مهرجان موازين بين مرجع القيم الأصيلة ومرجع القيم الوافدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
كثر الكلام مؤخرا عن قرب عودة مهرجان موازين بعدما ألزمته جائحة كورونا بالتوقف، فانقسم المتكلمون فيه إلى فئتين: فئة تُطبِّل له وتستعد لاستقباله، بل وتُعدِّد مناقبه، وفئة تنادي بإلغائه أو على الأقل بتأجيله في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، بسبب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل فلسطين عامة، وأهل غزة على وجه الخصوص. وانطلاقا من كون الإسلام الدين الرسمي للمغرب بمنطوق الدستور، فإنه بقدر ما يتوافق موقف الفئة الثانية وينسجم مع ثوابت الأمة المغربية، بقدر ما يتعارض موقف الفئة الأولى ويتناقض مع هذه الثوابت، بل ويضربها في العمق، مما يجعل من البحث عن السبب المؤدي لهذا الموقف أمرا بالغ الأهمية.
وإذا علمنا أن الحكم على كون جسم مادي أيا كان نوعه في حركة أو سكون، لا يصح إلا بالنسبة لمرجع معين، فإن المنطق يقتضي أن الحكم على كون ثقافة معينة أو قيمة من القيم أصيلة أو وضيعة، رهين بالمرجعية التي يُنطلق منها في إصدار هذا الحكم أو ذاك. ولعل هذا الأمر ينطبق على مجموعة من القيم التي تُروج لها بعض المهرجانات والتظاهرات الثقافية، وتعمل على إشاعتها في المجتمع، من قبيل مهرجان كازابلانكا ومهرجان موازين وغيرها كثير… ذلك أنه بالنسبة لمهرجان موازين على سبيل المثال، نجد أن هناك فريقا يصفه بكونه مُجسِّدا للمهمة النبيلة المتماشية مع القيم الأساسية للتنمية من جهة، وداعما للاقتصاد الوطني من جهة ثانية، كما هو الشأن بالنسبة لِ”جمعية مغرب الثقافات” التي نقرأ في بلاغها المتعلق بالإعلان عن عودة مهرجان موازين، والذي تناقلته مجموعة من المواقع الإلكترونية ما يلي:
“أن دعم مهرجان موازين للاقتصاد السياحي الجهوي والوطني وعمله المستمر لأجل دمقرطة الولوج إلى الثقافة يجعلان منه تظاهرة مفعمة بالسعادة ومثمرة، ينتظرها الجميع. ويظل مهرجان “موازين”، الذي يتمتع بالاستقلالية الكاملة، منفتحا على جميع المساهمات التي تحترم قيم مغرب الثقافات”
“وتماشيا مع القيم الأساسية للسياسة التنموية التي يقودها الملك محمد السادس، تعمل جمعية “مغرب الثقافات” على تجسيد هذه المهمة النبيلة من خلال مهرجان “موازين… إيقاعات العالم”، وكذلك عبر مختلف التظاهرات والملتقيات متعددة التخصصات ومعارض الفنون التشكيلية، والحفلات”.
وفي المقابل هناك فريق يعتبره ترويجا للتفاهة، وللقيم الغربية المحاربة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، مُستدلين على ذلك بالمستوى البهيمي الذي انحدرت إليه الأخلاق في بلدانها الأصلية، ناهيك عن التبذير المفرط للمال العام الذي يُصرف بغير وجه حق للتافهين والتافهات، عوض صرفه في المجالات الحيوية كالتعليم والصحة، وباقي المجالات التي يتعين إحراز الاكتفاء الذاتي فيها أمرا حيويا، إن لم أقل وجوديا كالغذاء والدواء والسلاح…وهذا بِغَضِّ النظر على المجهودات المادية والبشرية التي تتحملها السلطات العمومية، والمصالح الأمنية، للحيلولة دون الانفلاتات التي قد تقع، وقد وقعت بالفعل في مهرجان الرباط مع الرابور طوطو. ودائما فيما يتعلق بالجانب المادي، تَداولتْ وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا خبرا مفاده أن أحد البنوك المعروفة يقتطع مبلغ 35 درهم من حساب زبنائه لصالح صندوق “موازين”، لست أدري مدى موثوقية هذا الخبر)وهل هو صحيح ام مجرد اشاعة ) لكنه إن صح فإنه يصعب إيجاد نَعْتٍ ينعت به، ألطف من السرقة الموصوفة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون المغربي تشديدا، أو تخفيفا حسب الظروف التي تقع فيها.
