ملاحظات حول المذكرة رقم 134X24 بشأن تنزيل برنامج “إعداديات الريادة”
علي العلوي
بعد مشروع “مدارس الريادة” الذي تم الشروع فيه خلال هذه السنة الدراسية 2023-2024، والذي سيعرف توسيعا محدودا خلال الموسم الدراسي المقبل، صدرت المذكرة الوزارية رقم 134X24 بتاريخ 18 مارس 2024 بشأن تنزيل برنامج “إعداديات الريادة” برسم الموسم الدراسي 2024-2025، وذلك في إطار تفعيل رزنامة المشاريع المتعلقة بخارطة الطريق 2022-2026، وأجرأة هذا البرنامج في مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي العمومي وفق منهجية تشاركية مع مختلف الفاعلين في المنظومة التربوية، واعتمادا على طرق تربوية وبيداغوجية مبتكرة تساهم في الارتقاء بقدرات التلميذات والتلاميذ، وتوفر مناخا جذابا لهم، وتحفزهم على المواظبة والاجتهاد وتنمية الذات، وفق ما ورد في هذه المذكرة.
وفي إطار النقاش والتفاعل مع بعض المقتضيات الواردة في هذه المذكرة، أدلي بملاحظات حولها بدت لي وأنا أتصفح فحواها، وذلك دون التطرق إلى الأخطاء اللغوية والمطبعية التي كان بالإمكان تجنبها من خلال قراءة متأنية من قبل أهل الاختصاص.
بداية أشير إلى أن المذكرة الوزارية رقم 134X24 قد نصت على التزام إعداديات الريادة “بإعداد وتنزيل مشروع المؤسسة المندمج تحدد فيه أولويات المؤسسة”، في حين أن المذكرة رقم 014X24 الصادرة بتاريخ 06 فبراير 2024 بشأن مشروع المؤسسة المندمج بمؤسسات التربية والتعليم لم ترد فيها مرحلة تحديد الأولويات كما جاء في المذكرات السابقة رغم أن المنهجية المعتمدة في المذكرة بقيت على الرسم نفسه DEPART؛ فالحرف اللاتيني P الذي كان يرمز سابقا إلى تحديد الأولويات Priorités ، أصبح يرمز إلى مرحلة التخطيط والبرمجةPlanification et programmation ، التي تعني حسب المذكرة المشار إليها “إعداد الوثيقة الأولية لمشروع المؤسسة المندمج من خلال تحديد القيم المستهدفة لمؤشرات تتبع الأهداف الاستراتيجية الثلاثة لخارطة الطريق، بالإضافة إلى تحديد العمليات التي سيتم إنجازها وتقدير الميزانية الضرورية لتنفيذها ووضع مؤشرات تتبعها”. والأهداف الاستراتيجية الثلاثة لخارطة الطريق هي: أولا، مضاعفة نسبة التلاميذ المتحكمين في التعلمات الأساس؛ ثانيا، تقليص الهدر المدرسي بنسبة الثلث؛ ثالثا، مضاعفة نسبة المستفيدين من الأنشطة الموازية. هكذا لم يعد مطلوبا من المؤسسات التعليمية تحديد الأولويات كما كان معمولا به سابقا، وإنما تحديد العمليات المرتبطة بهذه الأهداف.
من جانب آخر، تنص هذه المذكرة على المواكبة النفسية والدعم الاجتماعي للتلاميذ المعرضين لخطر الهدر المدرسي من قبل مستشار التوجيه والمختص الاجتماعي، ولعل المقصود هو المواكبة النفسية والاجتماعية التي كانت إحدى مهام المستشار في التوجيه التربوي الواردة في النسخة الأولى من النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، لكن النسخة المصادق عليها من قبل الحكومة والمنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 26 فبراير 2024 لم ترد فيها هذه المهمة، في حين أنها نصت بشكل صريح وواضح على أن من مهام المختص الاجتماعي “المواكبة النفسية والاجتماعية والصحية للمتعلم”.
