الرد الإيراني “الفنكوشي”
نورالدين زاوش
من المحال أن يصدق عاقل يرى أبعد من نعليه ما يراه بعينيه في الرد الإيراني المدعاة للسخرية والاشمئزاز؛ فلأول مرة في التاريخ، منذ أن اكتشف الإنسان النار، تتخلى الحرب عن أهم عنصر من عناصر قوتها ألا وهو عنصر المفاجأة والمباغتة؛ بل أكثر من ذلك، فقد صرّح وزير خارجية إيران أمام كاميرات العالم بأنهم أبلغوا أمريكا بكون الرد سيكون محدودا في الزمان والمكان؛ وإذا كان هذا التصريح قد جرى أمام مرأى ومسمع الجميع، فلك عزيزي القارئ أن تتصور حجم الفظاعات التي تدور في الكواليس المُعتمة وخلف الأبواب الموصدة.
من المضحك المبكي أن تنتفخ أوداج إيران وتَنْفُشَ ريشها بردها “الفنكوشي” الذي لم يقتل جنديا واحدا ولا جرحه أو حتى خدشه، ولم يدمر قاعدة عسكرية، ولم يُسقط طائرة أو حتى طائرا، وكل ما تمكن من فعله أنه أصاب البحر الميت ببعض الصواريخ؛ مما أدى إلى إعادة قتله من جديد، كما أنه أصاب “الحديقة الخلفية” للقاعدة الجوية “نفاتيم”، فتسبب في حفرة يمكن ردمها في ربع ساعة؛ أو دفن فيها ما تبقى من الفلسطينيين؛ الأمر الذي يجعلني أشعر بالغثيان كلما تذكرتُ وعد إيران ووعيدَها لعشراتِ العقود بأنها سوف تلقي بإسرائيل في البحر.
ليست هذه المرة الأولى التي تتواطأ فيها إيران مع أمريكا ومن دار في فلكها، فباعُ إيران في الكولسة والتآمر أطول من كل طويل؛ هذا ما صرّح به “ترامب” يوم كان رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدا على أن إيران أبلغت الإدارة الأمريكية بأنها مجبرة على الرد بعد اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” لحفظ ماء الوجه، وأنها التمست العذر منها بعزاء الإفصاح عن إحداثيات الضربة التي استهدفت “الحديقة الخلفية” لقاعدة “عين الأسد” الأمريكية في العراق؛ دون أن تقتل جنديا أمريكيا واحدا ولا جرحته أو حتى خدشته.
إن المتتبع عن كثب لما نشرته الصحف العبرية ليوم السَّعد كما وصفته، وما أذاعته القنوات العبرية وهي مُنتشية بالنصر الكبير الذي حققته، والفتح المبين الذي أحرزته؛ مدعية بأن سماء الشرق الأوسط بأكمله كان مُأمَّنا من لدن سلاح الجو الإسرائيلي، وأن طائراتها الحربية ومنظومة دفاعاتها الجوية تمكنت من صدّ 99% من الصواريخ عديمة الجدوى والمسيرات عديمة النفع والفائدة؛ اللهم دغدغة عواطف كثير من الناس الذين ما زالوا يتوهمون، عن سذاجة مفرطة أو غباء منقطع النظير، بأن من يلعن عمر بن الخطاب فاتح القدس، رضي الله عنه وأرضاه، قادر على أن يعيد فتحها من جديد، كما قال شيخ الأقصى “رائد صلاح” على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي.
إن الهدية التي قدمتها إيران المجوسية لإسرائيل في هذا الوقت العصيب، أغلى حتى من الصواريخ والطائرات والقنابل التي تهبها أمريكا وبريطانيا من أجل قتل أطفال ونساء فلسطين الأبية؛ لأنها أنقذت ماء وجه إسرائيل، وأعادت إلى الواجهة “أسطورة الجيش الذي لا يقهر”، وأحيت بذلك تلك الجثة الصهيونية الخبيثة التي كانت تلفظ آخر أنفاسها بعد ملحمة السابع من أكتوبر؛ ووحدت الدول العظمى حول حماية إسرائيل بعدما كادت أن تشرد، وأنقذت حكومة “نتانياهو” من التصدع، ونشرت ما يكفي من الأمن والطمأنينة في نفوس الإسرائليين الذين سوّلت لهم أنفسهم هجرة إسرائيل.
حتى أولئك الساذجين المناهضين للصهيونية، والذين يرقصون فرحا بخسارة إسرائيل لمليار “شيكل” أو مليارين حسب ما قدَّره الملحق الاقتصادي التابع لجريدة “هآرتس” العبرية، فإن هذه الأخيرة، سوف تسترجعها أضعافا مضاعفة ببيع منظومات الدفاع الجوية التي أثبتت فاعليتها أمام الصواريخ الخردة لإيران، الراعي الرسمي لتسويق الصناعة الحربية الإسرائيلية بدون منافس.
نورالدين زاوش
عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة