وجدة تستحق الأفضل
ذة.سليمة فراجي
مدينة وجدة جوهرة المغرب الشرقي ، قدرها كمدينة حدودية الا تستفيد من مزايا المدن الحدودية كما هو الامر في جميع دول العالم ، بل ان تواجه بجزاء سِنمّار و تبتلى بجار متنكر للتاريخ والمواقف الرجولية .
وجدة ، رغم المسافات التي تفصلها عن المركز كانت وما تزال تمثل المغرب الأصيل الغني بروافده وبتاريخ ألف سنة مرصعة بتراث ثقافي متعدد الأبعاد .
منذ تأسيسها في القرن العاشر اعتبرت مهدا لمختلف السلالات الحاكمة المتتالية وتعدد الثقافات التي نسجت تراثا عمرانيا وروحيا وانسانيا جعلها شاهدة متميزة على العهود والعصور الغابرة .
فكانت القلعة الحصينة المحصنة في وجه مختلف الغزوات التي شهدتها شمال افريقيا ، وعبر مختلف العقود والأجيال وجدت وجدة نفسها في قلب المعارك كمعركة اسلي سنة 1844،ومختلف المعاهدات ولعبت دورا بارزا في مقاومة الاستعمار وصد مختلف الهجومات .
وجدة ، مهد المقاومة ورمز الوطنية الصادقة ، استقبلت السلطان المغفور له محمد الخامس إبان المنفى سنة 1956 وشاركت بقوة وعزم مستبيحة دماء أبنائها الابرار من اجل الاستقلال الى ان احرز المغرب على استقلاله سنة 1956 , كما استمرت في النضال وايواء المجاهدين الجزائريين رغم تعرضها للقصف الفرنسي
إذ تتذكر مختلف العائلات الوجدية انه سنة 1961 أي سنة قبل حصول الجزائر على الاستقلال ،قام كوماندو فرنسي بتخريب محطة البت الإذاعي الجهوي لمدينة وجدة الكائنة بطريق سيدي يحيى، كرد فعل وعقاب مدينة وجدة على مساعدتها وإيوائها للمجاهدين آنذاك، الشيء الذي نشر الرعب والذعر في صفوف الساكنة المتضامنة مع المجاهدين الجزائريين وجودا وعدما .
كما أنه بتاريخ 18فبراير 1962 عمدت طائرتان فرنسيتان T6 انطلقتا من قاعدة وهران الواقعة غرب الجزائر والتي لا تبعد عن وجدة سوى بحوالي 220 كلم وقصفتا عبر علو غير مرتفع مقر جبهة التحرير الوطني الكائن بمدينة وجدة، والكل يتذكر هذا القصف الرهيب ووقعه على الساكنة، ولا زالت العائلات الوجدية تتذكر الرعب الذي احدثه الهجوم الفرنسي، كل ذلك كرد فعل وانتقام المستعمر الفرنسي من مدينة وجدة بسبب مدها العون والتضامن مع المجاهدين الأشقاء انذاك والذي كان يعتبر المرحوم الملك محمد الخامس طيب الله ثراه ان استقلال المغرب لن يكتمل الا باستقلال الجزائر
كانت المدينة الألفية لا تفرق بين ساكنتها والمجاهدين الجزائريين، لإيمانها الراسخ بوحدة الشعبين ووحدة المصير، على اعتبار أن الروح الوطنية المغاربية الصادقة لم تكن تطرح التكامل الاقتصادي المغاربي آنذاك، بل ان الهاجس كان هو التلاحم والتآخي وحصول المغرب الكبير على استقلاله ،
ورغم الستار الحديدي مع الحدود ومختلف التحرشات ، تتموقع حاليا مدينة وجدة العصرية بشموخ وهمة عالية في شرق المغرب الحر المستقل ، محافظة في نفس الوقت على موروثها الثقافي التاريخي كعاصمة للمغرب الشرقي ونموذج لمزيج منتصر للتسامح والتعايش والتنوع الاثني ، اللغوي ، الديني ، واعدة بعجلة اقتصادية تجارية مزدهرة نظرا لقربها من الواجهة المتوسطية .
وجدة …
تاريخ حافل بالامجاد ، ثقافة غنية ، موروث عمراني حضاري فكري انساني بمختلف دلالاته ، عَائِلات أصيلة عتيدة تميزت بالاستقامة والنبل وعزة النفس ، لتتموقع كمرآة تعكس الغنى الانساني والتنوع الذي يتميز به المغرب ، ونافذة مفتوحة على الماضي المشرِّف والغد المشرق والذي يَعِد بإشعاعها وديناميتها وانفتاحها على العالم .
واذا سافرنا عبر موروثها الألفي نجدها تتدثر بهالة روحانية تولدت من اصالتها المغربية وموروثها العمراني ومنشآتها الشاهدة على العصر من صروح تعليمية عريقة و مساجد واسوار وبنايات وأماكن تصدح بأمجاد من رحلوا وتركوا بصماتهم على رمال الزمن .
هي هكذا
هي مدينة وجدة ، وجدة الاصيلة ، الحصن الحصين وبوابة الحدود والشاهدة على العصور ، المتألقة التي ترنو الى مستقبل واعد خصوصا بعد تفعيل مضامين الخطاب الملكي بتاريخ 18 مارس 2003 الخطاب التاريخي الذي اعطى الانطلاقة للاوراش الكبرى بجهة الشرق كالطريق السيار وكلية الطب ،والمركز الاستشفائي الجامعي و المدارس العليا و مراكز تجارية وانجاز المحطة السياحية بالسعيدية وتأهيل المطارات ، واحداث المراكز التجارية الكبرى وإنشاء المدارات الطرقية التي فكت العزلة عن المناطق النائية ،
هي المدينة المتشبعة بقيمها وثوابت الامة المحبة للعرش العلوي المتشبثة بأهدابه ابا عن جد ،
لكن كفاها من نماذج ألحقت ضررا فادحا بقيمها وماضيها وحاضرها
كفاها من المنتصرين للتشتت والشتات والرداءة وقضاء المصالح الخاصة
كفاها من بعض المنتخبين الفاسدين الذين ليس لهم ادنى علاقة بقدسية المدينة ونبل تاريخها واستراتيجيتها وماضيها العريق ومستقبلها الواعد
، امور تدفعنا الى التفكير العميق بل الى العودة الى طاولات الدراسة في مدارس الوطنية !
وجدية غيورة
سليمة فراجي