تراجع ثقة المغاربة في الحكومة!
اسماعيل الحلوتي
على عكس ما سبق أن أبداه الناخبون المغاربة من حماس لافت، وهم يقبلون على صناديق الاقتراع في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 عاقدين العزم على الإطاحة بحزب العدالة والتنمية الذي ظل جاثما على صدورهم طوال عقد من الزمن، إثر توليه مسؤولية تدبير الشأن العام لولايتين متتاليتين (2012/2021)، حيث أقدم على قرارات لا شعبية وأجهز على أهم مكتسباتهم الاجتماعية، مانحين ثقتهم لأحزاب التحالف الحكومي الثلاثي، حيث تصدر المشهد السياسي كل من حزب “الحمامة” بحصوله على المرتبة الأولى ب”102″ مقعدا في مجلس النواب، متبوعا بحزب “الجرار” الحاصل على “87” مقعدا ثم حزب “الميزان” ب”81″ مقعدا.
فإنه لم يمض كثير من الوقت حتى عم المغاربة استياء عارم جراء ضعف أداء التحالف الحكومي، الذي أجهض آمالهم وأحلامهم، من خلال إخلال أحزابه الثلاثة وعلى رأسهم حزب الأحرار الذي يقود الحكومة، بما سبق لهم التعهد به من وعود والتزامات إبان حملاتهم الانتخابية والبرنامج الحكومي. ولا أدل على ذلك أكثر من تصاعد الاحتجاجات في مختلف ربوع المملكة للتنديد بغلاء الأسعار وتزايد معدلات الفقر والبطالة وتفشي الفساد، وما ورد في استطلاع للرأي أجراه “البارومتر العربي” في دورته الثامنة، الذي أظهرت نتائجه أن ثلثي المغاربة غير راضين عن الوضع الاقتصادي، وأن حوالي 40 في المائة منهم يؤكدون اتساع فجوة الثروة قياسا بالعام الماضي، إضافة إلى ما سجله “البارومتر العربي” من انعدام الأمن الغذائي ضمن مظاهر اللامساواة والمشقة الاقتصادية، حيث أكد 63 في المائة من المغاربة أن الطعام ينفد قبل بلوغ نهاية الشهر، مقارنة مع نتائج استطلاع سنة 2022 حيث لم تتجاوز النسبة 36 في المائة.
وجدير بالذكر أن “البارومتر العربي” شبكة بحثية عربية متخصصة في قياس وتحليل الرأي العام بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أجري الاستطلاع بين 11 دجنبر و30 يناير الماضيين، وشمل 2411 مواطنة ومواطنا من مختلف جهات المملكة المغربية، مبرزا أن 33 في المائة فقط من الأشخاص المستجوبين هم من يثقون في حكومة عزيز أخنوش، مقابل 37 في المائة سنة 2022. وبخلاف ذلك كشف التقرير العام برسم سنة 2023 عن مستويات قياسية لثقة المواطنين الكبيرة في المؤسسة الأمنية، إذ عبر 8 من كل 10 من المواطنين عن ثقتهم في الشرطة، فضلا عن ارتفاع كبير كذلك في ثقة المواطنين بالنظام القضائي بنحو 74 في المائة عوض 58 في المائة عام 2022…
وليس هذا وحسب، بل كشفت نتائج الاستطلاع عن كون ظاهرة الفساد مازالت تثير الكثير من القلق لدى عموم المغاربة، الذين يجمعون على أن حكومة أخنوش تقف مشلولة وعاجزة عن التصدي لها بما يلزم من صرامة وحزم، مما جعل عديد المواطنات والمواطنين يفكرون حيال تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الهجرة إلى الضفة الأخرى نحو أوروبا، مشيرة إلى أن الشباب ومعهم الأشخاص الذين يواجهون ضغوطات مادية، هم الأكثر إقبالا على “الهروب” خارج الحدود، سعيا منهم إلى محاولة العمل بشتى السبل على تحسين ظروف عيش أسرهم.
فكيف لا تتراجع الثقة في الحكومة وهي التي لم تستطع اجتراح حلول ملائمة لأكثر من أربعة مليون شاب مغربي بدون عمل ولا دراسة، ولا إلى ما كشفت عنه نتائج الدراسة التي أجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من معطيات أخرى صادمة. وفي ظل ارتفاع معدل البطالة إلى 13,7 في المائة، ووجود مليون و465 ألف عاطل، فضلا عن فقدان 297 ألف منصب شغل سنة 2023 وإفلاس حوالي 27 ألف مقاولة خلال السنتين الأخيرتين، وانخفاض معدل مشاركة النساء داخل سوق الشغل إلى 18,3 في المائة؟ فماذا أعدت من تدابير وإجراءات لمواجهة غلاء الأسعار وحماية القدرة الشرائية ومكافحة الفساد وخلق فرص عمل حقيقية للعاطلين وخاصة ذوي الشهادات العليا؟
ثم كيف لا تتراجع الثقة في حكومة أخلت بوعودها فيما يخص إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، في وقت تؤكد إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط نزول أزيد من ثلاثة ملايين مغربي تحت عتبة الفقر، وارتفاع معدل الفقر من 1,2 في المائة سنة 2022 إلى 6,6 في المائة سنة 2023 بفعل التضخم؟ وأين نحن من إحداث ما أسمته “مدخول الكرامة” بقيمة 1000 درهم شهريا لفائدة المسنين، الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة، ومن رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 6 في المائة حسب النموذج التنموي و4 في المائة وفق البرنامج الحكومي؟
هي أسئلة ضمن أخرى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن حكومة أخنوش مثلها مثل سابقتيها، حيث أنها أخلفت الموعد لإعادة الثقة للمغاربة في المؤسسات المنتخبة، وأنه لم يعد هناك من سبيل أمامها للتصالح معهم عدا مضاعفة الجهود في اتجاه بناء الدولة الاجتماعية الموعودة، من خلال تدارك النقائص القائمة والوفاء بما قطعته على نفسها من وعود، وتعهدت به من التزامات في إصلاح منظومتي التعليم والصحة، والحد من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية ومكافحة مختلف مظاهر الريع والفساد، والارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.