مما سبق يتبين أن العامل الأساسي الذي يستند إليه كلا الفريقين في الحكم لصالح أو ضد هذا النوع من التظاهرات، هو المرجعية الخاصة بكل منهما، ومن ثم كان لا بد من الاحتكام إلى مرجعية الأمة المغربية وثوابتها، للفصل بين الفريقين، على أن يتم العمل بما يوافقها، ويُقاوَم كل ما يناقضها. ولست في حاجة للتأكيد مرة أخرى على أن دستور المملكة ينص بصريح العبارة على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وهو المرجع الذي ينطلق منه الفريق الذي يُقدِّر بأن الثقافة والقيم التي يروج لها هذا المهرجان وأمثاله، لا تعدو أن تكون ثقافة تفاهة يَغلُب ضررها على نفعها إن كان لها نفع!! على شاكلة حكم الله جل جلاله في الخمر والميسر حيث قال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾. بينما ينطلق الفريق الآخر بمرجع ما يسمى “القيم الكونية”، وقد لا يتطلب منا الأمر أي توضيح، إذا علمنا أن هذه القيم تتناقض كليا مع القيم الإسلامية، ومن ثم وجب على المسؤولين في هذا البلد الكريم الوقوف في وجهها، عوض تشجيعها، والعمل على سيادتها، خاصة وأن المدافعين عنها يصرون على استئصال كل القيم الإسلامية الراقية التي تُعتَبَرُ قيمة الأخوة في الإسلام من بين أهمها، ونتيجة لذلك فهم لا يولون أدنى اعتبار لما يتعرض له أهل فلسطين عامة، وأهل غزة على وجه الخصوص، من إبادة جماعية من قبل الهمجية الصهيونية، رغما على الرابطة العقدية التي تجمعنا بهم، ورغما على الرابطة التاريخية التي يشهد عليها حي المغاربة، وعلى الرابطة السياسية التي تجسدها رئاسة لجنة القدس، بل رغما حتى على الرابطة الإنسانية التي أيقظت ضمائر كل الذين بقيت فيهم ذرة من الفطرة السليمة على مستوى العالم. أيعقل إذن أن يُستدعى الرعاع من أمثال ذلك المحسوب على الفن المصري، الذي استُقبِل من قبل وزير الثقافة في معرض الكتاب، ويُسمعَ لذلك الذي أدرَج نفسه في خانة “كلنا إسرائيليون” عندما يُقارِن “الاحتفال” بموازين بالاحتفال بعيد الأضحى، لنشر الميوعة والتفاهة في أوساط الشباب الأغرار، وإخواننا يموتون ويعذبون ويجوَّعون وتُمتَهَنُ كرامتهم في غزة، أنقبل أن يشيع فينا هؤلاء فسادهم وحناجر المغاربة بحت من التظاهر منذ السابع من أكتوبر، مطالبة بقطع العلاقات مع العدو الصهيوني وكل ما يرتبط به.
في الأخير أقول لكل الذين يُصِرُّون على إقامة “مهرجان موازين” وكل التظاهرات التي تدخل في خانة تدجين المغاربة، ودفعهم إلى الاستهتار بقضاياهم الأساسية: اتقوا الله في أنفسكم وفي هذا الشعب الطيب، الذي على الرغم من كل ما قد يوحي إليكم بأنه سهل المراس، فإنه لم ولن يُفرِّط في قيمه الأصيلة عندما يجد الجد وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، ولكم في هبَّته لمساعدة ضحايا زلزال الحوز، وفي مسيراته المليونية المساندة للقضية الفلسطينية خير مثال على ذلك، ومن ثم يجدر بكم أن تُراجعوا مواقفكم من الجهات التي تأتمرون بأمرها للترويج للقيم “الكونية” الوافدة عوض القيم الأصيلة، لأنهم لن يتأخروا في التضحية بكم إذا دارت الدائرة، ولن يكون قولهم لكم سوى على نسق قول الشيطان لأوليائه عندما يقضى الأمر، حيث جاء على لسانه في الآية 22 من سورة إبراهيم ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وإني أعلم أنكم على علم بما حصل مع مجموعة ممن سبقوكم، فاعتبروا قبل فوات الأوان.