دورات أكتوبر ….ياللعار !!!
عبد السلام المساوي
” عرت دورات أكتوبر الخاصة بالمصادقة على مشاريع الجماعات الترابية ، على تدن خطير في مستوى النقاش داخل الجلسات المنعقدة ، حيث عاين الجميع كيف تحولت جلسات إلى حلبات للملاكمة والسب والشتم والعنف ، فضلا عن تصرفات غريبة ولا أخلاقية ….
الخطير هو أن العديد من الأعضاء يعتبرون أن ما يحدث داخل جلسات الدورات ، من جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي من عنف وسب وقذف وتهديد وتصرفات مشينة وتسفيه لدور الجماعة كمؤسسة دستورية ، حقا مكتسبا وطريقة عادية لابتزاز الرؤساء وتهديدهم ، لتحقيق أجندات ضيقة تتعلق باقتسام كعكة المال العام والصفقات وسندات الطلب والتدبير المفوض ، وقضاء مآرب المقربين والأعيان والأشخاص الذين لهم مصالح تعميرية وغيرها مرتبطة بالجماعة .
إن مستوى التدخلات والنقاش داخل أي مجلس جماعي ، يمنحك مؤشرات واضحة حول قدرة الجماعة على خلق التنمية والمساهمة في التشغيل ، ومدى الاهتمام بالصالح العام ، ومواكبة التوجيهات الملكية السامية ، والحال أن المجالس الجماعية تحتضر وما يتسرب منها من تصرفات صبيانية زنقاوية لا يبشر بخير ، ويستحيل معه تجويد خدمة الشأن العام ، وإغراء الشباب بالانخراط في العملية الانتخابية .
لقد تحول المنصب السياسي إلى مرادف للاغتناء والمكاسب والمناصب والشبهات ، فيما أصبح النقاش السياسي أقرب منه للحلقة إلى أي شيء آخر …
سجلت جميع المؤسسات الرسمية ، في تقارير لها ، أن فئة واسعة من الشباب لا تمارس السياسة ، لذلك فإن تمييع وتسفيه دور المجالس الجماعية وتحويل جلسات الدورات إلى ما يشبه عراك رأس الدرب والعربدة والسب والشتم والعنف والتهديد به ، يزيد الطين بلة ويقضي على آمال المشاركة الشبابية في العملية السياسية لإعادة الحياة إليها ، وتحريك مياه الفساد الراكدة ، والسعي إلى تفعيل وتطوير دور المجالس ، وفق القوانين التي تنظم المجال .” جريدة الأخبار – العدد 3598
حينما توجه أكثر من 50 في المائة نحو صناديق الإقتراع للتعبير عن إرادتهم واختيار ممثليهم المحليين ، فإنهم كانو يفعلون ذلك لقطع الطريق أمام العدمية وخصوم الوطن ، لكن كانوا يفعلون ذلك أيضا لسد النوافذ أمام الأميين وسماسرة الانتخابات والوجوه القديمة المستهلكة المفسدة المتابعة في قضايا المال العام .لكن الصورة كانت صادمة حينما وجد المواطن على رأس جماعته أو اقليمه أو جهته وجوها مثقلة بالمتابعات القضائية بسبب تدبيرها الترابي السابق .
وهكذا أصبحنا أمام مجالس ترابية لا تستحق الاحترام ، ولا تعكس توجهات الإرادة الشعبية ، ولا يتوفر فيها أي مظهر من مظاهر الكفاءة .
لقد قطع المغرب أشواطا في ارساء نموذجه الديموقراطي ، وجعل من الانتخابات والتمثيل الوطني والمحلي والجهوي ، أسمى درجات خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم وإيجاد حلول لقضاياهم في الصحة والتعليم والشغل والقضاء والترفيه والبنيات التحتية ، وهو غير مستعد للتقهقر الى الوراء من أجل شرذمة من المنتفعين مكانها السجن ….
لقد تحول الحصول على صفة مستشار جماعي أو إقليمي أو جهوي لدى البعض إلى الى استثمار يدر أرباحا طائلة دون سند مشروع ، ويكفي الرجوع قليلا للنبش في صفقات إدخال بعض المناطق للمجال الحضري وصفقات التجهيز والتعمير والدراسات ، لنقف على حجم الإثراءات غير المشروع لبعض الرؤساء بسبب قربهم الوثيق مع الصفقات المحلية والمقاولين ، ولا أدل من ذلك نقطة من بحر المتابعين أمام المحاكم بسبب تضارب مصالحهم .
والحقيقة التي يعلمها العادي والبادي أن هناك خلطا متعمدا لدى المنتخبين المحليين بين تضارب المصالح وتمثيل المصالح ، فهم يتقاعسون في ممارسة المفهوم الأول لأنه مرتبط بتمثيل المصالح العامة وببذل المجهود والوقت بينما يجتهدون بل يبرعون في الدفاع عن مصالحهم الذاتية والشخصية بطرق مفضوحة .
وما لم يقف الولاة والعمال وقفة صارمة تجاه الاعتداء على المال العام وحمايته من تضارب المصالح ، فإن النزيف سيستمر وسيحول المنتخبون المال للجمعيات التي تخدم مصالحهم الإنتخابية ، وسيسمحون بتفويت صفقات كبرى مع من يتواطؤون معهم في السر وتحت الطاولة . ببساطة لأن هناك آلاف الطرق للتحايل والالتفاف على القانون ، وكما يقال بقدر ما تكثر القوانين بقدر ما يزداد عدد اللصوص . فالمنتخب الصالح لا يحتاج إلى القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية أمام مصالحه والمال العام ، أما المنتخب الفاسد فسيجد دائما طريقة ما للإلتفاف على القوانين لتحقيق مصالحه .
الواقع أن الصرامة التي أبانت عنها الدولة في التصدي إلى عمليات الفساد والإثراء غير المشروع وتبييض أموال المخدرات في العقار والسياسة والرياضة ، ينبغي أن تسائل الأحزاب إياها أيضا في الحكومة والأغلبية والمجالس الجهوية والإقليمية والمحلية “ان تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم مسؤولية وطنية ، وأمانة جسيمة ، لا تقبل التهاون والتأخير ؛ ضمن نص خطاب وجهه جلالة الملك محمد السادس ، الى أعضاء البرلمان برسم افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية ، يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016 , قال جلالته ” مع كامل الأسف ، يلاحظ ان البعض يستغلون التفويض الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام في اعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية ، بدل خدمة المصلحة العامة ، وذلك لحسابات انتخابية ، وهم بذلك يتجاهلون أن المواطن هو الأهم في الانتخابات ، وليس المرشح او الحزب ، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل …فاذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين ، سواء على الصعيد المحلي او الجهوي ، وحتى الوطني ، فلماذا يتوجهون اذن الى العمل السياسي ؟ (….) ان الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب ان يضع المواطن فوق أي اعتبار ، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له ، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية …”