التدبير الحضري لمدينة وجدة: تعاقب الأغلبيات والعمال/ الولاة
عبدالسلام المساوي
إن تقييم التدبير الحضري لمدينة وجدة، يقتضي بالضرورة أخذ عاملين بعين الاعتبار، طبيعة الأغلبية المسيرة للجماعة الحضرية وشخصية رئيسها من جهة، ثم سياسة وشخصية والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة انكاد من جهة أخرى، لذلك فإن كل تأمل علمي في الموضوع ينبغي أن يراعي دور هذين العاملين بما لهما من تأثير واسع على تطور مدينة وجدة باعتبار موقعها ودورها الاستراتيجي.
وإذا كان المقام هنا لا يسمح باستحضار جميع المحطات وكل التفاصيل، فإننا سنحاول إبراز بعض التوجهات التي طبعت التدبير الحضري لمدينة وجدة، ولازالت بصماتها واضحة لحد الآن.
إن الرجوع إلى بداية الثمانينات يكشف لنا أن الناخب الوجدي جرب جميع أنواع الأغلبيات: مجلس اتحادي، مجلس استقلالي ثم مجلس للأحرار وحتى عند خلق ثلاث جماعات بالمدينة تنازع الأحرار والإسلاميون لتستقر الأمور للأحرار بصفة عامة..
وبالموازاة مع هذه الأغلبيات وهؤلاء الرؤساء، تعاقب على عمالة وجدة عدة عمال لكل منهم شخصية مختلفة.. ويمكن هنا أن نشير إلى أن ما يجمع كلا من بوفوس، أفود، المذكوري الصبار هو المقاربة الأمنية بدرجات مختلفة من عامل لآخر، أما المقاربة التنموية فقد كانت شبه غائبة… أما المنتخبون فقد كانوا منشغلين عن هموم المدينة بالصراع حول رئاسة المجموعة الحضرية. فلم يقدموا للمدينة أي شيء يذكر. لقد شكل عدم استقرار “الأغلبيات” داخل الجماعات الحضرية عاملا معيقا على مستوى التسيير، خاصة جماعة سيدي إدريس القاضي، ويكفي التذكير بتعاقب كل من عمر لزعر، بيبودة، ثم محمد توفيق على الرئاسة وتعاقب كل من الناجم وبولويز وحدوش على رئاسة المجموعة الحضرية… نتحدث هنا عن المرحلة ما قبل الزيارة الملكية التاريخية لوجدة في مارس 2003. وهي المرحلة التي انصرف فيها الولاة العمال والمنتخبون عن الانشغال بآلام وأمال وجدة وساكنتها إلى الانشغال بأمور أخرى، أمنية عند البعض وشخصية عند البعض الآخر…
إن الخطاب الملكي التاريخي بوجدة كان في عهد الوالي حميد حمدي، وكان لخضر حدوش رئيسا للجماعة الحضرية.. لم تتحرك وجدة ولم تنطلق المشاريع والأوراش.. والمعروف عن الوالي حمدي عشقه للاجتماعات، فبين اجتماع واجتماع اجتماع، وعدم جرأته إن لم نقل عدم قدرته على مباشرة الملفات الكبرى.. طبعا الثنائي (حمدي / حدوش) كان متفاهما ولكن هذا التفاهم لم يفد مدينة وجدة في شيء.
وكان لابد من انتظار تعيين الوالي العامل محمد ابراهيمي لتفتح الأوراش وتنطلق المشاريع. وكان انطلاق المشروع الكبير لتأهيل مدينة وجدة حضريا وانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… ويمكن القول بأن محمد ابراهيمي كان محظوظا، محظوظا لأن المرحلة التي تحمل فيها المسؤولية هي مرحلة الاعتمادات الضخمة، ومحظوظا لان لخضر حدوش رئيس الجماعة الحضرية تنازل عن كل اختصاصاته وفوضها للوالي العامل، فهو “الرئيس الذي لا يقول “لا أبدا” على حد تعبير محمد ابراهيمي في إحدى الاجتماعات.. ويسجل الجميع أن وجدة في عهد هذا الوالي، أصبحت عبارة عن و رش مفتوح، مفتوح على الانجازات وعلى الإختلالات.
بعد فترة محمد ابراهيمي تم تعيين عبد الفتاح الهومام واليا للجهة الشرقية عاملا لعمالة وجدة انجاد، فترة الهومام اقل ما يقال عنها أنها فترة للنسيان، إنها فترة عطالة، وإذا كان الوالي العامل شاردا فان عمر احجيرة رئيس الجماعة الحضرية كان منشغلا بتثبيت رئاسته، استنزفته الصراعات داخل المجلس فنسي انتظارات وجدة وساكنتها، وقد تكونت، نتيجة لهذا الوضع، قناعة لدى الوجديين مفادها أنه عندما يغيب الوالي، كما هي حالة الهومام” ويتخلى عن مهامه لأسباب أو أخرى ينكشف قصور الأغلبية ورئيسها.
وكان تعيين محمد امهيدية واليا عاملا قيمة مضافة للمدينة، رجل الميدان بدينامية فعالة …
وبعد امهيدية يحظى معاذ الجامعي بثقة جلالة الملك ؛ عامل _ والي يشتغل بهدوء وحكمة ، يكره الصخب والضجيج …لكنه وجد نفسه أمام مجلس جماعي معطوب ، معطوب رئيسا وأغلبية . من هنا منتظر من وزارة الداخلية ومن الوالي إيقاف هذا العبث ، لتدارك ما يمكن تداركه في الفترة المتبقية من عمر هذا المجلس .
نقرأ في الورقة التوجيهية للمؤتمر الإقليمي التاسع للاتحاد الاشتراكي بعمالة وجدة أنجاد ، المنعقد في 1 يونيو 2024 ، ” إن هذه الأزمة التي تعيشها جهة الشرق، قد انعكست بشكل جلي على عمالة وجدة أنجاد، التي كان من المفترض أن تكون قاطرة للتنمية، وبشكل متواز مع إقليم ا لناضور.
وعوض تضافر الجهود، ومساهمة الهيئات المنتَخَبة، يُسجل المؤتمر الإقليمي التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن نتائج استحقاقات 2021، أفرزت هيمنة الثلاثي الحكومي على مجلس مدينة وجدة، وبأغلبية مريحة جدا. إلا أنه بدل العمل على تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انخرط المجلس في مسلسل أوصله “للباب المسدود”، حيث انتقل من “تغول” الأغلبية على المعارضة، إلى “تغول” الأغلبية بعضها على بعض ، بشكل عرقل السير العادي للمجلس، وعرقل اتخاذ القرارات، وغيب المجلس عن تنفيذ أي شيء يُذكر لصالح الساكنة.
ولهذه الأسباب وغيرها، لم يكن غريبا أن تتعمق الأزمة بعمالة وجدة أنجاد، وأن تنتشر كل مظاهرها على مستوى مختلف الفئات الاجتماعية، وسائر القطاعات الإنتاجية والخدماتية.”
ونقرأ في البيان العام للمؤتمر ” يعبر المؤتمر عن أسفه العميق للفرص التي يضيعها المجلس الجماعي الحالي لمدينة وجدة ، الذي أبان عن ممارسات أبعدته عن هموم الساكنة وتطلعاتها ، وجعلته نموذجا لتغول جديد للأغلبية يغذيه الصراع المزمن على ” التفويضات ” ، مما أدى إلى تعطيل المجلس من قبل الأغلبية ، محدثا خلطا بين الدور الدستوري للمعارضة وبين ممارسات عرقلة سير مجلس منتخب .”