطون أجنحة الفرَح في كل مكان يمرّون منه. أصبح المغاربة جزءا من المجتمع الإيفواري على قلتهم، الإحصائيات الرّسمية تقول إن المغاربة لا يتجوزون في مُجملهم الخمسَة آلاف نفر هناك، ولكن الفاعلية تكمُن أحيانا في الفاعلية، وليس في العَدَد. وفي أقل من أسبوع، أصبح المغاربة حديث السوشل ميديا، وفيديوهاتهم تجوب وسائل الإعلام العالمية. أما وقد ربح المغاربة قلوب الإيفواريين، نرجو أن يكتمل مشهد الفرح برفع كأس الكان إن شاء الله تعالى.