رسالة إلى أولاد وبنات ” الصالحين ” ؛ معالم دولة الحق والقانون
عبد السلام المساوي
نشأ مفهوم دولة الحق والقانون في أوربا كتصور بديل عن الدولة الامبراطورية ، دولة الحكم المطلق والسلطات المطلقة التي يحظى فيها الملك او الامبراطور بحق منح الحياة وزرع الموت تجاه ” رعاياه ” ، وتطور هذا المفهوم كمثال سياسي يهفى إليه وكشعار سياسي يتجه إلى تطبيقه .
هكذا ظل مفهوم دولة الحق والقانون مفهوما مقارنا صراحة او ضمنا ، لأن الحديث عن دولة الحق والقانون يتضمن الإحالة على نقيضها ، الدولة الامبراطورية التقليدية مطلقة السلطات او الدولة العصرية المستبدة .
# دولة المؤسسات
دولة الحق والقانون بهذا المعنى ، هي دولة المؤسسات بالقياس إلى الدولة التقليدية التي هي دولة الأمير او السلطان ، فاذا كانت السلطة في الدولة التقليدية متمركزة كليا وبشكل مطلق لدى شخص واحد ، هو بمثابة الواهب للخيرات او الحارم منها ، مثلما هو السيد المطلق واهب الحياة والموت ، فإن دولة الحق والقانون ، أي الدولة العصرية الديموقراطية ، هي دولة يتم فيها توزيع السلطة واقتسامها لا على أفراد بل على مؤسسات ؛ مؤسسات تشريعية ، مؤسسات تنفيذية ، مؤسسات قضائية .
# فصل السلط
هذه المؤسسات تتوزع السلطة ، بل تشكل في الصيغة المثالية لهذا التصور – بالنسبة لبعضها سلطا مضادة ، هدف كل واحد منها ، هو الحد من سلطة الأخرى .
وما يوحد ويربط بين هذه السلط الموزعة ، هو وحدة الفضاء القانوني الذي يرسم لكل سلطة مجالها واختصاصاتها وحدودها ، فالمعيار والمرجع والحكم في دولة الحق والقانون ، هو القانون سواء تعلق الأمر بالقانون الأساسي الذي هو الدستور او بالقوانين القطاعية .
# سلطة القانون
وهكذا ، فإن هذه الدولة تقوم على إحلال العلاقات القانونية محل العلاقات الوجدانية والقرابية ( العائلية ) ، والعرقية ، والمهنية ، والمالية والأخلاقية وغيرها . فسلطة القانون هنا هي السلطة المرجعية الأعلى التي تستمد منها كل الهيئات والقطاعات والممارسات مرجعيتها الرسمية .
# فضاء للحرية السياسية
# تفترض وتستلزم دولة الحق والقانون ، بجانب توازي وتقابل السلط و مراقبتها لبعضها البعض وسيادة القانون ، وجود فضاء من الحرية السياسية يمكن كل فرد من الأفراد من أن يكون كائنا متمتعا بالحرية ، مساويا لغيره مساواة صورية اي من حيث امتلاكه لصفة المواطنة ولحقوقها ، وفاعلا سياسيا بالقوة او بالفعل .
# الفرد مواطن صاحب حقوق
الفرد في الدولة التقليدية ، هو مجرد مرعي تمنح له بعض الحقوق وبعض الامتيازات أحيانا ، في حين أن الفرد في دولة الحق والقانون ، هو بالأساس مواطن صاحب حقوق Sujet de droits يضمنها ويحميها القانون
# دولة المساواة الصورية المطلقة
تقوم الدولة التقليدية على أساس التمايز والامتياز العرقي او العقدي او الإنتمائي ( الشرفاء مقابل العوام ) ، أما دولة الحق والقانون ، كدولة تجسد الحداثة السياسية ، فهي دولة المساواة الصورية المطلقة ، الناس فيها لا يختلفون ويتمايزون من حيث طبيعتهم وكينونتهم الانسانية ، بل من حيث ما يملكون وما يستحصلون ، فهي تحقق ” تساوي الشروط ” وتعتبر المساواة الفعلية او الاقتصادية أمرا خارج دائرة اختصاصاتها .
# لا احد فوق القانون
الجانب الاقتصادي الذي يهم دولة الحق والقانون هو التطبيق الفعلي لمبدأ ” لا أحد فوق القانون ” في المجال الاقتصادي اي الغاء الامتيازات الاقتصادية والضريبية والزامية أداء الضرائب ومستحقات الدولة بالنسبة للجميع لا فرق في ذلك بين أبيض وأسود ، بين شريف أوعامي …بين رجل السلطة والمواطن العادي .
ومقابل ذلك ، فإن دولة القانون هي مبدئيا دولة الحق او الحقوق اي الدولة التي تضمن قانونيا للأفراد حقوقهم المختلفة ( السياسية والاقتصادية والقانونية ) ، ومن ثمة ، فإن حقوق الإنسان ، ليست فقط زينة سياسية بقدر ماهي اطار قانوني وسياسي وثقافي ضامن للحق تشريعيا ومؤسسيا وثقافيا .
# دولة الحق والقانون تعبير عن المواطن وتجسيد مؤسسي ضامن لحقوقه
دولة الحق والقانون هي الصيغة التنظيمية السياسية التي تنقلب فيها العلاقة بين الفرد والدولة ، بين الحاكم والمحكوم رأسا على عقب ، الدولة التقليدية تعتبر ” الحقوق ” هبات تتكرم بها على رعاياها ، مميزة بينهم تمييزا استثنائيا في حين ان دولة الحق والقانون تمثل تعبيرا عن المواطن وتجسيدا مؤسسيا ضامنا لحقوقه .الفرد في هذا المنظور هو المواطن الذي يهب الدولة مشروعيتها عبر الآليات الديموقراطية .
# دولة الحق والقانون هي قرينة الديموقراطية
ودولة الحق والقانون هي مجموع المؤسسات الممثلة والضامنة للحق العام والحقوق الفردية . ومن ثمة فإن هذه الدولة هي قرينة الديموقراطية ، إذ لا يمكن أن تقوم دولة الحق والقانون الا على أساس من الديموقراطية ، بل لعلها من مقتضيات الديموقراطية ومستلزماتها.
# دولة الحق والقانون نقيض الدولة التقليدية مطلقة السلطات
ان دولة الحق والقانون هي النقيض الكامل للدولة التقليدية مطلقة السلطات التي تعتبر الحقوق هبات وأعطيات منح تتكرم بها السلطة على مرعييها ، وليست حقوقا طبيعية ، واصلية ، وغير قابلة للتفويت .
# دولة الحق والقانون نقيض للدولة البوليسية
مثلما هي النقيض التام للدولة البوليسية التي تحكمها الهوالس والهواجس الأمنية والتي تأخذ الناس بالشبهة ، وتمارس عنفا على المجتمع وكأنها في حالة حرب معه ، في حين أن ما يسود في دولة الحق والقانون هي العلاقة القانونية السلمية التي يكون فيها القانون هو الضامن لحقوق الأفراد والفئات المؤطرة بثقافة الحوار والنقاش العمومي ، والمحلة لسلطة القانون محل سلطة القوة السافرة .