عفوا أيها ” الرفيق ” …نساء ورجال التعليم ليسوا ” عطاشة “
عبد السلام المساوي …
التاريخ يشهد أن نساء ورجال التعليم ، كانوا ومازالوا مناضلين…إنهم اصحاب قضية …ناضلوا ، رافعوا ودافعوا لتبقى الراية مرفوعة …كرامة المواطن هي العنوان والعدالة سيدة الميدان….
لا أحد يجادل ، الآن وغدا ، أن نساء ورجال التعليم لعبوا رياديا وتاريخيا في المحطات المفصلية والحاسمة من تاريخ بلادنا ، انخرطوا بقوة ، بوعي وإرادة، في الحركة الوطنية ودافعوا باستماتة لتحرير البلاد وتحرير الانسان.
وفي قمة الزمن الأسود والقمع الهمجي الأعمى يفتك بالبلاد ، والديموقراطيون يعيشون المحن ، والمؤسسات والوحدة الترابية قد أصبحت في خطر ، كان نساء ورجال التعليم قاطرة استراتيجية النضال الديموقراطي ، وراهنوا على أن انتصار الديموقراطية والتقدم الاجتماعي ، انتصار العدالة القانونية والاجتماعية ، يقتضي الانخراط الواعي ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي ، بما يعنيه ذلك من قطع مع أساليب القمع والظلم ، الاستيلاب والاستغلال…
يسجل التاريخ ، يسجل تاريخ النضال الوطني والديموقراطي ، ان نساء ورجال التعليم ، لعبوا دورا طلائعيا وقياديا في التوعية والنضال ، النضال من أجل الحرية والعدالة والنضال من أجل ارساء دعائم وأسس دولة الحق والقانون …
الأستاذة والأستاذ ؛ رمز للنضال والتضحية ، هم الطليعة …هم القيادة …زعماء الاتحاد الاشتراكي ، زعماء اليسار ، منتوج جيد لقطاع التعليم ؛ ….وما زال قطاع التعليم ولودا…
في السبعينيات والثمانينيات مورست مختلف أشكال الإبادة على الأساتذة؛ الأساتذة المتنورين …قطعت أرزاقهم وأعناقهم؛ مورس عليهم العنف المادي والرمزي …جربت فيهم وعليهم مختلف أنواع التهديد والترهيب…فكانت النتيجة أن انسحب المدرسون – المربون ، واستقالوا من مهامهم بحثا عن ” راحة البال ” …ونتيجة للخوف الذي وشم المرحلة ، وللرعب الذي سكن الجميع ؛ استبطن هؤلاء الاستسلام فتخلوا عن المثل والأحلام ، عن المبادئ والآفاق…وتحولوا من فاعلين تربويين إلى كائنات خبزية ، همهم الوحيد هو الترقية والترقي ، الانسحاب والمغادرة فالتفرغ للدروس الخصوصية…
وكان ” البديل ” ظهور مدرسين جدد ” دعاة ووعاظ ” …وبسبب هؤلاء المدرسين – الدعاة ، اقتحمت الأفكار الظلامية المؤسسات التعليمية …
استفحل خطر الفكر الظلامي ، وتعاظم حجمه لما وصل إلى المنبر الدراويش والطرقيون ، والمتحزبون المتشبعون بالفكر الظلامي العنصري ، فأفسدوا الجو الاسلامي ، النقي والطاهر ، الصافي والمقدس ، الذي ينبغي أن يهيمن على المسجد . أئمة ، البعض وليس الكل ، دعاة الحقد والكراهية ، وزارعو العنف والإرهاب ، أئمة تسلطوا وسلطوا على منابر الجمعة بغرض قلب الحق باطلا والباطل حقا ، بغرض مهاجمة اليسار والديموقراطية ، مهاجمة الحداثة والتنوير والثقافة الحقوقية ، متأولين النصوص الدينية تأويلا سيئا وتوظيفها توظيفا ايديولوجيا ، متحذلقين في العبارات بغرض إثارة النقمة والكراهية في صفوف المصلين ، ليس فقط ضد الحضارة الإنسانية وضد الثقافات الأخرى ، بل ضد إخوانهم من المغاربة الذين يخالفونهم في الرأي والموقف ، وهم في كل ذلك لا يصدرون الا عن نزواتهم السياسية الضيقة …
لم يعش اليسار يوما الا مسلحا بالشارع ، حتى ان كل الذاكرة اليسارية لما تريد تمجيد ماضيها لا تقف الا عند تواريخ من قبيل 1965 ، 1981 ، 1984 ، 1991 ….ولم يوما ممكنا ذكر اليسار دون أن يكون مرفوقا بالاضرابات والاحتجاجات والتعبير عن نبض الشارع …
ويوم اغتيل اليسار وتخلى عن الشارع ، استوطنته جحافل الاسلاميين والعدميين الذين لا لون سياسي ولا ايديولوجي لهم….الذين لا يهمهم المغرب ولا شباب المغرب…
وهنا كل الحكاية ومكمن الداء الذي يسعى بعض من اليسار ، وفي طليعته الاتحاد الاشتراكي ، علاجه ، وليس أمامه من خيار اخر غير رفع راية النجاح في وجه الشامتين في حاضره والناقمين على ماضيه.
