خزانة جامع القرويين بفاس أصبحت لا تليق بمكانتها التاريخية كمنارة للعلم والمعرفة في قلب مدينة لم تعد جديرة بلقب العاصمة العلمية للمملكة
عزيز باكوش
خزانة جامع القرويين بفاس أصبحت لا تليق بمكانتها التاريخية كمنارة للعلم والمعرفة في قلب مدينة لم تعد جديرة بلقب العاصمة العلمية للمملكة . فكيف السبيل إلى استرجاع الخزانة مجدها وتفعيل ديناميتها في المشهد الثقافي والحضاري ؟
الدكتورة إيمان أضادي خبيرة في علم المكتبات نشرت مقالا اختارت له كعنوان – خزانة جامع القرويين وجهة الطلبة والباحثين بين الحذر والتمكين – أشرت فيه على الوضع المتردي وغير اللائق لهذه الخزانة. وأشارت إلى أن شاوش بالباب من يتحكم في ولوج هذه المعلمة الحضارية بناء على استمزاج يتضمن جملة أسئلة تسمح للباحث والمتعالم بالدخول من عدمه .
وسجلت الدكتورة إيمان أضادي بأن الطريقة التي تدار بها شؤون الخزانة اليوم غير مجدية ولا تليق بتاريخها العريق . ووجهت دعوة إلى الأوصياء إلى التفكير جديا في الخروج من قوقعة التدبير السيئ للخزانة ،لا سيما في ظل الحراك الذي يشهده العمل الجمعوي الموضوعاتي بفاس.
مقال هام حول ماضي وراهن خزانة جامع القرويين بفاس ،أعرق وأهم الخزانات التاريخية بالمغرب والوطن العربي. يسلط الضوء على خزانة جامع القرويين في تزامن مع اليوم العالمي للكتاب . وهي مناسبة أرادت الكاتبة من خلالها لفت الانتباه إلى هذه المعلمة الحضارية التي كان لها دور مهم في خدمة البحث والباحثين منذ تأسيسها منتصف القرن الثامن الهجري. والدكتورة إيمان أضادي لمن لا يعرفها متخصصة في علم المكتبات والمعلومات، ومهن الوساطة، وهي إلى ذلك كاتبة وناقدة نشرت العديد من الإصدارات الفردية والجماعية، كما أن لها إسهامات في مجموعة من المؤسسات الثقافية المغربية الوازنة، عضو الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة.
ويمكن اعتبار المقال رثاء مؤلما لخزانة مكتبة ظلت إلى وقت قريب تؤدي دورها التنويري، وتضطلع بالإشعاع الفكري والثقافي، يقصدها كل طلاب العلم والمعرفة من داخل المغرب وخارجه دون قيد أو شرط، ينهلون من ذخائرها وكنوزها الثمينة. ضمن هذا السياق التاريخي،أبرزت الكاتبة أهمية اعتناء السلاطين والملوك بهذه المعلمة عبر العصور، كان أولهم السلطان أبي عنان المريني الذي أولاها عناية خاصة” تضيف الكاتبة ” وجعلها مفتوحة في وجه عموم الباحثين وفق نظام معين، دون قيد أو شرط” . ولتأكيد هذه العناية استشهدت بكلمة السلطان أبوعنان التي نقشت فوق باب خشبي بالخزانة بخط النسخ يقول فيها:
“الحمد لله حق حمده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعبده، ورضي الله عن الخلفاء القائمين بالحق من بعده مما أمر به من أحيا الله بإيالته الأنام، وتدارك بدولته الإسلام، أمير المؤمنين، المتوكل على رب العالمين، قطب ملوك الزمان، المظفر المنصور المولى أبو عنان، ابن الخلفاء الراشدين المرضيين، أدام الله للمسلمين أيامه، ونصر أعلامه، أنشأ هذه الخزانة السعيدة، الجامعة للعلوم الحميدة، المشتملة على الكتب التي أنعم بها من مقامه الكريم، المحتوية على أنواع العلوم، الواجب بها التعظيم والتكريم. جعل ذلك نصره الله وقفا مؤبدا لجميع المسلمين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، حضا منه أيده الله على طلب العلم وإظهاره وارتقائه واشتهاره، وتسهيلا لمن أراد القراءة والنسخ منها والمطالعة والمقابلة، وليس لأحد أن يخرجها من أعلى المودع التي هي فيه، ولا يغفل المحافظة عليها والتنويه، أراد بذلك وجه الله العظيم، وثوابه الجسيم، ضاعف الله بذلك حسناته، ورقى في الجنات درجاته، وأطال ملكه، ونظم بالصالحات سلكه. وذلك في جمادى الأولى، عام خمسين وسبعمائة هـ. أوصله الله بالبركات الزكيـــــة”.
