عربدة الأسعار في رمضان!
اسماعيل الحلوتي
خلافا لما سبق أن ادعته حكومة أخنوش من أن أسعار المواد الغذائية ستعرف انخفاضا خلال الشهر الفضيل رمضان لعام 1445، حيث قال الناطق الرسمي باسمها والقيادي في حزب “الأحرار” مصطفى بايتاس، بثقة زائدة في النفس إبان الندوة الصحفية التي تلت الاجتماع الأسبوعي للمجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 29 فبراير 2024: “اليوم نحن سعداء، الحمد لله، التضخم ماض نحو الانخفاض، وهذا مؤشر إيجابي، إضافة إلى أن الحكومة ستستمر في تعبئة كل الإمكانيات الممكنة لمواجهة أي أزمة محتملة”…
فإنه على بعد ساعات قليلة من الإعلان عن أول أيام الشهر الكريم رمضان، تفاجأ المواطنون باشتعال لهيب الأسعار ثانية في عدد من المواد الاستهلاكية والمنتجات الغذائية، بعد أن كانت عرفت انخفاضا ملحوظا من قبل لأسباب لم تعد خافية، ولاسيما تلك التي يتم الإقبال عليها أكثر من الأيام العادية، وتأتي في مقدمتها الخضروات والفواكه وخاصة الطماطم والفلفل والبرتقال وأسعار الأسماك والدواجن التي سجلت أرقاما قياسية، مما خلف استياء عميقا في أوساط الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين لم يخف الكثير منهم تذمرهم من اتساع دائرة المواد التي عرفت زيادات صاروخية، وأضحت خارج قدرتهم الشرائية وفي غير متناولهم. وهو ما دفع ببعض نشطاء الفضاء الأزرق إلى التعبير عن غضبهم والتنديد بموجة الغلاء، عبر منصات التواصل الاجتماعي…
ذلك أنه في أسواق بمدينة الدار البيضاء مثلا عرفت أسعار بعض المواد زيادات خيالية، حيث قفز ثمن الطماطم وحدها إلى ما بين 6 و8 درهم للكيلو، والبصل إلى 6 درهم، فيما وصل سعر الموز المستورد حوالي 17 درهم وتراوح سعر المحلي منه بين 10 و12 درهم، والبرتقال المخصص للعصير 7 دراهم. كما أن أثمان السمك عرفت بدورها ارتفاعا رهيبا، إذ بلغ السردين 25 درهما، و”الصول” 100 درهم، وتراوح “القيمرون” بين 120 و140 درهما و”الميرلان” من 70 إلى 100 درهم… أما أسعار اللحوم الحمراء، فإنها تسير نحو تكرار سيناريو السنة الفارطة كما يؤكد ذلك مهنيون في القطاع، بعد أن ناهز ثمن لحم العجول 100 درهم للكيلو الواحد وبلغ حد 120 درهم بالنسبة للحم الغنم…
ويتساءل مواطنون كثر باستغراب شديد حول الأسباب الكامنة خلف هذا الارتفاع الجنوني المتواصل في أسعار الخضروات والفواكه والأسماك في بلد فلاحي وساحلي يتوفر على ثروة سمكية هائلة؟ وإذا كان بعض المهنيين يرون أنها زيادات عادية تتكرر مع مطلع كل رمضان، الذي يتضاعف فيه الاستهلاك، ويفسر بعضهم ذلك إلى ارتفاع الطلب على السلع الغذائية الأساسية، وخاصة الطماطم التي تشكل المادة الأساسية في تهييء شربة “الحريرة”، بالنسبة لمعظم الأسر المغربية، مؤكدين على أن الإفراط في الطلب والتهافت على اقتناء بعض المواد الغذائية، يؤثر بشدة على العرض في السوق خلال شهر الصيام.
وإذا كان جل المواطنين والمتتبعين للشأن العام ببلادنا يرون فيما تشهده الأسواق المغربية من فوضى عارمة في الأسعار، رغم ما اتخذته السلطات المعنية من تدابير وإجراءات بهدف ضمان استقرار الأسعار، نوعا من ازدهار ما بات يعرف بظاهرة “الشناقة” خلال رمضان وغيره من المناسبات الدينية والأعياد، بحثا عن الاغتناء السريع أمام انعدام المراقبة الصارمة. حيث يستغل التجار الكبار ومعهم الوسطاء والمضاربون ارتفاع الطلب من قبل المواطنين على بعض المواد الغذائية، وإقبالهم الكثيف على مختلف أنواع السمك، ويعد ذلك من بين أبرز العوامل الرئيسية المساعدة في إذكاء المضاربة وتعدد المتدخلين، مما يخلق ندرة في المواد الغذائية ويساهم في الاحتكار وارتفاع الأسعار.
فإن مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أفادت في المقابل بأن العرض يغطي الحاجيات من كل المواد والمنتجات ذات الاستهلاك الواسع خلال شهر رمضان لعدة أسابيع أو عدة شهور حسب نوعية السلع، معتمدة في ذلك على تقارير مصالح القطاعات الموكول إليها مهمة السهر على التتبع اليومي لأسواق المواد الأكثر استهلاكا، وما أكدته اللجنة الوزاراتية المكلفة بتتبع التموين والأسعار وعمليات المراقبة عن كون الأسواق مزودة بشكل وافر وبتنوع كبير من المواد الغذائية…
وبصرف النظر عن الاختلاف القائم حول حقيقة ارتفاع الأسعار من انخفاضها بين السلطات العمومية والمستهلك المغربي المحترق بنيران الغلاء، فإنه يحز في النفس كثيرا أن نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة على مر السنين، حيث أن الارتفاع المفرط في الأسعار خلال الشهر الفضيل رمضان صار من المسلمات، في ظل ما نراه من سلوكات موسمية ترتبط بالمضاربة والاحتكار، ولاسيما أن هناك تصاعدا في أعداد الوسطاء بين كبار المزارعين والمستهلك النهائي، مما يؤدي إلى تأجيج نيران الأسعار في غياب الإرادة الحقيقية للتصدي لكافة المفسدين.
بيد أن هذا لا يعفي من كون ارتفاع الأسعار مسؤولية مشتركة تقع على كاهل الفاعلين الاقتصاديين والحكومة والمواطنين أنفسهم، مما يستدعي تدخل الحكومة للحد من تأثير الوسطاء في تركيبة الأسعار، الضرب بيد من حديد على العابثين بالأسعار، نشر الوعي في أوساط المواطنين بما للتضخم من أضرار على المجتمع، والدعوة إلى ترشيد الاستهلاك دون اللجوء إلى التخزين غير اللازم لبعض المواد الغذائية، والتنبيه إلى ما يحدثه التهافت على اقتناء المواد الغذائية من ندرة صارخة في عدد من السلع وتأثير كبير على العرض في الأسواق.