أحزاب التغول عاجزة عن استيعاب فلسفة الجهوية المتقدمة ….جهة الشرق مثالا
عبد السلام المساوي
لقد تحققت لبلادنا ، منذ حكومة التناوب ، عدة مكتسبات ، وتحققت بشكل متواصل خلال سنوات العهد الملكي الجديد ، مكتسبات مرتبطة بالذات ، وبتقوية الذات المغربية ، وذلك من خلال مبادرات ملكية أساسية ورائدة ، مبادرات جعلت المغاربة ينخرطون في التطور المنشود لتقوية أواصر الانسجام المجتمعي ، وهم يتأكدون من وجود إرادة فعلية في تعميق توجه المصالحة لفائدة مستقبل البلاد ككل .
وهذا التوجه ، توجه المصالحة مع الذات ، طبع العلاقات مع الأقاليم ، إن ديناميكية مستقبل المغرب رهينة بالبحث عن نوع من التوازن بين الجهات والاعتراف بالبعد الوطني لكل المناطق المكونة للمملكة . وفي هذا الاتجاه برز الاتجاه الجديد لتوظيف الجهوية لإعطاء المغرب أداة جديدة لتقوية وحدته من خلال الاقرار بوجود خصوصيات جهوية تكون عامل تمنيع وحدة البلاد ، والاعتراف بمتطلبات إمكانيات الإنتاج والإبداع والابتكار داخل مختلف الجهات ، أخذا بعين الاعتبار التطورات الحديثة في التدبير الترابي للأمم ، وكذلك إبراز ترسخ النهج الديموقراطي المغربي في ارتباطه مع مستلزمات تمنيع كل جهات البلاد بمقومات المشاركة في مجهود التنمية المستديمة وتطوير قدراتها الداخلية .
إن المغرب اختار الجهوية كأداة لتطوير التنظيم الداخلي ، ولكن اعتمدها ايضا كمنظور تنموي مندمج ، اختار الجهوية كمنهجية للعمل ومنهجية لوضع تصور استراتيجي خاصة بمستقبل الجهات ببلادنا ، وكاطار استراتيجي لتعزيز المكاسب ، هذا التعزيز الذي يقتضي فتح آفاق جديدة في العمل السياسي ببلادنا .
إن المغرب عندما اختار الجهوية ، فإن اختياره لم يحدد فقط من خلال أسباب مجالية فقط ، أو اقتصادية فقط ، بل اختار الجهوية كمدخل لإصلاح الدولة المغربية . إن إصلاح الدولة المغربية من خلال البناء الجهوي ، ومن خلال اعتماد الجهوية هو الذي سيعزز دمقرطة الدولة المغربية ، وهو الذي سيساعد على إرساء الأرضية الصلبة لتصبح الدولة المغربية في خدمة المجتمع المغربي . فتطوير الجهة يعد مدخلا بنيويا للإصلاح السياسي العام ببلادنا . إن بناء المغرب على أسس متقدمة يقتضي تمكين الجهة من كل انواع السلطات لتكريس الفعل الديموقراطي ، بما فيها السلطات السياسية ، وهذا يفرض تأهيل المؤسسات الجهوية ، وهو معطى رهين بتطور البناء الديموقراطي ببلادنا .نؤكد ضرورة إنضاج الشروط التي تمكن الجهة من أن تصبح سلطة فعلية في الجوانب التي تهم الحياة العامة للمواطن إذا اردنا الاستمرار في بناء دولة الحق والقانون ، وهذا يعني إعادة توزيع السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية .
تأسيسا على هذا كله ، نعتبر هذا الاختيار وهذا التصور من شأنه أن يجعل من الجهوية إطارا لتحفيز المواطنين على المشاركة في تدبير شؤونهم ، واطارا مناسبا لجعل المواطن المغربي يشعر بقوة انتمائه ؛ محليا ، جهويا و وطنيا .إن الجهوية ، اذن ، ستساعد على محتوى ملموس للمواطنة .
إن تفعيل ورش الجهوية بات حاجة وطنية ملحة من أجل تحقيق التنمية الشاملة ، فالجهوية هي المدخل لتحقيق تنمية مستدامة ، وهذا هو الخيار الذي يراهن عليه المغرب ، لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية وانخراط الجميع في انجاح هذا الورش .