وخلصت دة أضادي إلى اعتبار وثيقة التأسيس إشارة صريحة إلى أمرين مهمين أولهما، أن الخزانة ورصيدها وقف لجميع المسلمين دون شرط” والأمر الثاني هو الهدف من هذا الوقف المتمثل في التشجيع على طلب العلم وإظهاره وارتقائه وإشهاره وتسهيلا لمن أراد القراءة والمطالعة”
واستنادا على ذلك، شككت الكاتبة في نوايا الأوصياء على الخزانة بخصوص فضيلة الوفاء بوثيقة التأسيس. حيث لاحظت أن خزانة القرويين اليوم أصبحت وقفا على مؤسسة بعينها ” و برأي الكاتبة ذاتها فإن ولوج هذه المكتبة بات مرهونا بموافقة حارس الباب الذي يوجه للراغب في دخول المكتبة وابلا من الأسئلة من قبيل: من أنت؟ ماذا تريد؟ وهل لديك موعد؟ وهل لديك بطاقة انخراط؟ وهل لديك تصريح بالسماح بالدخول من رئاسة جامعة القرويين؟
قد يبدو الأمر ضروريا لأول وهلة، لأن الدخول لمن هب ودب يفسد للود القضية . لكن بالنظر إلى السياق والتحولات التي يشهدها الحقل الثقافي اليوم يجعلنا في أمس الحاجة إلى توسيع رقعة القراء، بجذبهم إلى المكتبات وليس بتنفيرهم منها ووضع العراقيل أمامهم. وهنا تتساءل د أضادي ” كيف يعقل أن يرفض حارس مكتبة بمزاج، أن يسمح لطالب علم من أبناء المدينة، أو باحث تجشم عناء السفر من مدينة أخرى ليستفيد من ذخائر هذه المكتبة التي يضرب رصيدها في جذور التاريخ، بدعوى أنه عليه إحضار تصريح الدخول من رئاسة الجامعة؟
وتابعت الخبيرة في علم المكتبات متسائلة ” هل انتقلت المكتبة من الإشراف المباشر لوزارة الثقافة، إلى الإشراف المباشر لوزارة الأوقاف لتضييق وحصر المستفيدين من ذخائرها؟ وقد نستفيق يوما ما لنجدها قد أصبحت وقفا على هذه المؤسسة مغلقة في وجه العموم؟ منبهة إلى انزياح ملموس عن الهدف الاسمى للخزانة ، وخمنت في أن يكون الوضع الحالي مجرد سوء فهم من بعض الموظفين المشرفين على هذه الخزانة،”
من جهة ثانية يشكل المقال دعوة صريحة وواضحة إلى الوزارة الوصية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإعادة النظر في طريقة الولوج لهذه الخزانة والاستفادة من ذخائرها، مع الحرص على الحفاظ على رصيدها الهام والثمين من الضياع. المقال نبه كذلك إلى ضرورة سن قوانين ملائمة للعصر دون أن تكون هذه القوانين حجر عثرة في طريق الباحثين والقراء، وأن تسند الأمور إلى أهلها وليس إلى حارس باب الخزانة الذي يعطي الانطباع بأنه مالكها أو مديرها بالنيابة”
كما اقترحت إسناد هذه المهام لموظفين على قدر من التكوين واللياقة . هم أولى باستقبال القراء والباحثين ومد يد المساعدة إليهم. لا سيما مع تنامي الإلحاح على القراءة والمطالبة بالبحوث العلمية الرصينة، وتنامي كثرة الجمعيات الثقافية والقرائية والجوائز التحفيزية والمؤسسات التنويرية وفي ظل المشروع الوطني للقراءة .كل هذه المؤسسات التي يصب عملها في الدعوة إلى القراءة والبحث العلمي، تحتاج إلى مكتبات يستفيد منها باحثوها، ونحن في مدينة فاس نعتز بخزانة القرويين فضاءا تاريخيا متميزا كان له إشعاع ثقافي لعقود من الزمن ونريد له الاستمرارية، وحبذا لو جعلت قاعته فضاءا لندوات علمية مع مؤسسات ثقافية شريكة جادة، لنعيد لهذه الخزانة مجدها العريق وللتذكير بالأهداف الأولى لنشئتها.”..