أهل غزة في مواجهة الضباع البشرية : أي سيناريو وأي مشهد مخزي؟!
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين
” أهل غزة في مواجهة الضباع البشرية : أي سيناريو وأي مشهد مخزي؟!
الدكتور محمد بنيعيش
أستاذ الفكر والحضارة
وجدة المغرب
قد يعجز الإنسان ، مع استفراغ الدموع وتصلب الشرايين وكآبة القلوب عن اختيار من أين يبدأ وكيف يعبر وبماذا يفكر أو يحلل وينظر حول ما يقع في غزة الجريحة وسكانها ، الضحايا والمستضعفين والمكلومين والمدمرين والمهجرين والمقتلين والمعذبين والمرعبين والمرهبين والمحاصرين والمتقرحين والمكسرين والمفقودين والمحرومين والمحروقين والمبعثرين والهائمين والمغبونين والمكدومين والميتمين والمحطمين والمجوعين والمخوفين والمهملين والمطرودين والمتضررين والممزقين والمجروحين والهالعين واليائسين والبائسين ووو أمام أعين العالمين . تماما كما وصف الله تعالى في كتبه العزيز حال أصحاب الأخدود حيث يقول :” وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ”.
إنها الصدمة ويا لها من صدمة وإنها الخيبة ويا لها من خيبة وإنه الخزي ويا له من خزي وإنه العار ويا له من عار وإنه الشر ويا له من شر وإنه الضر ويا له من ضر وإنه الجرم ويا له من جرم!!! وإنه وإنه ،فتخير ما شئت من مصطلحات الشر والظلم والعسف والشطط والتعنت والحقد والعنصرية والبطر والكبر والتجبر والاستخفاف بالمبادئ والأحكام والقوانين والأعراف والمشتركات الإنسانية أيما استخفاف وأي ما إسفاف وأي ما التفاف واستهداف نحو الهاوية وما أدراك ما الهاوية نار حامية!!!.
لست هنا في باب تحليل الحرب وأسبابها ودوافعها وخلفياتها ومقاصدها،وهل الحرب هي ضد حماس لوحدها أم هي ضد الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية بل الإنسانية عموما ، وذلك لأن الموضوع لا يستحق أن يسمى حربا أصلا ، وإنما هو جرم وجريمة نكراء تطبق علنا ومن غير تحفظ في حق كل البشرية ، قد تجلت بأبشع صورها في حق أهل غزة ،المظلومين والمستضعفين، فتلونت بكل شرورها وأحقادها وأضغانها ونفاقها وسمومها وظلمها مع سبق الإصرار والترصد. إنها حرب قذرة صهيونية غاصبة ومدعمة بدول إمبريالية صليبية واستعمارية غاشمة لا تعرف لمعنى الإنسانية والرحمة والقاسم المشترك الإنساني مفهوما ثابتا وقارا يمكنها التفاوض حوله والتنازل من أجله لحق الأطفال والنساء والشيوخ والمستضعفين العزل ، بل لحق المرضى والمعطوبين ومن هم في العناية الطبية المركزة من المواليد الجدد والرضع .
كما أنها بينت كذب الادعاء عند الدول المسماة زعما بالمتقدمة والقوية والمتحضرة والساهرة على حقوق الإنسان والطفل والمرأة بل حتى الحيوان…
لكن، وعند التأمل فقد بدا لي أنها أي تلك الدول بحكامها الظالمين عبارة عن أسوأ ضباع بشرية انتهازية لا غير ، بحيث قد كان تعبير وزير الحرب الصهيوني حينما وصف أهل غزة الطاهرين والشجعان بالحيوانات البشرية خطأ صادقا في حقه كصهيوني و يعكس حالة نفسه ،الخنزيرية والقردية، ودولته الغاصبة و مؤيديه من دول الغرب ،بل حتى من العرب وغيرهم ،وخاصة الولايات الأمريكية المتحدة والمحرضة على الظلم والفتك بالبشرية والطغيان واستعراض القوة من غير احترام للقوانين الدولية ولا للمعاهدات والمبادئ وأخلاق الإنسان المتحضر والراقي …
إن هؤلاء الأشرار الذين يزعمون بأن دولتهم هي” إسرائيل” لا ينتمون بتاتا إلى إسرائيل النبي يعقوب ولا يصلون إليه بأية صلة ولا مبدأ أو عرق ، وذلك لمخالفتهم الكلية لعقائد يعقوب عليه السلام ومناقضتهم لتعاليمه وأحكامه وخاصة فيما يتعلق بالدماء البشرية والتي كان بنوا إسرائيل ممنوعون دينيا وعقديا من إزهاقها بغير حق ، وإلا فإن كل ما يسيل من دم بشري سينعكس عليهم حالا ومآلا ،وذلك مصداقا لقول الله تعالى بعد حادثة قتل قابيل لهابيل :” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”.
