اتحادية تفحم رئيس الحكومة أخنوش!
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي لم يفتأ فيه عاهل البلاد محمد السادس يدعو في أكثر من خطاب ومناسبة إلى ضرورة العناية بالطاقات الشابة والنسوية، والحرص على إشراكها في الاستحقاقات الانتخابية من أجل ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية، مما يساهم في إفراز نخب مؤهلة لتحمل المسؤولية وتدبير الشأن العام، على اعتبار أن شباب المغرب الواعي يوجد في صلب مشروع التحديث الدستوري والسياسي، لتعزيز انخراطه في مختلف الإصلاحات الديمقراطية والأوراش التنموية المتزايدة.
يأبى عدد من الفاعلين السياسيين وخاصة منهم أولئك الذين أسقطوا في حقل السياسة بالمظلات، بهدف حماية مصالحهم الشخصية والدفاع عن مصالح الحزب الضيقة، ممن لا ينظرون بعين الرضا للطاقات الشابة المتنورة والمتمرسة على العمل الحزبي الشريف، التي تسعى بحس وطني صادق وروح المسؤولية إلى محاولة عقلنة تدبير الشأن المحلي والقطع مع الفوضى، والتصدي لرموز الفساد في اتجاه إحداث التغيير المأمول والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد والعباد. كما هو الشأن بالنسبة لرئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار وعمدة مدينة أكادير عزيز أخنوش، الذي يفترض فيه أن يكون نموذجا للرجل الناجح في حسن التدبير والتسيير وتحفيز الشباب على الانخراط في العمل السياسي.
إذ لا نعتقد أن رئيس الحكومة يجهل ما تشكله فئة الشباب من قوة بشرية مهمة وما لها من دور فعال في عملية بناء وتطوير قدراتها المادية والمعنوية على حد سواء، من خلال مساهمتها الإيجابية في خلق التنمية المستدامة داخل المجتمع وفي مؤسسات الدولة، وهي بذلك تعتبر رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وهي كذلك القوة الدافعة لحركية المجتمع وتطوره، مما يقتضي العمل على إشراكهم في الحياة السياسية، ولاسيما أن نسبة الشباب في المغرب تتجاوز 60 في المائة وأن الفصل 33 من الدستور نص على ضرورة اتخاذ السلطات التدابير اللازمة لتوسيع وتعميم إشراك الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتسهيل ولوجهم للحياة الثقافية عبر مساعدتهم وتشجيعهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية…
وليس هذا وحسب، فقد نص الفصل 170 من الدستور كذلك على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي بمثابة هيئة استشارية تعمل على تقديم المشاريع والبرامج الهادفة إلى إدماج الشباب في قلب الشأن العام عبر تقديم الاقتراحات حول كل موضوع اقتصادي وثقافي يهم هذه الفئة. إصدار قانون تنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، باعتباره ترجمة حقيقية لما جاء به الدستور من تنصيص على وجوب إشراك فئة الشباب في الحياة السياسية وسهر الأحزاب السياسية على ترسيخ هذه الممارسة بين الشباب وإدراجهم في الهياكل التقريرية. فلماذا يتضايق أخنوش وغيره من قادة الأحزاب السياسة والمنظمات النقابية ببلادنا من وجود طاقات شبابية ونسوية، تتحلى بقيم النزاهة والصدق والأمانة ونكران الذات والحفاظ على المال العام ومكافحة الفساد بمختلف أشكاله؟
ففي هذا السياق فوجئ الرأي العام الوطني مع مطلع الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر الجاري بانتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق لمشاحنات جرت بين المستشارة الجماعية “رجاء مسو” عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعزيز أخنوش رئيس المجلس الجماعي لمدينة أكادير الذي هو نفسه رئيس الحكومة وحزب “الأحرار”، وذلك إبان أشغال دورة أكتوبر للمجلس الجماعي التي انعقدت يوم الاثنين 7 أكتوبر 2024، ولاسيما ما أثاره رده المتسم بالاستعلاء من استياء واسع، لا لشيء سوى أنها قامت بما يمليه عليها ضميرها حول ما عرفه مشروع الميزانية الخاصة بالمدينة الذي تقدم به أمام الحاضرين من أعضاء المجلس من اختلالات، والمتمثلة أساسا في تكرار عدد من المصاريف تحت نفس العناوين، مستفسرة عن طريقة التسيير وصرف ميزانية سنة 2024 ومطالبة بضرورة توضيح ما يشوب مصاريف الاستقبال والإيواء والإطعام والنقل والتدريب من غموض للحفاظ على المال العام، إذ قال بلغة المتعجرف “إن السياسة لا تمارس هنا في المجلس، وإنما بين “لي سينيور” أي بين “الكبار”، لكنها لم تتأخر في إفحامه بالكشف عن قصوره في فهم المعنى الحقيقي للمشاركة السياسية، مشددة على أن دورات المجالس المنتخبة هي المكان المناسب لممارسة السياسة، حسب ما تعلمته في المدرسة الاتحادية العريقة.
عموما وكيفما كان الحال، فإنه بقدر ما ألمنا كثيرا هذا الحدث المؤسف الذي ليس بطله سوى رئيس الحكومة ورئيس حزب “الحمامة” ورئيس المجلس الجماعي لمدينة أكادير عزيز أخنوش، بقدر ما أثلجت صدورنا تلك الشابة المتمكنة “رجاء مسو” المستشارة الجماعية عن حزب “الوردة” من خلال تدخلها الحازم، إثر ما قامت به من قراءة تحليلية ونقدية لأرقام مشروع الميزانية، تستحق عليها التنويه وليس التقريع والازدراء.
إنه مهما حاول أخنوش ومعه ابن كيران وغيرهما من “الفاعلين السياسيين” إفساد حقل السياسة وإحباط الطاقات الشابة المتحفزة للعمل السياسي النظيف والمثمر، فلن يكون بمقدورهم إطفاء جذوة الأمل المشتعلة في صدور تلك الأطر الشابة الكفؤة بمختلف الأحزاب السياسية التي تنبض قلوبها بحب الوطن، وما انفكت تساهم بإخلاص في صناعة الأمل والتفاؤل بالمستقبل في عدة مجالات اقتصادية وثقافية وسياسية ورياضية، فضلا عن التدبير الجيد للجماعات الترابية وغيرها من المؤسسات في القطاعين العام والخاص، كلما أتيحت لها فرصة تحمل المسؤولية.