ومازال الاحتقان الاجتماعي مستمرا!
اسماعيل الحلوتي
على الرغم من تصريحات الحكومة حول تحسين شروط عيش المواطنات والمواطنين، في ظل ارتفاع معدل التضخم والغلاء الناجم عما عرفته أسعار المحروقات خلال السنتين الأخيرتين من زيادات قياسية أرخت بظلالها على جميع المواد الأساسية والأكثر استهلاكا.
وبالرغم مما صرح به رئيسها عزيز أخنوش خلال مناقشة حصيلتها المرحلية أمام البرلمان بخصوص المنتصف الأول من ولايتها، حيث أكد على أنها لم تتأخر في الوفاء بجزء من تعهداتها وتنفيذ التعليمات الملكية من خلال تفعيل تعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر ودعم اقتناء السكن، فضلا عن الزيادة العامة في أجور الشغيلة المغربية بالقطاعين العام والخاص وما إلى ذلك من تدابير أخرى…
فمازالت نيران الغضب مشتعلة في أوساط عديد الهيئات والفئات داخل المجتمع، وخاصة تلك التي يجري تهميشها وإقصاؤها بصفة دائمة وممنهجة، حيث أن أصوات الاستنكار والاحتجاج تكاد لا تتوقف في مختلف جهات المملكة. إذ أنه ليست وحدها تلك الملايين من الأسر التي تم حرمانها من التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر التي تذمرت من قرارات الحكومة، ولا أولئك الأشخاص الذين تم فجأة ودون إشعار سابق توقيف صرف الدعم الاجتماعي المالي لهم، بعدما سبق لهم الاستفادة منه على مدى ثلاثة شهور متتالية، ومطالبتهم في المقابل بضرورة أداء واجبات الاشتراك بالتأمين الإجباري عن المرض، إن هم أرادوا الاستفادة من التغطية الصحية.
بل هناك استياء عارم في صفوف “أطباء الغد” وأسرهم، وخاصة بعد إصدار مجموعة من كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان قرارات الطرد والتوقيف في حق عدد منهم، مما أدى إلى الرفع من منسوب السخط وتواصل الاحتقان داخل هذه الكليات وتوجيه انتقادات حادة للحكومة، التي أخفقت في تدبير هذا الملف الشائك، الذي دخل بسببه الطلبة في مقاطعة شاملة واحتجاجات منذ حوالي خمسة شهور، وتعرض على إثره وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي للمساءلة بالبرلمان…
وهناك أيضا فئة المتقاعدين في القطاع العام وشبه العام والخاص البالغ عددهم قرابة ثلاثة ملايين شخصا بالإضافة إلى ذوي الحقوق، الذين لم يتأخروا في التعبير عن امتعاضهم من تمادي الحكومات المتعاقبة في استثناء معاشاتهم من الزيادة العامة التي حظيت بها أجور العاملين في القطاعين العام والخاص، علما أنهم مثلهم مثل باقي المواطنين الذين يعانون من بلوغ الغلاء مستويات غير مسبوقة، إلى جانب مصاريف الأمراض المزمنة التي ورثوها عن سنوات التفاني في العمل بحس وطني صادق وروح المسؤولية. حيث لم يعد خاف على المسؤولين الحكوميين ولا النقابيين أنفسهم الوضعية الاجتماعية والنفسية لهذه الفئة الاجتماعية، التي لم يعمل الحوار الاجتماعي الأخير سوى على تكريس تهميشها وإقصائها، فأين نحن من الدولة الاجتماعية التي طالما نادى عاهل البلاد محمد السادس بإرساء قواعدها، سعيا منه إلى صون كرامة وحقوق من أفنوا أعمارهم في بناء المجتمع؟ وهل من المعقول والحالة هذه أن يتواصل ضرب مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين أبناء الشعب واتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية؟
وهناك كذلك ملفات مطلبية أخرى ما انفك أصحابها يطالبون بمعالجتها والنهوض بأوضاعهم إسوة بباقي الفئات والهيئات الأخرى، ونخص بالذكر هنا فئات اجتماعية تنتسب إلى الوظيفة العمومية، وهي هيئة التقنيين وهيئة المتصرفين وهيئة المهندسين، التي تخضع لأنظمة خاصة وتصنف في خانة الهيئات المشتركة حسب القوانين. فهذه الهيئات الثلاث التي وجدت نفسها أمام الباب المسدود، أبت إلا أن تسطر برنامجا نضاليا وتستمر في تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر البرلمان وإضرابات وطنية، مطالبة بفتح حوار جاد ومسؤول مع ممثليها قصد مراجعة الأنظمة الخاصة بها والاستجابة الفورية لمطالبها المشروعة، ولاسيما أن هذه التعبيرات الاجتماعية ليست وليدة اليوم، إذ لها سجل نضالي جد مشرف ولم تفتأ تساند الفعل النقابي في مواجهة الحكومة من أجل تطوير أنظمتها الخاصة…
إننا لا ننكر ما تقوم به حكومة عزيز أخنوش من جهود في محاولة تحسين شروط عيش المواطنين، بيد أنها تظل جهودا ناقصة ولا ترقى إلى مستوى تطلعات المغاربة. إذ لا يمكن إرساء ركائز الدولة الاجتماعية في ظل استمرار الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب المساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب، ودون تكريس الاختيار الديمقراطي، حيث يقتضي الأمر مضاعفة الجهود قصد تحقيق إصلاحات جوهرية على عدة مستويات. فلا دولة اجتماعية دون القضاء على الفساد والحد من معدلات الفقر والبطالة، إنصاف الفئات المتضررة وبلورة الحلول الكفيلة بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية وغيرها، في أفق تعزيز التنمية بمختلف أبعادها…