أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

على أبواب “سايكس بيكو” أخرى

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

ترجمة: رمضان مصباح

إن تدمير قيادة حزب الله اللبناني، المجتمعة في مقره بالضاحية الجنوبية لبيروت ،هو نتيجة لخدعة قديمة قدم الحرب، وهي الآن تمهد الطريق لغزو لبنان من قبل القوات الإسرائيلية ،بطريقة مشابهة لغزو عام 1982 ،مع اختلاف كبير هذه المرة:
غزو لبنان من قبل إسرائيل وحلفائها سيؤدي، هذه المرة، إلى استكمال غزو سوريا؛ لأن هذا البلد، أو على الأقل ما يمكن أن نسميه سوريا المفيدة، يقابل الأراضي الخاضعة لسيطرة دمشق، سيجد نفسه بين لبنان تحت الاحتلال ألإسرائيلي ومحافظة متمردة في ألشمال؛ بالإضافة إلى الأراضي التي تحتلها القوات الأمريكية في الشمال الشرقي والشرق والجنوب الشرقي.
وسيكون تطويقاً مثالياً إذا أضفنا القواعد العسكرية للولايات ألمتحدة وحلف شمال ألأطلسي في الأردن، المتاخمة لسوريا من الجنوب.
وهذا يعني أنه، وفقاً لشبكة قراءة قديمة غير فعالة اليوم، نظراً للتطور الحالي للوضع، فإن التواصل الاستراتيجي بين إيران ولبنان سوف ينقطع؛ بل وسيزداد انقطاعاً بسبب غزو لبنان الذي سيضع سوريا في موقف صعب.
وفرض منطقة الحظر الجوي فوق لبنان، الدولة التي لا تملك وسائل دفاع جوي، يساهم في تنفيذ هذه الاستراتيجية.
ويهدف القصف الجوي الذي يستهدف مجموعات صغيرة أخرى في لبنان، والتي تم إعادة تنشيط بعضها للتو، بعد عقود من ألخمول، إلى تمهيد الطريق لغزو بري.
ويبدو أن الخيار الأخير لا مفر منه لأنه أصبح ممكنا بفضل إزالة حاجز حزب الله، وغياب أي قوة قادرة على مواجهة مثل هذا الاحتمال في الوقت الراهن.
ولذلك فإننا أمام موقفين واضحي المعالم:
1.رغبة أميركية في فرض نظام جديد في الشرق ألأوسط من خلال استعادة النفوذ الأميركي في ألمنطقة وإعادة تأهيل أسطورة إسرائيل التي لا تقهر .
وهذا يعني أن واشنطن لا تكتفي بضمان الدفاع عن إسرائيل فحسب، بل ببناء سمعة جديدة لها؛ وهو شرط لا غنى عنه للحفاظ على الهيمنة الإقليمية.
في الجانب ألإسرائيلي تدور الخطة اللاحقة حول الإستراتيجية الأمريكية؛ وليس من قبيل الصدفة أن عملية قطع رأس حزب الله اللبناني كانت تحمل الاسم الرمزي العبري:
“سدر حدشت” أي النظام الجديد في دمشق؛ وهو الأمر الذي فشل في تحقيقه ، خلال عقد من الحرب بالوكالة والحرب الأهلية .
وبمجرد تحقيق هذه الأهداف، لن يعود هناك أي عمق استراتيجي لحركة مثل حزب الله اللبناني في سوريا أو العراق أو إيران. وستكون أيضًا إشارة لتغيير النظام في إيران ودعم الإمبراطورية(الولايات المتحدة) المعلن لما يسمى بالفصيل الليبرالي المعتدل، الذي ينتمي إليه الرئيس الإيراني الحالي، مدعما انتخابيا من طرف الأغلبية.
هذه الخطة طموحة، وفيها آمال كبيرة لمشروع مفهوم” إسرائيل ألكبرى “الذي لن يحتاج تحقيقه حتى إلى اتفاقات إبراهيم ليؤتي ثماره.
2.في المقابل، فإن سورية، رغم كل نقاط ضعفها البنيوية والمفترضة، تبرز حالياً باعتبارها الحلقة القوية في ما يسمى بمحور ألمقاومة بينما كانت تعتبر حلقة أضعف.
مثل والده حافظ الأسد، سيتعين على بشار الأسد إدارة غزو إسرائيلي محتمل للبنان في سياق استراتيجي أكثر دراماتيكية بالنسبة للقوات المسلحة السورية ،التي أضعفها عقد من حرب شديدة التدمير ،جعلتها بين أربع صراعات ساخنة.
ان سوريا هي التي زودت حزب الله اللبناني بالأسلحة والذخائر؛ إنها هي التي ترحب باللاجئين اللبنانيين وأعضاء حزب الله أللبناني ويبدو أن سوريا هي التي تتمتع بأفضل فهم للقضايا المطروحة في الصراع مع إسرائيل ،حتى و لو نادراً ما يُترجم هذا الفهم إلى تطبيق ملموس.
حزب الله اللبناني لم ينته بعد، لأنه سيعيد تشكيل نفسه بسرعة؛ لكن اعتماده على إيران ذات الرأسين، التي يريد نصف نظامها التحالف مع ألإمبراطورية، يعرض للخطر بقاءه كحركة. فإيران لاعب إقليمي رئيسي، لكن مشاكلها الجوهرية ،واستقطاب غالبية سكانها ضد ما يسمى بفصيل الصقور، المتجمع حول المرشد الأعلى والقوات المسلحة؛ يمكن أن يضعف بشكل كبير فرص حزب الله في البقاء، ويحد من جرأته على الخصم ،الذي بدأ حلمه برؤية شرق أوسط جديد في التبلور.
