الناضور كما أصبح مع سليمان أزواغ وكما كان قبله..
بن يونس المرزوقي
لم يُفاجئني خبر اعتبار الناضور أحسن جماعة في المغرب.. وبشكل جعلها تُحصل على دعم استثنائي من طرف وزارة الداخلية.. قيمته 2 مليار ونصف.. وبناءً على معايير متعددة ومتنوعة سأعالجها بتفصيل..
لم يُفاجئني الخبر لأسباب عديدة..
أولا.. بفضل بعض منتَخَبيها..
وكيف لا وهم اتحاديون؟ وليس أي اتحاد.. بل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
ثانيا.. بفضل رجال ونساء من صلب ترابها..
وكيف لا والسي سليمان أزواغ من ضمنهم؟
موضوع سأعالجه من خلال ثلاث ارتسامات.. وصول سليمان أزواغ لرئاسة مجلس الناضور (أولا).. وبعد فذلكة تاريخية (ثانيا).. أعالج كيف كان الناضور قبله (ثالثا).
أولا: سليمان “القانوني”
ارتبط اسم “سليمان” في التاريخ العثماني باسم “القانون”..
وتشاء الصُدَف أن يتكرر الوصف.. وهذه المرة في الناضور..
وصول سليمان أزواغ لرئاسة مجلس الناضور.. كان تحولا في تاريخ المدينة..
استعمل أولا.. وأساسا.. سلاح القانون..
وهكذا تم إصلاح الأداء المحاسباتي..
وتحسين مداخيل الجماعة التي تم رفعها إلى 200%..
ودفع جميع النفقات الإجبارية من كهرباء وماء ونظافة كانت على ذمة الجماعة..
ثم دفع تعويضات الأحكام القضائية الصادرة في حقها لصالح مستحقيها..
وإرجاع ممتلكات الجماعة وأساسا منها مقر الجبايات وسوق أولاد ميمون والمحجز البلدي وسوق إصبانن والجوطية.. وهي أمور كان يُنتظر أن تُحل منذ 40 سنة …
إضافة لمعايير أخرى لا تقل أهمية..
إن سليمان أزواغ هنا.. تصرف لصالح الجماعة.. ومن خلالها لصالح الساكنة.. والمواطنات والمواطنين بصفة عامة..
لا يُمكن أن تعثر/ على أي مصلحة خاصة في هذه المبادرات..
سليمان أزواغ ساعده في اكتساب شعبيته.. قناعاته الحزبية الاتحادية..
ولكن أيضا قناعته الشخصية..
فمن يُحب اللعبة الجماعية لكرة اليد.. يُؤمن بشكل حتمي بالعمل الجماعي.. وبالفريق المنسجم.. وبالمدرب الكفء.. والمنسق المسؤول.. سواء في الرياضة أو السياسة..
ومن يزاوج في ميولاته الموسيقية بين ما هو أمازيغي محلي.. وبين الانفتاح على الفضاء الإيبيري من خلال الموسيقى المغربية الأصيلة.. التي تتميز بها بلادنا.. والتي تُذكرنا دائما بأمجاد تاريخية قل نظيرها..
“بروفايل” شخصي وعائلي وحزبي مُتكامل.. يجعل الرجل أسمى من أن يهتم بغير الصالح العام..
ثانيا: فذلكة تاريخية
عندما قرأت الخبر.. رجعت بي الذاكرة لبداية السبعينات.. حينما زرت “مجالا” يُسمى الناضور..
كان عبارة عن “زنقة تجارية” لسلع متنوعة.. لم يكن المثير فيها إلا أنها مُهربة من مليلية..
وكانت مدينة صغيرة جدا.. لدرجة أنها كانت في الحقيقة عبارة عن “حي” كبير والسلام..
ثم زرتها لاحقا.. مع بداية الثمانينات.. وتكررت زياراتي بانتظام..
لكن نضجي السياسي كان قد اكتمل.. فبحثتُ عن دور المجلس الحضري لمدينة الناضور.. فلم أعثر له على أي أثر..
كانت هناك سُلطة.. لكنها مركزية..
كان هناك ممثلون للدولة.. لكن لا أثر لممثلي الساكنة..
وكان السبب بسيطا..
مجالس منتَخَبة من أعضاء لا هَمَّ لهم إلا أنفسهم.. فعاثوا في المدينة فسادا..
ساعدهم في ذلك.. وضع المدينة التي كانت “تنمو” ببطء شديد.. دون رقابة صارمة..
بضع أسماء لا يُمكن نسيانها.. وكيف لا وهي التي ستُصبح من “أعيان المدينة”..
ثالثا: الناضور كما واكبتُه
واكبتُ تطور مدينة الناضور من خلال ست رؤساء جماعات..
نعم ست رؤساء.. ومن انتماءات سياسية مختلفة..
المدينة تتوسع.. وبشكل عمراني عشوائي.. وكأنه ليس هناك شيء اسمه هندسة معمارية.. أو تصميم أو مخطط للتعمير.. أو مراقبة لممثلي السلطة المركزية..
والأنشطة التجارية تتضخم.. وبشكل لم يعُد من الممكن التحكم فيها..
سلع سمتها الأساسية في البداية أنها استهلاكية.. ومن مصدر أجنبي.. وكان ذلك معقولا آنذاك..
لتُصبح سلعا كمالية.. ودائما من مصدر أجنبي.. وبشكل غير معقول..
استثمار عائدات التوسع العمراني وأنشطة التهريب تم في اتجاه واحد.. العقار ثم العقار..
لا مشاريع صناعية أو خدماتية.. بل فقط مركبات تجارية..
تطورت المدينة على هامش كل قوانين الدولة.. ولم يكن يُبادر لعقلنة وترشيد تطورها إلا رجال من الاتحاد الاشتراكي بالضبط..
كان الحسين الفاهيمي رائدهم.. ومحمد أزواغ أحدهم..
تابعتُ تطور المدينة من خلال رؤساء من كل من الاتحاد الدستوري.. والحركة الشعبية.. والتجمع الوطني للأحرار.. وحزب التجديد والإنصاف.. حزب الأصالة والمعاصرة.. وآخرون ينتقلون بين الأحزاب …
أسماء مرت من كرسي الرئاسة.. بوشوطرس.. المرحوم الحاج الرحموني.. المرحوم مصطفى أزواغ.. طارق يحيى.. سليمان حوليش.. سرعان ما انتهى بها المطاف إلى زاوية النسيان.. إن لم يكن إلى السجن..
رؤساء عملوا على توسع المدينة.. ونضخم أنشطتها.. لتصبح قِبلةً لكل المغربيات والمغاربة!!
لكن.. مع كل وكامل الأسف.. لتدعيم الأنشطة الغير قانونية.. وتشجيع التهريب..
فانتشرت الفوضى المعمارية.. ولم يهتم أي مجلس.. إلا نادرا.. بالبنيات التحية اللازمة.. ولا بالخدمات المرفقية الواجب توفيرها.. ولا بتنمية الممتلكات العقارية للجماعة.. ولا مداخيلها الجبائية..
عَمَّ عدم الاهتمام من قبل رؤساء الجماعات المتعاقبين..
إلى أن حدثت “المفاجئة” الكبرى.. وصول سليمان أزواغ.. وحصول المجلس على صفة أحسن جماعة.. ولم يكن ذلك صُدفة..