القواسم المشتركة بين نزعة خرافية باهتة ظلامية ونزعة يسارية عدمية ، القواسم المشتركة بين هاتين النزعتين افتقادهما لروح الانتماء الى الوطن ، وهول فقدان الثقة العدمي في المؤسسات، ومحاولة الهروب إلى الأمام من خلال الاختباء وراء نزعة ثورية منفصلة عن الجماهير الشعبية التي يتوهمون التحدث باسمها …
ولأجل الوقوف على التناقض بين الشعار والتطبيق ؛ عندما يعجز اليسار العدمي عن لم الجموع حوله ، وعندما يقتنع ان العنوسة الجماهيرية ضربته في مقتل ، يلجأ لعشاق الزيجات المتعددة اي للتيار الديني الظلامي المتطرف لكي يخرج له آلاف من الناس في الشوارع لئلا تبدو المظاهرات صغيرة وغير قادرة على قيام جماهيري ، وغير متمكن من عنفوان ودليل عافية حقيقي في الشارع ..
لقد اختار اليسار العدمي سب وشتم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، اكبر أحزاب اليسار وقاطرة قوى التقدم والحداثة ، وتخندق مع قوى الخرافة … قوى الرجعية والظلام …وهنا استحضر لينين ( اليسار المتطرف يلتقي موضوعيا مع اليمين المتطرف ) !!!
بعيدا عن جدل التبريرات الانهزامية والمواقف العدمية التي تجتر أطروحة ” احتضار ” اليسار ،بما هو خيار تقدمي ، ومسار مجتمعي ، نهضوي مرتبط بمطالب وتطلعات الفئات الشعبية الواسعة الى الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ؛ فإن معضلة اليسار كامنة أساسا في أزمة اليساريين ذاتهم الذين انعزلوا عن ديناميات الحركية المجتمعية ، واختزلوا الانتماء اليساري في ترديد الشعار وإصدار ” الفتاوى ” اليسارية ، بدل النهوض الفعلي ، العملي ، بمشروعه المجتمعي ، بمقوماته المترابطة عضويا ؛ الفكرية والجماهيرية والنضالية .
ما عاد أحد يجادل في أن اليسار العدمي ، غارق في خطابات التمجيد النابعة حكما من الحاجة المستديمة ” للصنمية الثورية “-
لقد أثبت التاريخ فشل كل المحاولات التي أرادت أن تؤسس أحزابا على أقصى يسار الاتحاد الاشتراكي …أنشئت ( البدائل ) ووحدت في ( بديل ) ، وكانت الحصيلة ، تجميع الأصفار ؛ دكاكين يسارية ونوادي سياسية منغلقة ومنعزلة عن الجماهير ، تنتج اللغو و( تبدع ) في سب وشتم الاتحاد الاشتراكي
– اليسار العدمي تخلى عن القيم اليسارية الكونية ، والنضال من أجل مجتمع ديموقراطي حداثي ، وتخصص في ( النضال ) من أجل إعلان ( نهاية الاتحاد الاشتراكي ) … يسار عدمي تجاهل ، عن سبق إصرار وترصد ، الخصم والعدو الحقيقي للديموقراطية والحداثة ….
– يسار عدمي متضخم الزعامات على الفراغ …وبنرجسية مرضية يتوهم امتلاك الحقيقة….
– منذ بداية البدايات ، منذ السبعينيات وفي الجامعة ، الذين ركبوا الغلو والتطرف وتموقعوا في الأقصى البعيد للاتحاد الاشتراكي ، تحولوا مع الزمن إلى أقصى اليمين ( سبحان مبدل الاحوال ) …
– وهم كطلبة ( ثوار ) قرصنوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ووجهوا له الضربة القاضية فلم تقم له قائمة ….
إن حزب الاتحاد الاشتراكي ، وهو يقدم على المراجعات واتخاذ القرارات في المؤتمر الوطني 11 ، استحضر كل الخلخلة التي يتطلبها الحقل السياسي من أجل تعزيز قوى الحداثة ، والطريق الذي لا زال ينتظرالمغرب في مجال التحديث ….لقد تبين له أن اليسارالمشتت والموزع على دكاكين بزعامات واهمة ، والذي أنشأ ( بدائل ) ووحد ( البدائل ) في ( بديل ) على أقصى يسارالاتحاد الاشتراكي ، سلوكاوممارسة ، غير معني بالتحديث ، وانه تخلى عن القيم اليسارية الكونية ….تخلى عن الإنسان …وانه يبني امبراطوريات النضال الوهمية في دواخل استيهاماته ..لا هو متمكن من أدوات تطبيق شعارات يرددهاوتنزيلها على أرض الواقع ، ولاهو ممتلك ناصية الحديث مع الشعب الذي يتحدث باسمه ليل نهار رغم ان هذا الشعب لا يعرفه !!!
مرت تحت الجسور سيول ، ولم يعد وفيا للفكرة اليسارية إلا الاتحاد الاشتراكي الذي ظل على الإيمان المبدئي الاول المبني على الانتماء للإنسان ، العاشق للحرية والديموقراطية والحداثة ، المتمثل لهافعلا لا قولا وشعارا فقط ….