وجلالة الملك الذي بدا متفائلا ،في خطاب 20 غشت 2019 ، بكسب رهانات المرحلة المقبلة ، يراهن على هذا الورش لتحقيق التنمية المستدامة . يقول جلالته في خطاب ثورة الملك والشعب ” ..اننا نعتبر أن التطبيق الجيد والكامل ، للجهوية المتقدمة ، ولميثاق اللاتمركز الاداري ، من أنجع الاليات التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج ، ومن الدفع بالعدالة الاجتماعية .”
غير أنه بالرغم من النصوص القانونية التي راكمها المغرب بخصوص ورش الجهوية ، فإن الأمور لا تسير كما كان مسطرا لها ، يقول جلالة الملك ” إلا ان الملاحظ رغم الجهود المبذولة ، والنصوص القانونية المعتمدة ، ان العديد من الملفات ، ما تزال تعالج بالادارات المركزية بالرباط ، مع ما يترتب عن ذلك من بطء وتأخر في انجاز المشاريع ، وأحيانا التخلي عنها .
وفي هذا الاطار أدعو الحكومة لاعطاء الاسبقية لمعالجة هذا الموضوع ، والانكباب على تصحيح الاختلالات الادارية ، وإيجاد الكفاءات المؤهلة ، على المستوى الجهوي والمحلي ، لرفع تحديات المرحلة الجديدة .”
لم يعد أمام قطار الجهوية سوى الانطلاق بشكل سليم ، بعدما تم ترصيص سكته بكامل المراسيم التطبيقية ، كان آخرها ميثاق اللاتمركز الإداري الذي يتطلب ، اليوم أكثر من أي وقت مضى ، أطرا قادرة على اتخاذ القرار في المكان عينه ، للقطع مع سياسة ” وسير لرباط ” كي توافق الإدارة المركزية على إنجاز مشاريع تنموية ، التي تتأخر دائما بمختلف مناطق المغرب جراء سيادة البيروقراطية ، فما زالت الإدارة المركزية تهيمن على الكثير من المجالات المفروض تفويتها للجهات بحكم القانون….
” ويظهر من خلال الممارسة الميدانية أن المجالس الجهوية ، وعندما نتحدث عن المجالس نتحدث عن مكوناتها السياسية ، التي ما زالت بعيدة كل البعد عن استيعاب فلسفة الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب ، وتعتبر اختيارا استراتيجيا للدولة ، تحولت ( مجالس الجهات ) إلى مجرد مجالس جماعية كبيرة ، تناقش المشاكل البسيطة التي يمكن حلها من طرف الجماعات ، عوض الانكباب على ممارسة الاختصاصات والصلاحيات التي خولها الدستور لمجالس الجهات .
إذن الأحزاب السياسية المتغولة على مجالس الجهات مسؤولة بالدرجة الأولى عن الأعطاب التي تعرفها الجهات ، لأنها لم تقدر على ترشيح نخب تتوفر فيها شروط الكفاءة والنزاهة لاستيعاب فلسفة الجهوية ، ونذكر على سبيل المثال ، جهة الشرق ، التي يقبع رئيسها داخل السجن ، واضطرت وزارة الداخلية لإقالته وكل مكتب مجلس الجهة ، وكذلك باقي المجالس الجهوية التي عجزت عن وضع برامج تنموية جهوية ، وأصبحت تدبر المشاريع بمنطق ” الغنيمة ” .
كما أن الحكومة السابقة تتحمل المسؤولية بدورها ، لأنها فشلت في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة بعد مرور ست سنوات على تنظيم أول انتخابات لمجالس الجهات وفق التقطيع الجهوي الجديد ، وخلال هذه الولاية ، وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات عمرها ، فإن الحصيلة لا تبشر بالخير ، بسبب غياب برامج التنمية الجهوية ، التي تواجه اختلالات قانونية وتنظيمية وسياسية ، كما أن الجهات بدون اختصاصات ذاتية ، وما زالت جميع الإدارات ومصالح المواطنين بالعاصمة ” الرباط ” ” . ج الأخبار 3520