رحلة الألم والانفراج
محمد شحلال
في اوائل سنة 1984،صدرت أول سيرة ذاتية لأحد المنحدرين من بلدة،،سيدي لحسن ،والضبط من تضاريس منطقة،،المعدن،،القاسية.
خرج هذا الإصدار آلى الوجود باللغة الفرنسية للمهندس والأستاذ الجامعي السيد محمد السهلي الذي اختار أن يكون الكتاب باسم،،Brick Oussaid،،أو،،بريك وسعيذ،،كما عرف محليا.
أنهيت قراءة الكتاب المفقود بصدفة عجيبة،لذلك،كان علي تسليمه في اجل محترم.
كنت قد اطلعت على ملخص لهذا العمل قبل سنوات عديدة،لكنني لم أجرؤ على التعليق أو إبداء الرأي دون إلمام كاف بكل خبايا الكتاب.
لقد وجدت في صفحات الكتاب متعة حقيقية،حيث أتيت عليه في ظرف قياسي بعدما استهجان أسلوب الكاتب وفرنسيته الراقية التي صقلها حينما حل بفرنسا سنة 1968 لمواصلة دراسته العليا.
كان لمتعة القراءة مبررات عديدة،ولعل أبرزها،أن الكاتب ابن بلدتي،ونتقاسم معي ومعي العايدين غيري كثيرا من غبن الحياة بسبب ضيق ذات اليد وعقم البلدة التي تعايش فيها أجدادنا مع كل أشكال الحرمان والعوز.
وللإنصاف،فإن معاناتي لا تقارن بما عاناه هذا الرجل حتى أصبح حالة بدون نظير بسبب عرف مساره من صدمات قاسية يندر أن يتجاوز الإنسان بسلام كما كان الشأن بالنسبة له،حيث أستطيع الجزم بأنه فينق زمانه الذي يجدر أن يكون قدوة لكل أبناء البلدة بل ولك الفقراء حيثما وجدوا.
لقد صور الكاتب رحلة العذاب التي كانت من نصيبه منذ طفولته الأولى،قبل أن تلازمه خلال سنوات الدراسة الأولى التي حولها أحد مدرسيه إلى رعب حقيقي ما زال رفقاؤه في الفصل يتذكرون فظاعاته بكثير من السخط والامتعاض.
غير أن صاحبنا كان منثورا لضربات قاسية حينما اختفى أخوه غير الشقيق قبل أن يسجن الثاني بعدما تسبب في مقتل عمه دفاعا عن نفسه لتصبح الأسرة دون معيل بعدما وهن عظم الوالد وتفاهم مرضه.
مارس الكاتب الرعي مبكرا،وتولى القيام بكل أعمال البدو،وانقطع عن الدراسة بعدما ضاق ذرعا بقسوة مدرسه،ثم عاد مجددا ليكون من اوائل الحاصلين على شهادة الدروس الابتدائية بامتياز !
واصل الدراسة بمدينة جرادة،لكنه ظل شبه متسكع،حيث لم يجد مأوى قارا واضطر إلى المبيت في العراء لكن نبوغه عرف مزيدا العطاء الاستثنائي الذي كان يغطي على أشكال حرمانه ،مما احتمال إليه قلوب اساتذه الفرنسيين الذين الجدوال له حلول مناسبة لتجاوز معاناته ومواصلة الدراسة.
فقد اباه في سن المراهقة،ثم انتقل الى مدينة وجدة لاستكمال المرحلة الثانوية التي فقد خلالها والدته ليصبح الجرح مفتوحا هذه المرة ويقتنع معه التلميذ المجد بأنه لا فائدة من التفكير في العودة بعدما فقد والدته التي كان يمني النفس بتعويضها عن كل ما فاتها.
حصل على شهادة البكالوريا / علوم سنة1968 بامتياز،ثم رحل إلى فرنسا بعد طول معاناة ليحرز عدة شهادات علمية،وليستقر هناك مدة طويلة عاد بعدها إلى مدينة الدار البيضاء التي درس وأمام بها.
هي قراءة عابرة لا تقف عند التفاصيل حتى يكون بوسع القاريء أن يستمتع بدوره وهو يجول مع الكاتب في دروب الحرمان عبر أفظع صوره،لكنه ما يلبس أن يعجب بهذا الفتى النحيف الذي بز نظراته من أبناء الأغنياء وعلية القوم حتى صار ذكره على كل لسان أيام دراسته بثانوية جرادة بفضل تفوقه الاستثنائي الذي لم يستسغه الآخرون لمجرد أنه ،،نكرة فقيرة،،انتزعت المعرفة بنبوغ نادر !
ولعل ما استوقفني في هذا الكتاب الممتع،هو جرأة الكاتب وعدم تنازله عن رغباته ومشاعره المشروع حيث لم يمنعه عسر حاله من خوض تجربة العشق واقتحمام عالم المرأة بالطريقة المتيسرة في إحدى مراحل العمر.
هذا من جانب،ومن جانب اخر،فإن الكاتب ربما تجاوز بعض الخطوط حينما أورد أسماء أشخاص من الجنسين يسهل التعرف على هويتهم،مما يعتبر مسا بكرامتهم،ناهيك عن إسباغ صفات المقاومة والبطولة على أشخاص بدون تدقيق،حيث إن من قاموا بهذه البطولات هم أشخاص آخرون جلهم من خارج البلدة وكانوا منضوين في خلايا المقاومة،لكن الكاتب،ولصغر سنه،فقد نسب العمل لغير اهله لشح المعلومات وصغر سنه.
وعدا هذه الملاحظات البسيطة،فإن السيرة الذاتية للسيد بريك وسعيد( محمد السهلي)،جديدة بالقراءة المتأنية خاصة من طرف أبناء البلدة الذين يعتبر هذا الشخص- في نظري- نموذجا يحتذى.
تحية للسيد السهلي،وامد الله في عمره حتى تصلنا باقي إصدارات التي سمعنا عنها ولم نستقبلك بعد.