كيف يعقل ويستساغ أن يقتل الغزاويون الفلسطينيون أمام الكاميرات وبالأدلة المباشرة ،وعن قصد مع سبق الإصرار بالطائرات والدبابات وكل أنواع الفتك والشر التي تمتلكها دولة الصهاينة ثم تأتي الولايات المتحدة الأمريكية فتشكك في الجريمة ثم تعترض على وقف إطلاق النار ، بل توظف سلاح- الفيتو- بكل وقاحة وصلف وعنجهية ليس لها من هدف سوى إبادة شعب أعزل بأكمله ، ثم بعد ذلك تطالب بإطلاق الرهائن والذين ليسوا سوى مطلب للحرية ووسيلة للضغط كنتيجة لطول الأمد في المؤامرة الكبرى و التعذيب والتقتيل الذي مارسه ويمارسه الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني منذ 1948 إلى يومنا هذا .
فأي عدل هذا وأي قانون هذا وأية إنسانية هاته؟ . ناهيك عن مهزلة ما يسمى -بمحكمة العدل الدولية- والتي هي بدورها مسيسة ومسيرة من طرف الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ،بحيث لم تصدر أو تدْل بحكم واضح ولو من باب تبرئة الذمة في حق الشعب الفلسطيني المظلوم ، وإنما هناك المماطلة والتسويف واللعب على الألفاظ والعنصريات ووو ،وكأن أولئك (القضاة) يعطون مهلا ورخصا بغير تحديد للعدو الصهيوني من أجل الإمعان في الفتك بالغزاويين تحت ذريعة محاربة حماس. في حين لا تمثل حماس سوى فصيل وطني من فصائل المقاومة الفلسطينية والمطالبة بحقها شرعا وقانونا في الوجود وعلى أرضها لا غير، تماما كما هو عليه حال الفلسطينيين جميعا . فأين هو حياد القضاء ونزاهته ومسؤوليته أمام الله وأمام العباد وأمام الضمير المهني؟ وأين هي الشفافية والمنطق وعلم النفس والاجتماعي البشري…؟ .
لم أر في تصرفات هذه المحكمة وغيرها من المنظمات الغربية سوى النفاق والكيل بمكاييل وليس بمكيالين . بل تسهيل تقديم الفريسة على طبق بارد للمعتدي والمفترس بغير هوادة ولا قانون ، تماما كما تفعل الضباع حينما تنفرد وتحاصر فريستها ،وما أسوأها من محصارة وما أفظعها من جريمة وقتل لا يعرف سوى تحويل فريسته إلى أشلاء وعين على أثر!.
فأينكم أيها العرب وأينكم أيها الأتراك وأينكم أيها الفرس وأينكم أيها الأسيويون والأفريقيون والباكستانيون ووو؟ ماذا دهاكم وما ذا طرأ عليكم وممن تخافون ولماذا تتلكؤون وماذا تنتظرون ؟.
إنه لعذاب مشترك قد ينتظر الجميع إن لم يبادروا بأسرع ما يمكن للضرب على يد الظالم الصهيوني ومعه الأمريكي وحلفاؤه بشتى الوسائل والروادع والموانع ، وإلا فسيكون مصير كل دولة وخاصة تلكم المجاورة لغزة مباشرة ليس سوى الذل والمهانة والحساب العسير في الدنيا ثم التاريخ والآخرة ،مصداقا لقول النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:” عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيُّها النَّاس، إِنَّكُم لَتَقرَؤُون هذه الآية: يَا أَيُّها الَّذِين آمَنُوا عَلَيكُم أَنفسَكُم لاَ يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيتُم) [المائدة: 105، وَإِنِّي سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ النَّاس إِذا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَم يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيه أَوشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ “. صحيح – رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.