ونتيجة لذلك، فإن المرحلة المقبلة من الصراع في الشرق الأوسط ستكون أكثر من حاسمة؛ فجميع الخطوط الفاصلة التي وُضعت في المنطقة منذ الفترة 2006-2015 قد تحركت.
إن المماطلة الاستراتيجية الإيرانية هي موضوع نقاش سياسي رفيع المستوى، ورهاناته عالية ، ولكن أسبابه معقدة للغاية بحيث لا يمكن معالجتها هنا.
إنها أولاً مسألة إثبات أنها بالفعل استراتيجية ،بسبب الصراع الداخلي داخل القوة الإيرانية ،وازدواجية سياستها الخارجية ؛منذ قضية إيران غيت (إيران كونترا) خلال الثمانينيات؛ في منتصف الحرب الإيرانية العراقية ؛حتى أن اغتيال أحد قادة حركة حماس الفلسطينية في طهران، ووفاة رئيسها السابق إبراهيم رئيسي، في ظروف بعيدة كل البعد عن ألوضوح في حادث طائرة هليكوبتر؛ هي عناصر كثيرة من المحتمل أن تقدم طرقًا أخرى للتحليل.
الأمر المؤكد هو أن استراتيجية المواجهة المحدودة التي طلبتها طهران من حزب الله أدت إلى قطع رأسه.
في هذا السيناريو، أمام الحكومة الإيرانية خياران محتملان:
التحرك أو عدم التحرك. أما الخيار الثاني فهو أكثر كارثية على صورة إيران من الخيار الأول.
وفي الحالتين، من المستحيل تجنب الضرر؛ إلا في حالة تلقي ضربة ناعمة تسمح لما يسمى الفصيل الليبرالي بإطاحة المرشد الأعلى ،وتفكيك هيئة الحرس الثوري، والعودة إلى وضع ما قبل عام 1979.
إن إيران الموالية للغرب كما كانت الحال في زمن البهلوي (تعرضت للخيانة والتخلي من طرف الغرب الذي كانت تثق به) ستسمح بتقويض النظام الجيوستراتيجي الروسي بأكمله، على جناحها الجنوبي، بينما تغرق على جناحها الغربي.
ان واحدة من مزاياها الجغرافية و الاقتصادية ، التحول الوحشي للسوق العالمية للغاز الطبيعي والمواد الهيدروكربونية، وأخيرا ستخرج إيران من طريق الحرير الصيني الجديد.
لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، حتى و لو كان هذا هو الهدف الذي يسعى إليه الصراع الحالي.
إن هذه الإستراتيجية جريئة للغاية؛ فعنصرها الأساسي يتلخص في استخدام القوة الوحشية ،والخداع، لفرض واقع جديد للقوة في المنطقة الوسطى من العالم ،وضمان بقاء إسرائيل لمدة قرن من الزمان على الأقل.
باختصار، تريد الدولة العميقة للولايات المتحدة، التي تختبئ وراء صورة بايدن-هاريس، تكرار ما فعله الجنرال البريطاني إدموند اللنبي (1861-1936) في فلسطين وسوريا في 1917-1918 ؛من خلال الاستيلاء على دمشق وتمهيد الطريق لتعديل عميق في سوريا.؛ورسم الخريطة السياسية للمنطقة ،بعد مرور عام على اتفاقيات سايكس بيكو التي أدت إلى نشوء الشرق الأوسط الحالي.
في المقابل، تبدو مساحة المناورة ضيقة، والمرجع الوحيد المتبقي هو حركة «حماس» الفلسطينية، الحلقة الأضعف؛ التي لا تملك عمقاً استراتيجياً من أي نوع، فهي متحصنة في شريط صغير من الأرض الرملية، محاصر براً وبحراً وجواً، وتتعرض لقصف مدفعي، وقصف جوي، وضربات بطائرات بدون طيار، وغارات بالدبابات القتالية، وعمليات هدم خاضعة للرقابة، أو غير خاضعة ، لنسيجها الحضري وشبه الحضري.
أي مماطلة أصبحت الآن ميزة للخصم، الذي يستغل الوقت لتطوير وسائل تخريبية تهدف إلى وضع حد لاستراتيجية حرب الاستنزاف.
إن إعادة تشكيل قيادة حزب الله اللبناني ،وتغيير استراتيجيته نحو هجوم آخر، أكثر جموحاً وأقل اعتماداً على تعقيدات ألعاب القوة في طهران- كما هو الحال مع جماعة أنصار الله في اليمن- يمكن أن يضر بالنظام الجديد.
في تحدٍ للزمن، يقدم الوضع الحالي في الشرق ألأوسط ذكريات مزعجة عن الوضع في هذه المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى.
إن التطورات القادمة لهذا الصراع، الذي يشكل جزءاً من الحرب العالمية الأولى الهجينة الجارية ـ وهي الأولى في التاريخ- سوف تسمح لنا بأن نستقر بسرعة، إلى حد ما ،على نتيجة نشعر بها بالفعل، ولكن الحكمة المنهجية تمنعنا من الإعلان عنها.
عن:
STRATEGIKA51
SEP:2024

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock