التخبط السياسي لنظام العسكر ينتهي بتأسيس جمهورية تكتوكية في أرض الجيران
بقلم .. عمر الطيبي
لا يمكن قراءة الفعل البليد الذي أقدم عليه الجنرال جبار مهنا مدير المخابرات الخارجية لنظام العسكر مؤخرا، بالاعلان عن تأسيس “جمهورية ريفية” تكتوكية في دار للايتام بالجزائر العاصمة، بمعزل عن المأزق الاستراتيجي الشامل الذي أصبح يتردى فيه هذا النظام منذ سنوات على الاصعدة الدولية والافريقية والعربية، وبالخصوص في علاقاته مع دول الجوار المباشر، حتى أنه أصبح يخبط خبط عشواء في محاولات يائسة للخروج من هذا المأزق من خلال الاعلان عن مشاريع وهمية كثيرة لا طائل من ورائها ولا جدوى، وكذا من خلال هذيان اعلامي، عام وخاص، لا يتوقف عن الكذب والتبجح والتدليس.
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر اعلان الرئيس عبد المجيد تبون من جانب واحد عن مشاريع اتفاقيات وهمية للتبادل الحر مع مجموعة من بلدان الجوار منها بالخصوص دول الساحل، في محاولة لامتصاص آثار الفشل المترتب عن الغاء حكومة مالي لاتفاقية الجزائر للمصالحة (مارس 2015)، ومنع نظام العسكر من طرف دول الساحل والصحراء كلها من التدخل في شؤونها الداخلية، ومن أمثلة ذلك أيضا استدراجه للرئس التونسي قيس سعيد، تحت ضغط الحاجة اليومية للتونسيين، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي الباحث عن شرعية اقليمية لدى تبون بدل أن يبحث عنها في صناديق الاقتراع الليبية، لعقد اجتماع على عجل من أجل تأسيس “اتحاد مغاربي” مبتور، وقد تم ذلك بدون برنامج ولا حتى جدول أعمال كما يفترض، وبطبيعة الحال فان النتيجة لم تتجاوز أكثر من الاتفاق على عقد لقاءات ثلاثية في ما بينهم وبالتناوب على رأس كل ثلاثة أشهر.
وقد ترافق ذلك مع بروز اضطرابات واختلالات على مستوى ادارة شؤون النظام وتدبير قضاياه في مختلف القطاعات، من ذلك ظاهرة اعلان الرئيس تبون لارقام فلكية وهمية جزافا وكيفما اتفق، كلما فتح فمه بالحديث عن قضايا التنمية في بلاده، كما ترافق مع ظاهرة غريبة أخرى لا تحدث الا في الجزائر، وهي اعادة تدشين المشاريع، ذات الاهمية في نظر النظام وبعضها يعود لعهد بوتفليقة، مثنى وثلاثا، هكذا مثلا تم تدشين مسجد الجزائر الكبير ثلاث مرات، احداها على شرف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، كما تم تدشين بعض ملاعب كرة القدم مرتين وحتى ثلاثة على غرار ما حدث سنة 2023 بمناسبة احتضان الجزائر للالعاب العربية ولكأس افريقيا للاعبين المحليين (الشان).
وتم على مستوى العلاقات الخارجية تدشين المعبر البري الرابط بين مدينتي تندوف والزويرات الموريتانية مرتين احداهما بمشاركة وزير في حكومة أيمن بن عبد الرحمان سنة 2018 والثانية بحضور تبون شخصيا مطلع السنة الجارية، هذا فضلا عن تدشين خط بحري بين وهران ونواديبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا مرتين متتاليتين، ولان هذا الخط قد توقف تماما بمجرد تدشينه فمن غير المستبعد أن يتم تدشينه مستقبلا للمرة الثالثة إذا أمد الله في عمر تبون ومنحه العسكر عهدة رئاسية ثانية وهكذا.
أما وقد أصبحت جمهورية الراحلين بومدين والقذافي هشيما تذروه رياح حمادة تندوف، فقد سارع نظام العسكر الى القيام بمحاولة فاشلة بالضرورة لفبركة جمهورية أخرى في شمال المملكة المغربية بعد فشل مشروع إنشاء أختها البكر في جنوبها، عله وعساه يتمكن من وضع حصيات أخرى في حذاء المخزن، وأن يداري في الوقت نفسه أمر فضيحة هذا الوهم الذي زرعه وظل يرعاه بالطبل والمزمار في عقول الجزائريين باقامة كيان انفصالي تابع له في الصحراء المغربية لمدة فاقت الخمسين سنة بلا طائل ولا مردود، وذلك بتكلفة فادحة فاقت 500 مليار دولار، كان من الاولى والاجدى صرفها على تنمية البلاد وتحسين أوضاع الشعب الجزائري المسكين.
وبهذا الابداع الكابراني الجديد يكون تخبط نظام العسكر في معالجة أوضاعه المأزومة قد بلغ أوجه، ونتمنى أن لا يتطور الى ما هو أخطر من ذلك.
لقد تولى تنفيذ هذه المهمة التكتوكية أحد أبرز قتلة العشرية السوداء وأكثرهم فسادا وابتزازا لرجال الاعمال في منطقة القبائل، فالجنرال جبار مهنا رئيس مديرية التوثيق والامن الخارجي ومؤسس “جمهورية الريف” الوهمية، هو أحد أبرز جنرالات الدم خلال عقد تسعينات القرن المنصرم، وهو من الذين انخرطوا مبكرا في صراع الاجنحة لترتيب خلافة بوتفليقة والانفراد بالثروة والسلطة الى جانب الجنرالين سيئي الذكر توفيق مدين وخالد نزار، صراع أسفر عن اعتقاله تحت ضغط الحراك الشعبي سنة 2019، وايداعه السجن العسكري بالبليدة بعدة تهم من بينها الاثراء غير المشروع، وذلك الى ان أعيد له الاعتبار رفقة زميليه سابقي الذكر سنة 2020، ثم جرى بعد ذلك تنصيبه على رأس وكر الجواسيس الجزائريين في شتنبر 2022، رغم معارضة تبون كما تردد في أوساط المعارضة في ذلك الإبان.
اعتمد الجنرال الجزائري (القبائلي) في الاعلان عن تأسيس جمهوريته التكتوكية على شرذمة من رعاع المجتمع المغربي من مهربي المخدرات والمرتزقة المتاجرين في الممنوعات بجميع أنواعها، ومن بينهم أولئك الدائرين في فلك اسكوبار الشمال، النائب البرلماني الفاسد الفار من العدالة سعيد شعو، فجعل منهم في الوقت نفسه الشعب واعضاء الحزب وقيادة الثورة في جمهوريته الوهمية، أما أمر المظاهرات المعادية للمغرب فأسندها لمخبري وعملاء جهازه الفاشل من الجزائريين المنتشريين في المدن الاوروبية، أصحاب شعار “اعطيلو البنان المروكي حيوان” ان كنتم تذكرون، فهؤلاء إنما كانوا يناضلون نيابة عن الجمهوريين الانفصاليين، وكفى الله الخونة العملاء شر النضال.