ورد أيضا في هذه المذكرة ما يلي: “يترأس اللجنة المحلية مدير(ة) المؤسسة التعليمية، وتتألف من الأساتذة والمفشين والأطر الإدارية، ومستشاري التوجيه”، والسؤال المطروح هنا: متى كان المفتشون أعضاء في لجان محلية؛ أي لجان مرتبطة بالمؤسسات التعليمية، علما أنهم يعملون في مناطق تربوية تحت الإشراف الإداري للمدير الإقليمي؛ فلو كان الأمر متعلقا باللجنة الإقليمية، فهذا مستساغ ومقبول بالنظر إلى الانتساب الإداري لهيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم. ولقد نصت المذكرة نفسها على عضوية المفتشين المواكبين لإعداديات الريادة في الفريق الإقليمي الذي يعمل تحت إشراف المدير (ة) الإقليمي(ة)، وليس برئاسته كما هو الشأن بالنسبة إلى اللجنة المحلية. وكيفما كان الحال، لا يمكن لمذكرة أن تتجاوز صفتها التنظيمية والتوجيهية بأي وجه من الأوجه. والملاحظ أن المذكرة رقم 022X23 الصادرة بتاريخ 18 ماي 2023 بشأن تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة” بالمدارس الابتدائية لم تنص على عضوية المفتشين في الفريق المحلي لمشروع “مؤسسة الريادة”، بل حصرت أعضاء هذا الفريق في مدير(ة) المؤسسة التعليمية وأستاذ(ة) منسق(ة) وأساتذة مؤسسة الريادة؛ فقياسا على ذلك ينبغي أن تضم اللجنة المحلية أو الفريق المحلي مدير(ة) المؤسسة التعليمية وأعضاء يعملون تحت الإشراف الإداري له، ومن صلاحياته أن يوجه لهم دعوات لحضور اجتماعات هذه اللجنة بشكل مباشر.
ومن بين التدابير اللازم اتخاذها استعدادا للدخول المدرسي بإعداديات الريادة، نصت المذكرة رقم 134X24على “ضرورة وضع التوزيع النهائي لمناطق التفتيش بشكل يراعي إسناد التأطير المزدوج لإعداديات الريادة للمفتشين المواكبين لهذه المؤسسات، وموافاة الفريق الجهوي المكلف بالتوزيع بها”. وهنا يتعلق الأمر بعملية “نسخ ولصق” العبارة التي وردت في المذكرة رقم 022X23 الصادرة بتاريخ 18 ماي 2023 بشأن تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة”، مع استبدال إعداديات الريادة بمؤسسات الريادة، مما نتج عنه خلط واضح بين خصوصية كل سلك تعليمي على مستوى التفتيش التربوي، حيث إنه لا وجود للتأطير المزدوج بالتعليم الثانوي الإعدادي، وإنما هناك تأطير للأساتذة من قبل المفتشين التربويين وفق مادة التخصص. ولقد جرت أيضا عملية “نسخ ولصق” العبارة التالية: “الحسم في الصيغ النهائية للتنظيمات التربوية قبل متم السنة الدراسية الجارية”، والحال أن التنظيمات التربوية مرتبطة بتدبير الشأن الإداري والتربوي بالمدارس الابتدائية، وتعد المذكرة الوزارية رقم 39 الصادرة بتاريخ 06 فبراير 1981 بشأن “مجالس المعلمين” أهم وأقدم نص تنظيمي صادر عن الوزارة الوصية بخصوص استشارة “مجلس المعلمين” في توزيع الأقسام على المعنيين.
في الختام أقول إن لكل سلك تعليمي خصوصياته التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار خلال أي مخطط لتنزيل مشروع أو برنامج معين. وفي هذه الحال، يقتضي تنزيل برنامج “إعداديات الريادة” بلورة تصور واضح ومتكامل لمشروع الريادة، حتى لا يقع اختزال للأمر في عملية إسقاط منهجيات واستراتيجيات معتمدة في مدارس الريادة على إعداديات الريادة. والرأي عندي أنه لو تم تنظيم أيام دراسية على المستوى الوطني بحضور خبراء وممثلين عن مختلف المتدخلين لبلورة هذا التصور، وصياغة نص تنظيمي يمهد لعملية التنزيل المشار إليها، لأمكن تجاوز الخلط الملاحظ في المذكرة الوزارية رقم 134X24موضوع حديثنا.