جماعة سيدي لحسن : زيارة تفقدية لنبع،،بوحريز،،
محمد شحلال
تقع عين،،بوحريز،،في قمة سلسلة جبال،،الكعدة،،بتراب جماعة سيدي لحسن.
كانت المنطقة مشهورة في القديم بغطائها الغابوي الكثيف والمتنوع، وفي مقدمته شجر البلوط.
عندما استتبت الأمور للمستعمر الفرنسي،أقام مركزا لمصلحة المياه والغابات على الطريق الرابطة بين الجماعة وكل من مدينتي تاوريرت وعين بني مطهر.
امتدت يد السلطات الاستعمارية إلى نبع،،بوحريز،،الذي تعود ملكيته إلى عائلة ،،قدوري،،من دوار،،إفقوين،،ثم نقلت جزءا منه إلى مركز المياه والغابات ،حيث يتدفق الماء الزلال بشكل انسيابي بفضل عامل التضاريس،وهو ما مكن من تلبية حاجيات الموظفين وإنشاء بساتين فاتنه، اجتمعت فيها أصناف من أشجار الفواكه والخضر.
اكتفى مالكو النبع بنصف الماء بناء على اتفاقية مجحفة،ومع ذلك ،ظل هذا الماء يسقي بعض الأشجار والمزروعات الموسمية في مكان منيع ،لا يقيم فيه إلا من امتلك شجاعة المرحوم،،بوثاقة،،الذي عمره لوحده على امتداد سنين طويلة،حيث تحول ذلك المكان إلى عرين لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه.
عندما جمعني فصل الدراسة بوحيده ،،قدور،، الذي غيبه الموت مبكرا،كان ،،بوثاقة،،قد رحل إلى مكان اخر ،حيث أنهى حياته،ليصبح،،بوحريز،،معقلا للوحشة من جديد،ولا يرتاده إلا الطيور والرتوت.
لم يكن مقر حراس المياه والغابات ليظل على حاله ويحافظ على هيبته مع تعاقب السنوات،حيث صار مسؤولو هذه المصلحة، يفضلون التنقل المكوكي بين البلدة ومدينة تاوريرت،مما أطلق أيدي المخربين ليجهزوا على الثروة الغابوية،إلى درجة أن مالكي النبع قد أوقفوا تدفق الماء نحو مقر مصلحة المياه والغابات بعد انتهاء مدة العقد المبرم وعدم تجديده.
لم تتأخر النتائج،حيث تحول مركز المياه والغابات إلى شبه صحراء،إذ اختفى نبات التزيين الذي كان يطبع المكان،وأصبحت الدور الوظيفية والإدارة خالية من أثر الحياة كما عاينت ذلك قبل لحظات وأنا في طريق العودة.
شهد نبع،،بوحريز،،تغييرا لافتا،ذلك أن مالكيه من الورثة، قد بادروا إلى تحويل اتجاه ماء النبع عبر أنبوب من البلاستيك،ووظفوه في إنشاء بستان جديد،بينما حكم على محيط النبع الأصلي بأن يتحول إلى أطلال تدمي القلب،وبذلك تعزز باقي الرسوم التي نجمت عن رحيل المرحوم،،بوثاقة،،خلا بعض أشجار الضرو العملاقة التي مازالت تحتفظ بكامل شموخها.
وبما أن الخراب لا يقف في طريقه حاجز ،فإن عين،،جبر،،شرق ،،بوحريز،،حيث كانت مشتلا للخضر الطبيعية والعسل الصافي،قد عرفت مصيرا مأساويا،إذ نضب الماء،وهجر السكان،واختفت مظاهر الحياة التي عايشناها لعقود طويلة.
خلال رحلتنا لتفقد نبع،،بوحريز،،لم نجد أثرا للإنسان،حيث يسود صمت رهيب، لم يكسره إلا فرار زوج من طيور الحجل الجميل، اللذين كانا يتناجيان في موقع رومانسي،فنغصنا عليهما أجواء حميمية عن غير قصد !
رحم الله أسد،،بوحريز،،محند أوياعلى،،الملقب ب،،بوثاقة،،ورحم ابنه الوحيد وزميلي في الدراسة الأخ،،قدور،،الذي تقاسمت معه كثيرا من الأحداث المرتبطة ببلدتنا……