نظام العسكر يعيد انتاج نفسه على شكل عهدة ثانية لتبون
بقلم .. عمر الطيبي
لم يف تبون بأي من الوعود التي وعد بها الجزائريين خلال حملة تعيينه في انتخابات 12 دجنبر2019 بانجاز مشاريع عملاقة لتمكين البلاد من تحقيق نهضتها المنشودة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وهي وعود جدد التذكير بها مرارا خلال سنوات رئاسته الخمس العجاف، لكن بلا طائل ولا جدوى، وفشل تبون فشلا ذريعا، من جهة ثانية، في تحقيق أي مكتسبات لبلاده على مستوى علاقاتها الخارجية كما وعد في بداية عهدته الاولى، وبذلك يبقى “المنجز” الوحيد في الحصيلة الرئاسية لتبون، ان صحت تسمية عمله المعادي للمغرب “منجزا”، هو تنفيذ تعهده للطغمة الحاكمة بأن يعمل ما بوسعه لرفع مستوى العداء للمملكة لدرجة لم يبلغها مع أي من رؤساء الجزائر السابقين.
ومن هنا وجاهة طرح السؤال، من طرف المهتمين بالشأن الجزائري، حول دلالات قيام نظام العسكر بتعيين تبون كواجهة مدنية له، لعهدة رئاسية ثانية تنتهي نظريا سنة 2029، بالرغم من فشله التام في تحقيق أي اصلاحات أو مكتسبات لبلاده خلال عهدته الرئاسية الاولى وذلك بدون تقييم ولا حتى مراجعة بسيطة لمنهجية عمله الرسمي على رأس الدولة خلال هذه العهدة ؟؟
فقد بات واضحا أن تبون لم ينفذ أيا من “الاجراءات ال 54″ التي التزم بها للجزائريين، وقد حصرها في 54 اجراءا، تبركا بذكرى اندلاع الحرب الاهلية الجزائرية بتاريخ فاتح نوفمبر 1954، ولا أعاد الألف مليار دولار المنهوبة في عهد بوتفليقة لصناديق الدولة، ولا أوصل القطار المكهرب فائق السرعة الى تمنراست، ولا قطار غار جبيلات الناقل لخام الحديد الى ميناء وهران، ولا حول أي من المدن الجزائرية الى حاضرة تضاهي العواصم الكبرى، رونقا وتجهيزات أساسية، ولا وفر فرص الشغل للشباب العاطل، ولا أوصل قنوات الماء الصالح للشرب للمدن العطشى، ولا زار المدن والقرى الجزائرية كما وعد مرارا وتكرارا .. ولولا ارتفاع أسعار المحروقات في السوق الدولية بشكل مهول خلال السنوات الاخيرة واستفادة خزينة الدولة من عائد مالي ضخم بفضل صادرات الغاز لعجز النظام العسكري حتى عن توفير ضروريات العيش الاساسية للجزائريين، وبالتالي لما أكمل تبون ولايته الاولى كواجهة مدنية للنظام العسكري بسلام.
وفشل تبون فشلا ذريعا في تحقيق أي من الأهداف والرهانات التي اعلن عنها بالنسبة للمجال الديبلوماسي ومنها على سبيل المثال لا الحصر تحقيق المصالحة بين الدول العربية من جهة وبين الفصائل الفلسطينية من جهة ثانية، وكذا بين الاطراف الليبية المتصارعة، كما أخفق في سعيه المعلن الى تحقيق المصالحة بين روسيا وأوكرانيا، وكذا بين مصر واثيوبيا، ثم بين دول الساحل ومنظمة (إكواس)، وقد توج كل ذلك بترشيح بلاده لعضوية منظمة (بريكس)، وأعلن عن ذلك شخصيا ب”الطبل والغيطة” كما يقول العامة، لكن أعضاء المنظمة ردوا عليه بالرفض، وقد أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا الصدد أن سبب رفضهم لطلب تبون هو عدم توفر صاحب الطلب، أي نظام العسكر، على الوزن والهيبة على المستوى العالمي، وأيضا بالنظر لطبيعة مواقفه من القضايا الدولية.
وفي محاولات يائسة لتصويب هذا المسار الديبلوماسي الفاشل قام تبون بسحب سفراء بلاده من عدد من الدول من بينها على الخصوص اسبانيا وفرنسا، في مسعى للضغط على هذه البلدان وإجبارها على تغييرموقفها من قضية الصحراء المغربية، وفي هذا الاطار نفسه قام تبون بتغيير وزراء الشؤون الخارجية صبري بوقادوم ورمطان لعمامرة وأحمد عطاف، واحدا تلو الاخر، لكن هذه الاجراءات لم تزد أزمة الديبلوماسية التبونية الا تفاقما واستفحالا، بل انها وضعت البلاد كلها في عزلة شاملة على الصعيدين الاقليمي والدولي ليس هناك ما يدل على انها ستخرج منها عما قريب.
أما الخدمة الوحيدة التي نجح تبون في تقديمها لنظام العسكر، ان صح التعبير، فهي إقامة سور عال من العداء والحقد والكراهية بين المغاربة والجزائريين، بحيث تم قطع العلاقات الديبلوماسة بين البلدين بقرار أحادي الجانب من العسكر، وتم منع تحليق الطيران المغربي في الاجواء الجزائرية، وإلغاء اتفاقية تزويد السوق الاسبانية بالغاز الجزائري عبر الانبوب العابر للاراضي المغربية، وجرى الى جانب ذلك تجنيد الاعلام الرسمي وجحافل الذباب الالكتروني ومرتزقة وسائل التواصل الاجتماعي لشن حرب اعلامية لا هوادة فيها، على الوحدة الترابية للملكة وعلى الانتصارات الكبيرة التي حققتها القضية الوطنية وأيضا على رموز السيادة الوطنية.
وقام تبون شخصيا الى جانب ذلك بتحرض الجزائريين نهارا جهارا على سرقة الموروث الحضاري والثراث الثقافي المغربي ونسبته لانفسهم بدعوى أنه موروث جزائري، كما عمل اعلام المجاري التابع له على تقزيم التاريخ المغربي، وأطلق على المغاربة في هذا الصدد أحقر النعوت وأحط الصفات لدرجة قطع معها حتى خط الرجعة نحو أية امكانية لمراجعة الذات وتصحيح الاخطاء في افق تحقيق المصالحة بين الشعبين الشقيقين كما يفترض.
واليوم عندما تمنح الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر لمهرج فاشل عهدة ثانية لرئاسة الجزائر بلا أدنى تحفظ أو مراجعة جدية فمعنى ذلك أنها ستواصل السير على نفس النهج الذي سارت عليه منذ سنة 2019 والذي أوصل البلاد الى حالة من الافلاس السياسي يغطي فيها المهرجون من أمثال تبون وشنقريحة وبنقرينة ومن يدور في فلكهم على ما يجري من نهب للمال العام وقمع الحريات وتجويع الجزائريين، أما على المستوى الخارجي فان إعادة نظام العسكر انتاج نفسه على شكل عهدة ثانية لتبون، وبدون مراعاة للتحولات الاسترتيجية على المستوى الدولي ولا للتغييرات الجذرية على الصعيد الاقليمي، فانها لا تنطوي سوى على دلالة واحدة ووحيدة، هي تزايد حجم تهديدات نظام “القوة الضاربة” لامن واستقار دول الجوار مع كل ما ينطوي عليه ذلك من خطر على أمن واستقرار ووحدة أرض الجزائر نفسها.