الذين هم عن صلاتهم ساهون
المصطفى حميمو
من خير ما يشتغل به الصائم في هذا الشهر الفضيل هو التدبّر في كتاب الله لقوله تعالى ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾. وهكذا كنت ولا زلت أتوقف عند قوله تعالى ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ متسائلا عمن يكونوا حقا وقد توعدهم الله بالويل أي بالهلاك. فلا يتعلق الأمر طبعا بالساهين فـــــــــي الصلاة. ذلك السهو معذور، لقوله تعالى ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. ومن تمّ لا يتوعدهم الله بالويل أي بالهلاك. إلا أن معظم التفاسير إلّم أقل كلها، فسرت ذلك السهو عــــــــــن الصلاة في الآية الكريمة بإخراج أدائها عن وقتها. وبما أن الله قد توعّد المصلين الساهين عـــنـــهـــا بالويل أي بالهلاك أتساءل قائلا أليس المقصود بهم كذلك صنف من الذين يؤدونها في وقتها؟ أليس المقصود بتلك الصلاة موضوع السهو عـــــنــــهـــا، هو الدعـــــــــــــاء، ما دام معنى الصلاة لغة هو الدعاء prière؟ فمن يكونوا يا ترى مع كونهم لا يخرجون صلاتهم عن وقتها؟
الصلاة المقامة كلها دعــــــاء حين القيام والركوع والسجود. ولذلك سماها الله صلاة. ولبّ الدعاء في كل ركعة تتضمنه سورة الفاتحة التي لا تجوز الصلاة من دون تلاوتها جهرا أو سرا. فيقول المصلون في كل ركعة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. وطلبُ الحصول على تلك الهداية ليس بطبيعة الحال أثناء أداء الصلاة، وإنما من بعد الخروج منها إلى الحياة اليومية بين الناس. يطلب المصلون الحصول عليها في حياتهم المعيشية بين الناس ما بين كل صلاة والتي تليها. وذلك وفق متطلبات الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
وهكذا أتساءل قائلا أليس المصلون الساهون عن صلاتهم في الآية الكريمة هم كذلك الذين لا يخرجون الصلاة عن وقتها ولا يتركونها ولكنهم ساهون في حياتهم اليومية عن صلاتهم فيها بمعنى عن دعــــائــــهم فيها بقولهم في كل ركعة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ …﴾. وذلك لما يراؤون من طرف الناس وهم يتّبعون عكس ذلك تماما. يتبعون سُبل المغضوب عليهم والضالين بظلمهم للعباد وفق متطلبات أهوائهم وشهواتهم وأحيانا مع العزة بالإثم؟ أليس أولئك هم الذين يصدق عليهم قوله تعالى ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ…﴾ الآية، بالرغم من عدم إخراجهم الصلاة عن أوقاتها؟ أليس هم من استحقوا بذلك من الله أن يتوعهم بالويل؟
وإلا أليس من واجب المصلين الصادقين في دعائهم بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم في كل صلاة أن يـــســـعـــــوا إليها من بعد قضاء كل صلاة في واقعهم المعيش بين الناس كي يتقبّل الله دعاءهم فيزيدهم هدىً من بعد ما اهــــتــــدوا كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ ؟ وإلا كيف يهديهم الله إلى ما طلبوه من هداية في كل صلاة وهم في واقعهم المعيش يسلكون سبل المغضوب عليهم والضالين بظلمهم للعباد وفق متطلبات أهوائهم وشهواتهم؟
فبالإضافة إلى من يُخرجون الصلاة عن أوقاتها، كما جاء في كل التفاسير، لا تزال تلك هي القراءة التي يطمئن إليها قلبي في قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾. لأن الذين يُخرجون الصلاة عن وقتها لا يراؤون كما قال تعالى ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾. بل كما تقدم، الذين يراؤون في الواقع المعيش هم الذين يتبعون سبل المغضوب عليهم والضالين بظلهم للعباد من بعد القيام بالصلاة ولو في وقتها. وقد قال تعالى ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
فتوعد سبحانه بالويل المخالفين لذلك الأمر يوم القيامة ولو جاءوه بصلاتهم وصيامهم وزكاتهم وقد أدوها شكلا ومظهرا على أحسن وجه. فالله غني عنها وعن العالمين إلم تنفعهم في حياتهم الدنيا بين الناس. وتأمل ذلك في الحديث الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وَقَذَفَ هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طرح في النار».
فنسأل الله في هذا الشهر الفضيل وفي كل وقت وحين الهداية إلى صراطه المستقيم مع التوفيق منه في الاهتداء إليه إثر كل صلاة، مستحضرين دعاءنا أي صلاتنا فيها بقولنا ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ …﴾. فلا نظلم ولا نعتدي على حرمات أحد، حتى لا نكون بذلك من المصلين الساهين عن صلاتهم أي عن دعائهم ذاك، ونعوذ بالله من الويل الذي توعدهم به. آمين.